لقد مدح الله – عز وجل- النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وهي شهادة أقرّها كلٌ من رآه وعاش معه، سواء مَن آمن به واتبع ما دعا إليه وهو عبادة الله وحده لا شريك له، أو حتى المشركون الذين رفضوا دعوته، وصمّموا على الكفر والعناد في سبيل شهوات الدنيا واتباع سُبُل الشيطان.
بل إنّ هذه الشهادة لم تقف عند هؤلاء وأولئك، حيث تفوّه بها وأقرّها نسل الفريقين، حتى يومنا هذا، فبخلاف المسلمين، نجد علماء غير مسلمين ومعروفين في مجالات علمية مرموقة جعلتهم محط أنظار الشرق والغرب، يُقرون بهذه الحقيقة، ويعترفون بأخلاق النبي الكريم التي ملأت الأرض رحمةً عدلًا ونورًا.
محمد صلى الله عليه وسلم في عيون الغرب
ولقد كانت وما زالت مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عيون كثير من أهل الغرب، تُثير دهشة المسلمين وغير المسلمين على السّواء، فها هو جورج برناردشو المستشرق الإنجليزى الشهير الذي قال فى مؤلفه “محمد” والذي أحرقته السلطات البريطانية خوفًا من تأثيره: “إن المثل الأعلى للشخصية الدينية عنده هو النبي صلى الله عليه وسلم”.
وقال برنارد شو: “إن رجال الدين فى القرون الوسطى، ونتيجة للجهل أو التعصب، قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنه اطلع على أمر هذا الرجل، فوجده أعجوبة خارقة، وتوصل إلى أنه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أن يسمى منقذ البشرية”.
وفى رأيه أنه “لو تولى أمر العالم اليوم، لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التى يرنو البشر إليها”.
ولم يخفِ المهاتما غاندي الذي قاد الهند إلى الحرية، إعجابه بشخص النبي عليه الصلاة والسلام، فقال فى حوار صحفى تطرق فيه إلى الحديث عن الرسول الكريم: “أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بلا منازع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعًا كل الاقتناع أنّ السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول، مع دقته وصدقه في وعوده، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته، هذه الصفات هي التي مهّدت الطريق وتخطت المصاعب وليس السيف.. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي آسفًا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة”.
وها هو المفكر الفرنسي لامارتين، الذي يُعدّ أحد أكبر شعراء المدرسة الرومانسية والذي لعب دورًا محوريًّا في تأسيس الجمهورية الفرنسية الثانية، يقول عن النبي عليه الصلاة والسلام: “إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يُقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم. لكن هذا الرجل (النبي عليه الصلاة والسلام) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ”.
وذكر المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون (1737-1794)، صاحب كتاب (اضمحلال الامبراطورية الرومانية وسقوطها) الذي يعد من أهم وأعظم المراجع في موضوعه، عن النبي الكريم: “ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم مرور اثني عشر قرنًا من الزمان”.
وهذا تولستوي ليف تولستوي (1828 ـ 1910) وهو الأديب العالمي الذي يعد أدبه من أمتع ما كتب في التراث الإنساني قاطبة عن النفس البشرية، يقول: “يكفي محمدًا فخرًا أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة”.
وقال الدكتور شبرك النمساوي: “إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته”.
وشهد السير موير – مستشرق أسكتلندي عمل دراسات عن حياة النبي والخلافة الإسلامية المبكرة وتولى إدارة جامعة إدنبرة، قائلا: “إن محمدًا نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه، ومهما يكن هناك من أمر فإن محمدًا أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمدًا في طليعة الرسل ومفكري العالم”.
بعض أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم
ضرب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حُسن الخُلق، وبيّن – عليه الصلاة والسلام- أنّ بعثته كانت لإتمام مكارم الأخلاق، حيث قال: {إنما بُعثت لِأُتمِّم صالح الأخلاق}، فأصبح بين الناس قرآنًا يمشي على الأرض.
ومن صفاته الحميدة عليه الصلاة والسلام، الصدق والأمانة فقد لقّبته قريش بالصادق الأمين قبل البعثة، وكان أهل مكّة يأتمنونه على أسرارهم، وحوائجهم، وأموالهم، ولما لا وقد وصفه ربه سبحانه: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (الزمر: 33)، فأين نحن من هذه الأخلاق حاليا فالقابض عليها الآن كالقابض على جمر من نار.
وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس بأمّته، كما كانت رحمته على الأطفال عظيمة، حتى كان كالوالد لهم، يقبّلهم ويضمّهم ويلاعبهم، فكان يحمل أمامة بنت زينب في الصلاة كما كان يترك الحسن والحسين كذلك، حتى أطفال المدينة كان الجميع يحبونه لعطفه عليهم وحنانه لهم، وإذا مات أحدهم بكى وحزن عليهم كسائر البشر رحمة بهم.
