سيظل مجتمع المدرسة أحد أهم منابر التربية وغرس الأخلاق الحميدة، وتهذيب السلوكيات الخاطئة، بالتوازي مع دور الأسرة الأهم في تربية النشء على مكارم الأخلاق، وذلك رغم أنّ كثيرًا منّا لم يُدرك في الصغر القيمة الأساسية للمدرسة وأنها مصدر جيد لتطوير المهارات الاجتماعية وترسيخ مبادئ الاحترام والعاطفة.
إن المدرسة تزرع في الأطفال صفات جيدة وتغرس فيهم حب العمل والنشاط، وتقدير قيمة الوقت، وأهمية العمل الجماعي، والسعي دائمًا للنجاح والتفوق، وبناء جسم سليم بالرياضة، وهي كلها إيجابيات يدرك حقيقتها وأهميتها المرء حينما يكبر، لذا فإن المدرسة هي مُستقبل مُشرق لكل طفل.
العمل الجماعي في مجتمع المدرسة
إنّ من أفضل وأهم الدروس التربوية التي يتعلّمها الطفل داخل مجتمع المدرسة درس العمل الجماعي مع الأصدقاء، وهذا لأنّ هذا الصرح التعليمي يُعد أحد الأماكن التي تجمع الأطفال في سن قريبة، ورغم ما يتمتعون به من إبداع وموهبة في هذه المرحلة العمرية، لكنهم يجتمعون تحت سقف واحد وهو الفصل، الذي يتعلمون فيه كيفية التعاون والانضباط والعمل سويًّا حتى لو كان ذلك في اللعب.
ولأهمية العمل الجماعي، فقد قال الله- عز وجل-: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]؛ قال القرطبي- رحمه الله – في شرح هذه الآية: “فإن الفُرقة هَلَكة، والجماعة نجاة”.
والعمل الناجح يحتاج دائمًا إلى طاقات وعقول مختلفة؛ لأن الإنسان الذي يؤدي كل الأدوار يفشل إداريا، فلا بُد مِن الاستفادة من طاقات الجميع، وحسن التنسيق بينهم، ليكون العملُ أكثر قوة وتنوعًا، إضافة إلى أن العمل الجماعي يُشعرُ الإنسان بقيمته كما يشعر باحتياجه إلى الآخرين، فيحصل التكامل.
وبخلاف العمل الفردي الذي ينقطع بانقطاع الأشخاص، فإن العمل الجماعي قيد الاستمرارية حتى في ظل التضييق، كما يدعو الإنسان إلى التواضع والإخلاص، وألا ينسب العمل لنفسه، بل ينسبه إلى الكِيان، يقول الشافعي: “وددتُ لو عمل الناس بعلمي، ولا ينسب إليَّ من ذلك شيء”.
قوة الكلمات والتواصل الجيد
وفي مجتمع المدرسة يتعلم الأطفال قوة الكلمات والتواصل الجيد الذي يستلهمونه من المدرسين المهتمين بتدريب النشء على التحدث بثقة، والكتابة بطريقتهم الخاصة، وغالبًا ما كنا نتذكر هؤلاء المدرسين ولا ننساهم مدى الحياة، لأنهم لديهم دافعًا وهو التعليم الجيد ومبادئًا عليهم تحقيقها، وهم من ألهمونا قيمة التواصل في حياتنا بشكل عام، لذا فإنّ التعليم في المدارس ليس شرحًا وتفسيرًا لمنهج فقط، بل هو تعليم لكل ضروريات الحياة ومنها الاتصال.
والمعلم يحتاج في عمله إلى الاتصال مع إدارة المدرسة ومعلميها للعمل على إيجاد أفضل السبل والأساليب التي تُساعد على الاتصال مع الطلاب وإيصال الرسائل التعليمية والتربوية إليهم بأفضل ما يكون، كما أنه يحتاج إلى التواصل الجيد مع أولياء أمور الطلاب للتحدث والتناقش في الشؤون التعليمية التي تهم جميع الأطراف، لكن هذا يحتاج إلى مراعاة الاهتمام والإصغاء لمن نتحدث إليهم، ونأخذ ما يقولونه بعين الاعتبار، وتوفير جميع المعلومات لمن نتواصل معهم.
الانضباط في مجتمع المدرسة
ويتعلم الطفل الانضباط في الأسرة، لكن سيظل لمجتمع المدرسة دور أساسي في غرس هذه القيمة التربوية في الأطفال، إذ لا مجال في هذا المكان لمخالفة السلوكيات واللوائح التي تضعها إدارة المدرسة، فالجميع يُطبق نظامًا هدفه تحقيق الاستقرار والأمن والحماية، حتى إذا خالف البعض ذلك، فهناك أدوات وطرق للردع وتقويم السلوك المعوج.
وتعود أهمية الانضباط إلى أنه شرط أساس للتدريس والتعلم، ويُحقق للمعلم تحكمًا في عملية التدريس ليصبح بمقدوره إكساب الطلاب العلوم والمعارف والمهارات التي يخطط لها، ودونه لا يُمكن أن يكون هناك تدريس فعّال، ما قد يُؤدي إلى انخفاض التحصيل الدراسي.
والانضباط في المدرسة يسهل عملية الاتصال والعلاقات الاجتماعية الجيدة بين الطلاب أنفسهم، ومع معلميهم وإدارة المدرسة، حيث يُسهم في إيجاد بيئة مدرسية مُحببة للطالب ومشجعة على التعلم، كما يُسهم في تحقيق مجتمع ذي سلوك حضاري في تعامله مع الآخرين أو الممتلكات العامة.
