لو أُمر إنسان جائع أن يمشي في طريق معين، لعل في نهاية الطريق ما يُشبع جوعه ويروي ظمأه، دون مزيد من الإيضاح حول ما يوجد حقا في نهاية هذا الطريق؛ لسار مترددا، ولكان اندفاعه ضعيفا، ولراوده التساؤل والتكاسل.
ولكن لو قيل لهذا الإنسان الجائع: اسلك هذا الطريق، فستجد في آخره بستانا جميلا، له أصحاب كرام، يدعون جميع الوافدين للغداء عندهم، على ضفاف السواقي والشلالات؛ لاندفع مسرورا مرتاح النفس راغبا، ولقطع الطريق بقوة وعزم وبأقل وقت؛ فالهدف يوجه النشاط ويدفع إلى الإنجاز، ويساعد على النجاح.
وهنا تتضح أهمية تحديد الأهداف بشكل عام، ونركز في مقالنا هذا على الأهداف التربوية.
تعريف الأهداف التربوية
الهدف التربوي هو: القصد أو الغاية التي تعمل التربية للوصول إليها، وكلما كانت الأهداف التربوية دقيقة وواضحة فإن ذلك يساعد بشكل كبير على نجاح العملية التربوية، والأهداف التربوية لها تعريفات عدة، منها:
- الرغبة في تغيير متوقع في سلوك المتربي.
- التغير الذي يسعى المربي لإحداثه في أداء المتربي.
- ناتج عملية التربية.
- ما يكون المتربي قادراً على أدائه من سلوكيات تربوية مطلوبة بعد مروره بالموقف التربوي أو الخبرة التربوية.
أهمية تحديد الأهداف التربوية
الأهداف دائماً نقطة البداية لأي عمل سواء أكان هذا العمل في إطار النظام التربوي أو أي نظام آخر، فهي تعد بمثابة القائد والموجه لكافة الأعمال، ويمكن إبراز الدور الهام للأهداف التربوية على النحو التالي:
- تعني الأهداف التربوية في مجتمع ما بصياغة عقائده وقيمه وتراثه وآماله واحتياجاته ومشكلاته.
- تدفع الغايات مخططي المناهج إلى اختيار المحتوى التربوي المناسب للفئات المستهدفة وصياغة أهدافها التربوية الهامة.
- تساعد الأهداف التربوية على تنسيق وتنظيم وتوجيه العمل لتحقيق الغايات الكبرى ولبناء الإنسان المتكامل عقلياً ومهارياً ووجدانياً في المجالات المختلفة.
- تؤدي الأهداف التربوية دوراً بارزاً في تطوير وتوجيه العمل التربوي لأي مجتمع.
- يساعد تحديد الأهداف التربوية في التنفيذ الجيد للمنهج من حيث تنظيم طرق التدريس وأساليبها وتنظيم وتصميم وسائل وأساليب مختلفة للتقويم.
لذا فإن تحديد الأهداف التربوية ضروريٌ لكل ضروب السلوك الواعي وتزداد أهميتها في العملية التربوية التي يراد منها توجيه الجيل وبناء صرح الأمة وتعيين أسلوب السلوك في حياة الفرد والجماعة، حتى يجتاز البشر هذه الحياة بسعادة ونظام وتعاون وانسجام، وتفاؤل ورغبة وإقدام ووعي وتدبر وإحكام.
وتحديد الأهداف التربوية أمر لا غنى عنه؛ فمفهوم التربية في جوهره يفيد في تحقيق هدف ما، كما أن ممارساتنا في الحياة اليومية في حد ذاتها مجموعة أهداف نسعى لتحقيقها، وكذلك فتحديد الأهداف التربوية يساعد في التخطيط السليم ومتابعة وتقويم العملية التربوية.
مستويات الأهداف التربوية
تنقسم الأهداف التربوية من حيث المستوى إلى ثلاثة مستويات هي:
أولا: الأهداف التربوية العامة:
وهي النهايات أو النتائج الكبرى المقصودة التي ترمي عملية التربية إلى تحقيقها لدى المتربين، وتكون غالباً على شكل عبارات شاملة وتحتاج إلى فترة زمنية طويلة، مثل: بناء الإنسان الصالح، تنمية التفكير العلمي، القدرة على حل المشكلات، ويمكن أن نستخلص من هذه الغايات الاتجاهات والأفكار السائدة في المجتمع.
وللأهداف العامة – رغم عموميتها – فائدة قصوى، حيث تعتبر الركيزة الأساسية للنشاط التربوي بكامله.
