ها هي الإجازة الصيفية قد قاربت على الانتهاء، وسيعود أبناؤنا إلى المدارس من جديد، وقد اعتادوا في الإجازة على السهر إلى وقت متأخر من الليل، وبعضهم يبقى مستيقظًا حتى بزوغ ضوء النهار، وينام بقية النهار ولا يستيقظ إلا متأخرًا. وحتى يستطيعوا المداومة من جديد بمدارسهم، فإنّ عليهم أن يعتادوا النوم مبكرًا، كي يستطيعوا الاستيقاظ مبكرًا.. فماذا عليّ أن أفعل كي أعود بهم إلى نظام البكور؟
من الجميل الاستعداد المبكر، والتهيئة للشيء قبل قدومه بوقت كاف.
الكثير منا -مع الأسف- يغفل مسألة التهيئة المبكرة، ويتركون الأمور تسير بلا ضوابط أو قيود، ثم يتفاجؤون أنهم لم يهيئوا أبناءهم، وكأن المدارس أتت فجأة!
وقبل أن نقترح وسائل معينة على النوم المبكر، إليك مجموعة من الشروط التي تيسر علينا اتباع الوسائل المختلفة:
- من المهم حينما نبدأ في إرساء قاعدة النوم مبكرًا، أن نرسيها في أجواء مريحة، غير صاخبة بالصراخ والصوت العالي، حتى لا ترتبط الدراسة مع الأطفال بالكدر والحرمان مما تطيب به نفوسهم من حب اللهو والسهر.
- يفضل أن نبدأ قبل الدراسة على الأقل بأسبوعين.
- وأن يكون التخطيط للنوم مبكرًا في حضور الأطفال. ولا تنزل عليهم القرارات فجأة، فهم من يقررون معكم، ويتفاوضون معكم في كيفية التدرج وفي نوعية الوسائل المشجعة على النوم مبكرًا.
- نقترح أن يكون هذا الحوار في جلسة العائلة الأسبوعية التي يعلم الأطفال بموعدها مسبقًا. وتصنع الأم حلوى محببة لهم، وتكون هذه الجلسة ختامًا طيبًا للإجازة نسرد فيها الإنجازات والفسح والخبرات التي تعلموها.
يبدأ الأب أو- أحد الأبناء- بتلاوة الآيات التي يتحدث فيها المولى عز وجل عن الليل والنهار؛ {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)} [النبأ]، فاختيار الآيات كبداية للتهيئة لموضوع الجلسة شيء مهم.
ثم نتناقش حول جعل النهار للمعاش والليل للنوم والسكون، وكيف أن الله سبحانه وتعالى قضى أن يكون الليل للراحة، والنهار للعمل، وعلى ذلك بُني نظام الجسم البشري، فهناك هرمونات لا تفرز إلا بالليل، كهرمون النمو، وهرمون الكورتزول، وهرمون الميلاتونين.
والعجيب أن هرمون النمو يكون إفرازه في الليل أكثر منه في النهار، وإفرازه في الليل خلال ساعات النوم أكثر منه في ساعات الاستيقاظ. إفرازه في مرحلة النوم العميق يكون أكثر وأكثر. والنوم يكون عميقًا كلما كان في ساعات الليل الأولى، فالسهر حقيقة يدمر الجسم.
حينما يعلم الأطفال هذه الحقائق الكونية والحقائق العلمية، يكونون على وعي وإدراك وتقبل واقتناع أكثر، وبالتالي يصبح التنفيذ أكثر واقعية.
ثم نحدثهم بعد معرفة أهمية النوم مبكرًا عن أهمية الاستيقاظ مبكرًا، وكيف أن البركة في البكور، ومن المهم:
- من المهم أن يكون الحديث متبادلًا وليس في شكل خطبة.
- في هذه الجلسة نتفق على التدرج في النوم المبكر، ونعطي تسامحًا في اليوم الأول في التنفيذ، ثم ننبه مسبقًا في اليوم التالي على حسم مسألة النوم مبكرًا، حتى نصل للدراسة، وقد تدربوا قبلها بوقت كاف.
هذا التدرج مهم جدًا، حتى يدخلوا الدراسة مقبلين نشطين مهيئين؛ فالانتقال فجأة من حياة الراحة والدعة إلى حياة الواجبات والنوم المبكر والاستيقاظ المبكر، يولّد حالة من الإرباك تدوم على أقل تقدير مدة أسبوع، فيتولد لدى الأبناء إحساس بأن الدراسة ثقيلة، وأن المدارس مصدر إزعاج!
وإليك بعض الخطوات العملية:
- احرصي في اليوم الأول للتنفيذ على إيقاظهم مبكرًا عن الموعد المعتاد.
- يفضل أن يبذلوا أثناء اليوم نشاطًا بدنيًا يجعلهم يخلدون للنوم المبكر من كثرة الإجهاد. (نذكرهم قبل موعد النوم بوقت كاف على الوقت المتفق عليه في جلسة الأسبوع).
- إذا كان الأطفال يستخدمون الهواتف المحمولة، فعليهم أن يسلموها في حجرة الأم قبل موعد النوم بساعتين؛ فإضاءة الشاشات تجلب الأرق.
- يفضل أن تكون آخر وجبة للطفل قبل النوم- على الأقل- بساعتين. كما يفضل ألا تحتوي هذه الوجبة على سكريات أو منبهات (كالكاكاو والشيكولاتة).
- كما يفضل ألا يتناولوا مشروبات قبل النوم مباشرة؛ حتى يناموا نومًا عميقًا، لا يحتاجون معه للقيام لقضاء الحاجة.
- يفضل أن يهدأ النشاط في عموم المنزل ، حتى يكون الجو العام مشجعًا على الدخول في النوم.
- ننصح الأطفال بغسل أسنانهم وأرجلهم قبل النوم، وارتداء ملابس نظيفة (فالنظافة تساعد على الاسترخاء والنوم سريعًا).
- كما نعلمهم نفض السرير قبل النوم، وترديد الدعاء؛ فقد روى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا أوَى أحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِراشَهُ بداخِلَةِ إزارِهِ؛ فإنَّه لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عليه، ثُمَّ يقولُ: باسْمِكَ رَبِّ، وضَعْتُ جَنْبِي، وبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ به عِبادَكَ الصَّالِحِينَ”.
- ذا كان الأطفال في سن العاشرة أو دونها، يفضل أن تمكث الأم بجوارهم تحكي لهم قصة قبل النوم وتردد الأدعية، وبعض ما يحفظون من القرآن. فوجود الأم بجوارهم يمنحهم الطمأنينة، ويخلدون إلى النوم بشكل أسرع.
أعاننا الله وإياكم.. وجعله عامًا دراسيًا سعيدًا فيه من الخير المزيد في أمور دينهم ودنياهم.