إنّ الإنسان بطبيعته غير معصوم من المعاصي واقتراف الذنوب، ودائمًا تتنازعه قُوى الخَير والشر، وتتجاذبه دوافع التقوى ومُغريات الشهوات، لذا فإن محاسبة النفس من أهم عوامل تربية النفس التي يجب على كل عبد المداومة عليها، ليجدد التوبة إلى الله- سبحانه وتعالى- ويُقبِل على العبادة بنفسٍ هادئة، وفكرٍ صافٍ، وعقل واعٍ، وفي الوقت ذاته يغلق الباب أمام الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
ولا شك أن غياب المحاسبة نذير غرق النّفس في لجج من بحار الفساد والتّيه المنتهية بنارٍ وَقُودها النّاس والحجارة، وأن الفساد في الدنيا إنما يكون ظاهرًا جليّا حينما لا يتوقع المجتمع أو الفرد حسابًا، من رب قاهر أو من ولي حاكم أو من مجتمع محكوم أو من نفس لوامة، قال جل شأنه: (إِنَّهُم كَانُوا لاَ يَرجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِـئَايَـتِنَا كِذَّاباً) [النبأ: 27-28].
معنى محاسبة النفس واستشهادات من القرآن والسنة
ويُعرّف اللغويون محاسبة النفس بأنها من المصدر حاسب يُحَاسِبُ، وهو مأخوذ من مادة (ح س ب) التي تدل على العد، تقول: حسبت الشيء أحسبه حسبا وحسبانا، وحسابا وحسابة إذا عددته، وحاسبته من المحاسبة، وشيء حساب أي كاف، ومنه قوله تعالى: (عطاءً حِسَابا) أي: كافيا.
وفي الاصطلاح: أَنْ يَتَصَفَّحَ الإِنْسَانُ فِي لَيْلِهِ مَا صَدَرَ مِنْ أَفْعَالِ نَهَارِهِ فَإِنْ كَانَ مَحْمُودًا أَمْضَاهُ وَأَتْبَعَهُ بِمَا شَاكَلَهُ وَضَاهَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا اسْتَدْرَكَهُ إِنْ أَمْكَنَ، وَانْتَهَى عَنْ مِثْلِهِ فِي المُسْتَقْبَلِ.
ومن هذا التعريف يتضح أن محاسبة النفس لا تنحصر في لومها وتقريعها وعقابها إذا أخطأت، بل يتسع المدلول ليشمل كذلك مكافأتها وتشجيعها إذا أحسنت؛ لتكون بذلك أنشط على الحق والصواب والطاعات وأكثر حبًا لذلك، وأبعد من الضلال والخطأ والمعاصي، وأكثر كرهًا لذلك.
وتتولد المُحاسبة من مخاوف النفس، والرغبة في زيادة الأرباح، فتورث الزيادة في البصيرة، والكيس في الفطنة، والسرعة إلى إثبات الحجة، واتساع المعرفة، وتتخلف محاسبة النفوس بغلبة الهوى والشهوة، فالمُحاسبة هي النظر في أعمال النفس، ثم استدراك الأخطاء، والمضي في الصالحات.
وقد أمر الله- عز وجل- عباده بمحاسبة أنفسهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
وجاء في القرآن آيات كثيرة تدل على ضرورة المحاسبة باستمرار، من ذلك قول الله تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِرَامًا كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10-12]، وقال- عز وجل-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 16-18].
ويقول- سبحانه-: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية: 28 و29]. وقال تعالى: (… وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ) [البقرة: 284].
ولا تمر أي همسة أو فعل صغير دون أن يُحاسب عليه العبد، يقول- جل وعلا-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ) [غافر: 19]، وقال تعالى: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السماواتِ أَوْ فِى الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان: 16]. وقال- جل شأنه-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) [الزلزلة:7 ، 8].
ويُفاجأ المجرمون يوم القيامة بأن كل شيء مسجل، يقول تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49] وقال تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا) [النبأ:29].
وبيَّن الله سبحانه أن الجزاء الحسن والمثوبة في العاجل والآجل في المحاسبة، فقال: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40، 41].
ولأهمية هذا العمل القلبي، حض عليه النبي- صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله” (الترمذي)، قال النووي رحمه الله: “قال الترمذي وغيره من العلماء: معنى: “دان نفسه: حاسبها”.
وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: “كُنتُ معَ رسولِ اللَّهِ- صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-، فجاءَهُ رجلٌ منَ الأنصارِ ، فَسلَّمَ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، ثمَّ قالَ : يا رسولَ اللَّهِ أيُّ المؤمنينَ أفضلُ ؟ قالَ : أَحسنُهُم خُلقًا ، قالَ : فأيُّ المؤمنينَ أَكْيَسُ ؟ قالَ : أَكْثرُهُم للمَوتِ ذِكْرًا ، وأحسنُهُم لما بعدَهُ استِعدادًا ، أولئِكَ الأَكْياسُ” (صيح ابن حبان).
وسار الصحابة الكرام والتابعون من بعدهم- على نهج النبي- صلى الله عليه وسلم- في المحاسبة، قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ- رضي الله عنه-: “حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الحِسَابِ غَدًا، أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ اليَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلعَرْضِ الأَكْبَرِ: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (أخرجه أحمد).
