أنا متزوجة منذ 8 سنوات ولديّ ولدان، أحدهما 7 سنوات والآخر 6 أشهر، أسكن مع أهل زوجي في بيت واحد، والمكان الذي أسكن فيه طبيعته ريفية، ويعمل زوجي مع أهله في الأرض، وقد مررت بظروف صحية متفاوتة احتجت فيها إلى المال فلم يساعدني أهل زوجي وتعللوا بأن ليس لديهم مال رغم قدرتهم المادية، فبعت ذهبي لإجراء عمليتين في ظهري خلال عشرة أيام، كذلك عندما وضعتُ طفلي لم يقدموا لنا أي دعم مالي، رغم وعدهم بمساعدتهم لنا عند حصاد المحصول، زوجي كان يعمل في الأرض ليلًا ونهارًا ورغم حالتي الخطيرة تكفّل أهلي بوضعي الأولى. وفي وضعي الثاني لم يقدم أهل زوجي لنا أي مساعدة، ولما مرض ابني – أيضًا- وكان زوجي غائبًا لم يهتم أهله بنا وتكفل أهلي بمعالجة ابني، مع كل هذا ما زلت أسكن معهم في بيت العائلة.
المشكلة الآن أنهم يطلبون مني أن أساعدهم في أعمال الأرض وأنا لا أستطيع القيام بهذا ولا تربيت على ذلك، أخبرتهم أنّ صحتي لا تساعدني فقالوا لي: إما العمل أو الطرد من البيت، وبالفعل تركت البيت وطفلي الرضيع معي، وتركت ابني الكبير مع أبيه الذي وقف مع أهله ضدي.. فماذا أفعل؟
الإجابة:
الأصل أنّ الزوج هو المسؤول الأول عن الإنفاق على أهل بيته، ولهذا السبب مع أسباب أخرى جُعل للزوج القوامة على الزوجة كما قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، لذلك نحن لا نفهم السبب وراء تحميل أهله المسؤولية، إلا أن تكون طبيعة عمل زوجك أنه يعمل في مال أهله، وهم يبخسونه حقه فلا يعطونه مقابل تعبه وجهده بالشكل الذي يكفي حاجاته وحاجات بيته، وفي هذه الحالة فالمسؤول عن تصحيح هذا الوضع – أيضًا- هو الزوج، فإن لم يكن أهله يحددون له راتبًا ثابتًا فيمكنه أن يطلب منهم ذلك، وإن كان ما يتقاضاه نظير العمل في الأرض الخاصة بأهله لا يكفيه فعليه أن يخبرهم برغبته وحاجته في زيادة المبلغ الذي يتقاضاه، أو أن يرتئي الزوج أن يستقل عن أهله في جلب الرزق فيعمل بوظيفة أخرى، لكن لا نجده مقبولًا تحميل أهل الزوج مسؤولية تقصيرهم المادي تجاه احتياجات الأسرة المختلفة وكأن الزوج غائب أو غير موجود.
هذا الوضع يحتاج إلى تصحيح، لأنّ أحد تبعات عدم تصحيحه هو اعتقاد أهل الزوج بأحقيتهم في اتخاذ بعض القرارات بالنيابة عنكم، ومنها قرارهم بوجوب نزولك للعمل ومساعدة زوجك في أعمال الأرض، ولو كان لحياتكم استقلال مادي لصار لديكم القدرة على اتخاذ قرارات تناسب ظروفكم بشكل أفضل.
تصحيح هذا الوضع إمّا من خلال التحدث إلى زوجك في وقت مناسب، وبتخير الألفاظ المناسبة، لأنه من الواضح ارتباط الزوج بأهله، فليس من المصلحة أن يستقبل كلامك على أنه تحريض له للتمرد على أهله، فيجب تخيّر ما يُقال وما لا يقال، مع الاعتراف بفضل أهله وأنتِ تتحدثين معه حتى مع ما ذكرت من المواقف السابقة.
نعلم كم سبّب لك تقصير أهل زوجك معك من خيبة أمل، وبخاصة في أوقات الحاجة الشديدة سواء الحاجة إلى المال التي اضطرتك إلى بيع ما تملكين من ذهب، أو بسبب غياب زوجك أحيانًا.
لكن في الوقت نفسه نلفت انتباهك إلى أن الوضع الخاطئ في إدارة حياتكم المالية وعدم وضوح الحدود قد انعكس على انتظارك دائمًا من أهل زوجك تقديم العون والمساعدة، رغم أنه من الأفضل ألا ينتظر الإنسان معروفًا من أحد إلا من المسؤول عنه، حتى لا يصدم في الناس أو تسوء علاقته بهم. كما أخبر سيدنُا جبريل رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: “واعلم أن عز المؤمن استغناؤه عن الناس”.
إن لم يكن الوضع مناسبًا للتحدث مع زوجك، سيما أنك قد تركت البيت، وتقولين إنه ينحاز لأهله، فيمكنك حينها طلب التدخل الحكيم من أهلك، ليس لإملاء شروط عليه تحدد شكل علاقته بأهله، خصوصًا أنك تزوجتيه على وضع تعلمينه وقد وافقت عليه، لكن في ضمان ألا يترتب على اختياره لطريقة معينة في التعامل المادي مع أهله إلى التحكم في حياة ابنتهم أو فرض شيء عليها لا ترضاه، أو لا تطيقه، فإن كان: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، فما بالنا بالبشر مع بعضهم؟!، فإن كنت لا تستطيعين النزول للعمل صحيًّا ونفسيًّا فلا يمكن أن يلزمك أحد بهذا، حتى وإن كانت أعراف البيئة التي تعيشون فيها تسمح بهذا، وما دام لم يتفق على شيء كهذا قبل إتمام الزواج، كما يمكن للأهل الاتفاق مع الزوج أن يرعى احتياجات البيت بحيث لا تنتظرين في المواقف المختلفة التي تمرين بها تواجد أهله والقيام بدور معك، فإن فعلوا فهو فضل منهم مشكور، وإن قصّروا فلا يكون الضرر كبيرًا وقد وقع حسابهم على الله، وفي النهاية فإنه: (مَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ).
وقطعًا، من المستهجن أن تضيع بيننا قيم التكافل المجتمعي التي تربينا عليها، حيث جرت العادة أن يقف الناس بجانب بعضهم في الظروف التي تحتاج إلى إنفاق مالي، كالزواج والإنجاب وحالات المرض، دون أن يضطر صاحب الظرف لأن يطلب أو يشرح، بل المبادرة التي تعفه وتقيه سؤال الغير.
وبشكل عام ما يقي من الوقوع في مثل هذه المشكلة الواردة في السؤال هو أن تُعرف الحدود ويجري الاتفاق عليها من البداية، وأن تحترم الخصوصيات حتى لو كان هناك قدر من التداخل بسبب طبيعة بيوت العائلة، وأن يجري التأكد قبل الارتباط من قدرة الشباب على حسم الأمور واتخاذ القرارات حتى لا تترك لعوامل أخرى تتحكم فيها كضغط البيئة أو أهل أحد الطرفين.