ثانيا: الأهداف التربوية المتوسطة:
يتصف هذا المستوى من الأهداف بأنه متوسط من حيث التعميم والتخصيص، أي بين مستوى الأهداف العامة ومستوى الأهداف الخاصة، فهي من جهة أقل عمومية وتجريداً من الأولى، ومن جهة ثانية غير محددة بما فيه الكفاية حتى تكون في مستوى الدقة التي تميز الأهداف الخاصة (الإجرائية).
ويمكن أن نعتبر الأهداف الوسطى أهدافاً ترتبط بالمراحل الدراسية وبالمواد الدراسية، وعلى مستوى المنهج تتعلق بأهداف الوحدات الدراسية.
ثالثاً: الأهداف السلوكية أو الخاصة أو الإجرائية (تستخدم بمعنى واحد):
وهي تلك الأهداف التي تصاغ بعبارات واضحة ومحددة، وتعبر عن السلوك المراد تحقيقه في المتربي، وتظهر آثارها في سلوكه نتيجة مروره بخبرات التعلم وتفاعله في المواقف التدريسية. وعن المهارات القابلة للملاحظة والتي يكتسبها بعد فترة دراسية قصيرة ولتكن حصة دراسية، وعلى مستوى المنهج تتعلق بأهداف الدروس.
وتساعد الأهداف السلوكية الإجرائية على تحقيق فوائد عدة، منها:
- وضوح الأهداف يساعد المربي على اختيار وتحديد الأنشطة والوسائل المناسبة، كما يجعل في مقدوره التمييز بين ما هو مناسب منها وما هو غير مناسب، أي ما هو قابل للتحقيق في مواقف تربوية معينة، وما لا يمكن تحقيقه في نفس الوقت.
- التعريف الإجرائي للأهداف يمكن المربين أنفسهم من تقويم أفضل لنشاطهم التعليمي.
- يساعد المتربي على التحقق بالأهداف التربوية المطلوبة ويساهم في تنمية التربية الذاتية لدى المتربين.
صياغة الأهداف السلوكية أو الإجرائية:
تتطلب عملية صياغة الأهداف السلوكية القيام بعدة خطوات تتمثل فيما يلي:
- التحديد والتعريف للسلوك أو الأداء المتوقع قيام المتربي به بعد الموقف التربوي، والذي يعتبر دليلاً على تحقيق الهدف.
- تحليل هذا السلوك إلى سلسلة من الأداءات والأعمال التي يمكن ملاحظتها وقياسها.
- وصف كل عمل أو أداء بفعل سلوكي واضح لا يحتمل أكثر من معنى.
- تحديد مستوى الأداء المطلوب، أو معيار الأداء المقبول.
الشروط الواجب توافرها في صياغة الهدف السلوكي أو الإجرائي الجيد:
- أن يكون محدداً واضح المعنى، قابلاً للفهم، ولا تحتمل كلماته تأويلات متعددة، بمعنى أن يفهمه الجميع بنفس المعنى.
- أن يركز على سلوك المتربي، وليس على سلوك المربي.
- أن يصف النواتج التربوية المطلوب التحقق بها وليس الأنشطة التي تؤدي إلى هذه النواتج.
- أن يكون قابلا للملاحظة والقياس.
- أن يكون مناسباً لمستوى المتربي، وليس على مستوى من يضع الهدف.
- أن يرد في الهدف الحد الأدنى للأداء.
- أن يكون قابلاً للتحقيق قريباً ما أمكن من الواقع ومن الإمكانات المتوفرة، وفي متناول المتربي.
وهكذا يتضح لنا أن الهدف التربوي هو الغاية التي يتصورها المربون والمتربين، ويضعونها نصب أعينهم وينظمون سلوكهم من أجل تحقيقها، أما النتيجة فهي المحصلة التي انبثقت عن السلوك، وتوصل إليها الكائن سواء حققت الهدف أم لم تحققه، وأولى نجاحات المربي في مهمته الجليلة نجاحه في صياغة أهداف تربوية جيدة أو أن يكون على علم ودراية كاملة بمنظومة الأهداف التربوية التي تعمل المؤسسة على تحقيقها في الأفراد الذين أوكلت مهمة تربيتهم إليه.
المصادر:
عبدالرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع.
محمد عزت عبد الموجود: الأسس الفنية لصياغة الأهداف التعليمية.
مهدي محمود سالم: الأهداف السلوكية.. تحديدها – مصادرها – صياغتها.