ولمّا كانت رأس عمر بن الخطاب في حجر ولده عبد الله في مرض الموت، قال له: “ضعه لا أمَّ لك، ويلي وويل أم عمر إن لم يغفر لي ربي”. وحُكي أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- خرج إلى بستان له، فرجع وقد صلى الناس العصر، فقال: “إنا لله وإنا إليه راجعون، فاتتني صلاة العصر في الجماعة، أُشهدكم أن حائطي على المساكين صدقة”؛ ليَكُون كَفَّارَة لما صنع عمر رَضِي الله عَنهُ، والحائط: الْبُسْتَان فِيهِ النخل.
وهذا أبو الدرداء يصيبه المرض ويدخل عليه أصحابه ليعودوه ويقولوا له: أي شيء تشتكي؟ فيقول: ذنوبي، فيقولون: فما تشتهي؟ فيقول: الجنة. وهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق كانت تصدع، فتضع يدها على رأسها، وتقول: بذنبي، وما يغفر الله أكثر.
وقال حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ- وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ” (مسلم).
وعَنْ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا قَالَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ.
قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ مَا لَكَ يَا عَمْرُو قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ تَشْتَرِطُ بِمَاذَا قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي” (مسلم).
ورُوِي عن محمد بن أبي حاتم ورَّاق: رأيتُ البخاري استلقى ونحن في تصنيف كتاب التفسير، وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في التخريج، فقلت له: إني سمعتُك تقول: ما أتيت شيئًا بغير علم، فما الفائدة في الاستلقاء؟ قال: “أتعبت نفسي اليوم، وهذا ثغر، خشيتُ أن يحدث حدثٌ من أمر العدو؛ فأحببت أن أستريح وآخذ أهبةً، فإن فاجأنا العدو كان بنا حَراك”.
وقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ- رَحِمَهُ اللهُ-: “رَحِمَ اللهُ عَبْدًا قَالَ لِنَفْسِهِ: أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟ أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟ ثُمَّ زَمَّهَا، ثُمَّ خَطَمَهَا، ثُمَّ أَلْزَمَهَا كِتَابَ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- فَكَانَ لَهَا قَائِدًا”.
وسائل تربوية تُعين على محاسبة النفس
وهناك أسباب معينة على محاسبة النفس، من أبرزها:
- تربية النفس على المحاسبة أولا بأول حتى لا تتراكم الذنوب ويشتد الحساب.
- معرفة أن مراقبة النفس يؤدي إلى النظر إلى وجه الله- سبحانه – ومجاورة الأنبياء والصالحين وأهل الفضل.
- تذكير النفس بأن ترك المحاسبة يؤدي إلى الهلاك والدمار، ودخول النار ومجاورة أهل الكفر والضلال والخبث.
- صحبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسهم وترك صحبة من عداهم.
- النظر في أخبار أهل المحاسبة والمراقبة من سلفنا الصالح.
- زيارة القبور والتأمل في أحوال الموتى الذين لا يستطيعون محاسبة أنفسهم أو تدارك ما فاتهم.
- حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير فإنها تدعو إلى المحاسبة.
- الحرص على قيام الليل وقراءة القرآن والتقرب إلى الله- سبحانه وتعالى-.
- البُعد عن أماكن اللهو والغفلة فإنها تُنسي الإنسان محاسبة نفسه.
- أن يذكر الإنسان ربه ويدعوه بأن يجعله من أهل المحاسبة والمراقبة.
فوائد وثمار
ولا شك أن محاسبة النفس لها فوائد وثمار في الدنيا والآخرة، من ذلك:
- معرفة عيوب النفس ونقائصها: وهو ما يجعل الإنسان ينزل نفسه المنزلة الحقيقة.
- معرفة حق الله- تعالى- وعظيم فضله عندما يقارن العبد نعمة الله عليه وتفريطه في جنب الله، فيكون ذلك رادعًا له عن فعل كل مشين وقبيح.
- تزكية النفس: قال- تعالى-: (قَد أَفلَحَ مَن زَكَّهَا وَقَد خَابَ مَن دَسَّهَا) [الشمس: 9-10].
- تربية الضمير الحي: وتنمّية الشعور بالمسؤولية ووزن الأعمال والتصرّفات بميزان الشرع.
- معرفة حقوق الناس والإقرار بها والسعي إلى ردها.
- الإكثار من الطاعات واجتناب المعاصي ومعرفة عيوب النّفس والاطلاع عليها والتوبة.
- تذلل العبد وانكساره بين يدي ربه وطلب العون بالتخلّص من الذنوب.
- إلزام النفس بالصّبر عند الشّدائد.
إنّ فلاح المسلم وسعادته في الدارين مقرون بمحاسبة نفسه وحملها على ما يُرضي الله تعالى، وإبعادها عما يُغضبه، ليعيش في استقامة دينه وقوة إيمانه، وعلى المسلم أن يعلم أنه لا صلاح للقلب إلا بالمحاسبة، وبها يعرف الإنسان آثام نفسه وسيئاتها، ويفوز في الأولى والأخرى.
المصادر والمراجع:
- المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف، ص 640.
- الفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/94.
- الماوردي: أدب الدنيا والدين، ص 453-454.
- أبو نعيم: حلية الأولياء 10/88.
- الدينوري: المجالسة وجواهر العلم 1/344.
- ابن أبي شيبة: المصنف 10/163.
- ابن القيم: إغاثة اللهفان 1/79.
- ابن حجر: فتح الباري 1/ 480.
- الذهبي: الكبائر ص 17.