وتهتم المدرسة بتطبيق الانضباط لأهميته في التنظيم والتخطيط لإنجاز أي عمل، وحتى لا تعم الفوضى والعشوائية التي تنعكس بالسلب على أداء الطلاب مستقبلاً، وهي من السلوكيات الضرورية في تعليم الأطفال احترام حقوق الآخرين وكرامتهم التي ضمنها لهم الإسلام مثل عدم الاعتداء عليهم أو تخويفهم أو التجسس عليهم.
ويمكن نشر ثقافة الانضباط بين الطلاب في المدارس من خلال بعض الطرق، على النحو التالي:
- التعامل مع الطلاب والرفع من مستوى مهاراتهم عبر برامج تدريبية مخصصة لهذا الغرض.
- نشر الثقافة المدرسيّة المشجعة على الانضباط بوسائل الإعلام والمطبوعات.
- إدخال مفاهيم حديثة في تقويم تحصيل الطالب لا تعتمد على الاختبارات فقط.
- تزويد المدرسة ببرامج إرشادية متكاملة يمكن أن تطبقها وتدرب المرشدين عليها.
- الاهتمام ببرامج الأنشطة اللاصفية وإشراك جميع الطلاب فيها.
- وضع أنظمة وقواعد واضحة للتعامل مع المخالفات السلوكية.
- التركيز في إعداد المعلم على بناء مهاراته الاجتماعية.
- الاهتمام بالعملية التعليمية وتطوير مهارات التدريس لدى المعلمين وزيادة مرونة الخطط الدراسية.
ممارسة الرياضة والمنهج الدراسي
ونتعلم في مجتمع المدرسة ممارسة الرياضة الجماعية والفردية، إضافة إلى التمارين اليومية في الصباح، كما يمكن للموهوبين في رياضة معينة دخول المسابقات والحصول على جوائز كبيرة، وبالتالي تكون المدرسة أول مكان لاكتشاف الموهوبين.
والرياضة المدرسية عليها عامل كبير في استعادة الطالب لنشاطه وقدرته على استكمال اليوم الدراسي دون الشعور بكسل، وتساعد الطلاب على إخراج التوتر والضغط النفسي الناتج عن الدراسة وكم المواد الذي يدرسونها.
وتسهم الرياضة بالمدرسة، في تحسين سلوك الطالب تجاه أصدقائه وأقرانه، كما أنها تحارب الانطوائية والعزلة، وبالتالي تزيد من مدى الترابط والعمل الجماعي والتفكير بإيجابية، لذا تعد من الأوقات التي ينتظرها الطلاب للترويح عن النفس، خصوصًا لو كانت في منتصف اليوم الدراسي فإنها من العوامل الفارقة في استكمال الطلاب لباقي اليوم بحماسة كبيرة.
واهتم الإسلام بالقوة البدنية للمسلمين، فقد روى البخاري ومسلم أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يُقيم السباقات بين الخيل المضمرة وغير المضمرة، فعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: “أَجْرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضُمِّرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ سُفْيَانُ: بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَبَيْنَ ثَنِيَّةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ. قَالَ اِبْن عُمَر وَكُنْت فِيمَنْ أَجْرَى فَوَثَبَ بِي فَرَسِي جِدَارًا”، “فَسَبَقْتُ اَلنَّاسَ”.
اكتساب الأصدقاء للأبد
ويُمكن اكتساب أصدقاء للأبد من خلال مجتمع المدرسة الذي يعيش فيه الطلاب لسنوات داخل مكان واحد، فعندما كنا صغارًا في مراحل الدراسة كنا نقابل الكثير من الأصدقاء وبمجرد أن نتكلم معهم نعتبرهم أفضل أصدقاء لنا وبالفعل قد يكونون كذلك، فهو يتكلم معك ليس لديه شيء يخفيه ولا يقصدك في خدمة فهو حر يتكلم معك بلا قيود بل تجد متعة في الحديث معه، لذلك فإن أصدقاء المدرسة هم أفضل أصدقاء لنا، لذا يمكننا أن نعتبر المدرسة هي مكان لكسب الأصدقاء المُخلصين.
وتكوين الصداقات الناجحة في المدرسة، قد يحتاج إلى تخطيط أو اتباع بعض الطرق والوسائل، منها اختيار أشخاص لهم الهوايات نفسها، وهي وسيلة رائعة، كما تحتاج الصداقة إلى قضاء مزيد من الوقت بين الأصدقاء الذي يتخلله الدعم والنصح والاحترام.
ومن الضروري تقديم التشجيع والأمان للصديق، سيما في اتخاذ القرارات المُناسبة، حينما يكون الرفيق في حالة ترددٍ، والصديق الجيد يكون يد صديقه في كل عمل خير، ويُصبح الدرع الذي يحميه من الزلّات السقطات.
والمجاملة واللباقة من الأمور المهمة في التودد للأصدقاء وكسب حبهم وودهم، خصوصًا في الأوقات التي يحتاجون فيها إلى سند وداعم، وذلك في أوقات الفرح والحزن، ولا بد من توسيع نطاق الحديث مع الأصدقاء بطرح الأسئلة وفتح موضوعات للنقاش بطريقةٍ سهلة.
وتقبل اختلافات الآخرين مهم في تكوين الصداقات الناجحة التي تبقى وتدوم على المدى البعيد، وكذلك التَبسم في الوجه عند كل لقاء من الطرق التي تؤدي سريعًا إلى القُلوب، بل بمثابة إشارة للحصول على محبة الآخرين، وتُعطيهم انطباعا بأن مَن يحملها شخصٌ جيد وحنون، وأيضًا التطوع في بعض الأعمال، والإخلاص في الصداقة.
المصادر:
- أهمية العمل الجماعي 1.
- الانضباط المدرسي وأهميته .
- الرياضة المدرسية أهميتها الصحية والاجتماعية وخطوات تنظيمها .