وليس الأطفال فحسب، بل النساء والعجائز والفقراء حتى الأغنياء والأقوياء كان صلى الله عليه وسلم يفيض عليهم بالرحمة في موضعها.
فكان رسول الله رحيما عطوفا رومانسيا مع زوجاته، وأدرك أنّ المرأة تحب الدلال فكان يدلل زوجاته دون استثناء ويقول لعائشة: (يا عائش، يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام)، كما كان يشرب من موضع شربهن ويأكل من موضع أكلهن.
يقول أنس بن مالك – رضى الله عنه-: “خرجنا إلى المدينة – قادمين من خيبر- فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب البعير”. وكان صلى الله عليه وسلم يسابق السيدة عائشة ويتركها تسبقه، ثم يسابقها مرة أخرى فيسبقها ويقول لها ضاحكًا: “هذه بتلك” (البخاري).
وتقول عائشة – رضى الله عنها-: زارتنا سودة يومًا فجلس رسول الله بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملت لها حريرة فقلت: كلي! فأبت فقلت: لتأكلي، أو لألطخن وجهك، فأبت فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجله من حجرها لتستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك (سنن النسائي).
ولمّا كان كبار السن قد أفنوا عمرهم في التدافع مع الحياة حتى شاب شعرهم وانحنى ظهرهم وضعفت قوتهم، وأصبحوا في أشد الحاجة لمن يعطف عليهم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجا طيبا في ذلك الأمر، حتى أنّ المستشرق الألماني “فلور أندريه” في كتابه (العالم الشرقي) وصفه بقوله في ذلك: “كان محمد رحيمًا بالضعفاء بشوشًا سهل المعاملة رقيق القلب”.
وقد جاء شيخ ذات يوم يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأبطأ القوم أن يُوسِّعوا له، فَرَقَّ له رسول الله ورَحِمَه، وقال: (ليسَ منَّا من لَم يَرحَمْ صغيرَنا، ويعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا) (أحمد والترمذي).
كيف ننصر النبي عليه الصلاة والسلام؟
إنّ نصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واجبة، وهو أمر ليس مستحبًا فقط، بل افترضه الله – جل وعلا- علينا، فمن رأى نبيه الكريم يُزدرى به ويُنتقص من مكانه، ولا يُوضع في مكانه الذي يليق به ولا يتحرك قلبه ولا تدمع عيناه فليراجع إيمانه؛ لأن نبينا قال: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وأهله وولده والناس أجمعين” (البخاري).
فانظر إلى المرأة المسلمة التي سمعت أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قد قتل في غزوة أحد، فخرجت مسرعة تقتفي الخبر وقابلت الجيش فقالوا لها: عظّم الله أجرك في زوجك وأخيك، قالت: أخبروني ماذا فعل رسول الله؟ قالوا: هو هناك يقبل، فقالت: يا رسول الله أوما قد رأيتك سالما، فكل مصيبة بعدك هينة.
فيجب أن نظهر محبتنا وغيرتنا على نبينا الكريم، وأن نمتثل لأوامره ونستجيب له في جميع أموره؛ صغيرها وكبيرها، وأن يكون قائدنا وقدوتنا: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} [آل عمران31].
إن المحبة ليست رموزًا تُقال، ولا كلمات تُرمى في الخيال، ولكنها أقوال تسطرها الأفعال ومواقف تسطرها الأقوال، يقول الإمام الشافعي: “لو كان حبك صادقًا لأطعته ** إن المُحبّ لمن يحب مطيع”.
ومن محبتنا ونصرتنا لنبينا عليه الصلاة والسلام، أن ننشر سنته في الملأ، وبين الناس جميعًا، وأن نكون نماذج طيبة خاصة في دول الغرب حتى يتعرفوا على حقيقة ديننا وطبيعة نبينا وأخلاقه الحميدة الطيبة.
وعلينا تربية الأبناء على حب رسول الله والسير على منهجه والدفاع عنه بالحسنى والأخلاق الطيبة، ونشر سيرته بين زملائهم.
ونحن نعيش عصر التكنولوجيا فيجب أن نستغل جميع الوسائل الحديثة في التعريف بنبي الإسلام وصفاته ورحمته وأخلاقه حتى تصل لسكان الأرض جميعا، ولا تترك بيت مدر ولا وبر إلا دخلته سيرة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
ويجب أن يحيا المسلمون وحكامهم في بلادهم بالعدل الذي نادى به رسول الله، والحرية التي حث عليها رسول الله، والإخاء والتكافل حتى لا يتجرأ حتى على إهانة نبينا زاعما أننا من شوه سيرته وصورته.
وعلينا إنتاج أفلام بلغات عدة تبين أخلاق رسول الله وصفاته منذ الصغر حتى وفاته وكيف كان يعامل الضعيف والعدو والفقير والصغير والكبير لقوة تأثيرها في النفوس.
المصادر:
- عظمة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في عيون العلماء الأجانب
- المستشرق الألماني فلور أندريه: كتاب العالم الشرقي.
- وسائل نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم