السؤال
متزوجة ولديّ أخت تصغرني بعشر سنوات، وهي في مرحلة المراهقة.
أرى حيرة أمي معها، ولا أعرف كيف أساعدها في تربيتها. أرجو منكم النصيحة.
الرد
أهلا بكِ ضيفة كريمة على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية، ومختلف صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي.
جزاكِ الله خيرًا على حرصكِ على مساعدة الوالدة في تربية أختكِ، فالحياة تستقيم الحياة بأداء كل واحدٍ منا دوره، فتظل الأخت أختًا لأختها، وهذا خير لها من أن تتبنى دور الأم، فالمطلوب منكِ تجاه أختكِ هو ما يليق بأخت لأختها، أما دور الأم فتقوم به الأم طالما كانت على قيد الحياة ويمتعها الله بالصحة والعافية.
ليكن المطلوب منكِ تجاه أختكِ الصغيرة:
السؤال الدائم عنها وتفقد أحوالها بمحبة.
الاستماع إليها ومصاحبتها.
قبول أنها ليست على ما يرام دائمًا، أو ليست كما تحبون، فهذا من طبيعة المرحلة؛ (الخطأ، والتجريب، والعنفوان، وعلو الصوت، وعدم سماع الكلام).
بل إن أفضل ما تقدميه لأختكِ هو مشاركة خبرات تلك المرحلة، سواء كانت تلك الخبرات جيدة أم بها عثرات، ومشاركتكِ لها مشاعر غضبكِ أحيانًا حينما لم يفهمكِ الكبار، ومشاعر ارتباككِ حين البلوغ. كلما استطعتِ أن تقتربي منها، فافعلي.
نفهم أن الأجيال في مزيدٍ من التردي إذا ما قارنتِ حالكِ بحالها، لكن سمة هذا الجيل أنه أوعى وأكثر اطلاعًا، وتجدينهم قد مروا بخبرات تسبق الخبرات التي مررتِ بها في مثل تلك المرحلة. فاحترام خصوصية هذا الجيل المبتلى إلكترونيًا هو بوابة حسن تواصلكِ معها.
كوني لها الصدر الحنون الذي يضمد شرخ العلاقة مع الأم أحيانًا. فهم رغم ما يظهر عليهم من عناد، إلا أن بداخلهم مساكين ينتظرون من يحتويهم حقًا.
والأم التي ربت ابنة كريمة مثلكِ، قد تعييها الحيل إذا لم تطور من أدواتها في التربية لتربية أخت تصغركِ بعشرة أعوام، فالأدوات الفعالة مع جيلكم قد لا تتناسب مطلقًا مع جيل يدرس حقوق الطفل، ولديه مواضيع في الكتب المدرسية تحتوي على أرقام شكاوى ضد تعنيف الأطفال!
فالجيل مختلف بحق، ولا بد من تواصلٍ مختلف يتناسب مع طبيعته.
نتفهم الشعور الذي ألجأكِ إلى محاولة الذود عن الأم ومساعدتها في دورها، بسبب تلك الحيرة التي نراها على آباء وأمهات هذا الجيل. ولا سبيل لمجابهة ذلك إلا بمزيد من التثقيف التربوي، والاستعانة بالله دومًا. وحتى تنعمي بعلاقة سوية مع أختكِ، يجب أن تنتبهي لبعض الأمور:
أنتِ أم في الظل:
بمعنى تبني كل الصفات الإيجابية التي تصدر من أم لابنتها (احتواء، تفاهم، مساعدة… إلخ)، وتجنبي كل السلوكيات الأبوية المحضة (نهر، عقاب، زجر، امتعاض… إلخ).
لا للعقاب:
مهما أدخلتكِ الوالدة في شأنٍ من شؤون أختكِ الصغيرة، كوني حمامة سلام بينهما، ولا تدفعي أمكِ إلى أن تستشيط غضبًا من أختكِ. امتصي غضب الأم، ولا تكوني سببًا في عقاب أو تدهور علاقة. كوني كدرعٍ واقٍ يمتص غضب الأم ويعفي الأخت من عقابٍ محتوم.
كوني أنتِ الصندوق الأسود:
تحفظين سر أختكِ، فهم في أمسّ الحاجة لمن يثقون بهم ويختبرون تلك الثقة. فإن أفشيتِ لها سرًا، فلا تتوقعي أن تجعلكِ محل أسرارها يومًا.
أنتِ صديقة:
تلعبين معها، تصطحبينها في النزهات، تهادينها (تهادوا تحابوا)، تؤنسين وحدتها من صديقة.
واجعلي نيتكِ في كل ودٍ تجاهها هذا الحديثِ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ عال ابْنَتيْنِ أو ثلاثًا، أو أُخْتيْنِ أو ثلاثًا حتى يَبِنَّ، أو يَموُت عنهُنَّ؛ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتَيْنِ” (وأشار بأُصْبُعَيْهِ السبَّابةِ والتي تليها) (رواه أحمد).
فما أعظمه من مقام.
القبول سحر التربية:
ما تحتاجه أختكِ دائمًا هو التقبل، وما لا تحتاجه منكِ أبدًا هو (التوجيه).
فلأن تقبليها حال الخطأ، وحال التقصير، وحال الضعف بأن تنظري لها بعين الرحمة خيرٌ من الخطب والمواعظ. فلدينا تشوهات معرفية في متى وكيف نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.
ولنا في حديث من أتى يستأذن رسول الله في الزنا درسٌ بليغ في قبول المخطئ والضعيف، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: “إن فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه. فقال: ادنه، فدنا منه قريبًا، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أتحبه لابنتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء” (رواه أحمد).
وفي رواية أخرى قال: “اللهم طهّر قلبه، واغفر ذنبه، وحصِّنْ فرْجَه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه -الزنا-” (رواه أحمد).
هذا الحديث وغيره منارةٌ من هدي الحبيب، تعلمنا كيف يكون التواصل، وكيف نُعلي قيمة الرحمة، وكيف ننصح فيستمع لنا الآخرون ولا ينفرون، أدناه الحبيب منه، لم ينكر عليه موضوع الحديث، داعب مشاعره فعرف مدخله في الإقناع، مسح على قلبه، دعا له.
هكذا يجب أن يكون حالنا مع أولي أرحامنا، نترفق بهم ولا نتسلط عليهم، نعين أهلنا ولا نتقمص دورًا ليس من أدوارنا، نكون مفاتيح خيرٍ لهم، ونكمل ما استعصى على أهلينا لكبرهم أو قلة تعليمهم.
بارك الله لكِ، ابنتنا الكريمة، وجعل معاونتكِ لأهلكِ في رعاية أختكِ في ميزان حسناتكِ وحسناتهم.
أختي في مرحلة المراهقة.. كيف نتعامل معها؟
