دراساتٌ تربويةٌ عديدةٌ أكدت أهمية دور لعب الأطفال في نموهم العقلي ونضجهم الوجداني، إضافة إلى أنه نشاطٌ إيجابيٌ يُجدد القوى، ويقوم مقام الاسترخاء اللازم للعضلات، خصوصًا في سنين العمر الأولى للطفل وحتى نهاية المرحلة الابتدائية، كما يُعد الوسيلة الأولى التي تُساعد الطفل على تنمية مهاراته العقلية واللغوية والحركية.
واللعب يُعطي للطفل عالمًا خاصًّا به بعيدًا عن القيود الأُسَرية والاجتماعية، فهو في اللعب لا حدود له ولا قيود ولا أوامر. هذا العالم يساعد الطفل بشكل فعّال في استثمار الذكاء بأكبر قدر ممكن وتنمية القدرة الإدراكية، والإبداعية، كما يُعلّم الطفل المناقشة والمشاركة والتعاون واحترام الآخرين.
لعب الأطفال في السُّنة
وقد سبقت السُّنة النبوية جميعَ الآراء المُنبّهة على أهمية لعب الأطفال في تنميتهم عقليًّا وسلوكيًّا ونفسيًّا، فعن أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه- أنه قال: دخلت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- والحسنُ والحسينُ – رضي الله عنهما- يلعبان بين يديه أو في حِجْره، فقلت: يا رسول الله، أتحبهما؟ فقال: “وكيف لا أحبهما وهما رَيْحَانَتَىَّ من الدُّنْيَا أشمهما” (أخرجه الطبراني في الكبير).
وكل ما وَرَدَ عن النبي – صلى الله عليه وسلم- في هذا الصدد يُوضح تأكيدَ الإسلام أهميةَ اللعب للطفل، وجواز شراء اللُّعَب له؛ فعلى الآباء والمربين أن يراعوا ذلك، فيعطوا لصغارهم الفرصة للعب والترويح عن أنفسهم، ولكن مع توجيههم إلى أنواع اللعب الملائمة لهم؛ بحيث يمكن من خلالها تحقيقُ الفوائد المرجوة من اللعب، والتي من أهمها:
- إزالة التوتُّر النفسي والجسمي.
- إدخال المتعة والتنوع في حياة الطفل.
- استكشاف الطفل نفسه والعالم المحيط به.
- تعلُّم الطفل أشياء جديدة.
- تعلم الطفل حلَّ مشكلاته الخاصة.
- تعبير الطفل من خلال اللعب عن حاجاته ورغباته التعبيرَ الكافي في حياته الواقعية.
- تمرين الطفل وتدريب عضلاته عن طريق ألعاب الحركة.
- الرغبة في التعلم؛ لأن اللعب نشاط ممتع لا إكراه فيه.
- استخدام الطفل جميعَ حواسه، وذلك يزيد قدرته على التركيز؛ ومن ثَمَّ زيادة الفهم.
- عمل اللعب على تطبيع الطفل اجتماعيًّا؛ لتقويم الخلق لديه والتضامن مع رفاقه، خاصة في اللعب الجماعي.
- القضاء على الملل؛ إذ يوفِّر اللعب فرصة القضاء على (الروتين) اليومي لأحداث الحياة.
- وعلى الوالدَيْن أن يشتريا للطفل من اللُّعَب ما يناسب عمره وقدرته، ويضعاها بين يديه وفي متناوله؛ وذلك ليبدأ تشغيل عقله وحواسه شيئًا فشيئًا.
وحتى تكون اللُّعبةُ مفيدةً وجيدة للطفل؛ لا بُد للوالدين من أن يطرحا على أنفسهما التساؤلات التالية وقت شراء الألعاب لأطفالهم:
- هل هذه اللعبة من النوع الذي يستثير نشاطًا جسديًّا صحيًّا مفيدًا للطفل؟
- أهي من النوع الذي يرضي الحاجة للاستكشاف، والتحكم في الأشياء؟
- أهي من النوع الذي يتيح التفكيك والتركيب؟
- أهي من النوع الذي يُحاكى سلوك الكبار وطرائق تفكيرهم؟
- فإذا كانت الإجابة بـ(نعم) كانت اللعبة مناسبة ومفيدة تربويًّا، وإلا فلا.
أنواع لعب الأطفال
هناك العديد من أنواع لعب الأطفال المُنمّية للمدارك دون أن يكون مقصودها التعليم بطريقة مباشرة، وقد صنفها الباحثون كالتالي:
- الألعاب التلقائية: وتمثل الأشكال الأولية للعب، وفيها تغيب القواعد والمبادئ المنظمة للعب، وهي في معظمها انفرادية، ولا تتم ضمن مجموعات، ويلعب الطفل كلما رغب، ويتوقف حين لا يهتم بها، ومعظم ألعاب هذا النوع هي استقصائية واستكشافية.
- ألعاب تمثيل الأدوار: يعتمد هذا النوع من الألعاب على خيال الأطفال الواسع ومقدّراتهم الإبداعية، وفيه يتم تقمص الأطفال نماذج الحياة الإنسانية والمادية المحيطة بهم، ونشأ هذا النموذج من اللعب استجابة لانطباعات انفعالية قوية يتأثر فيها الطفل بنموذج حياة من الوسط المحيط به.
- الألعاب الترويحية والرياضية: يشمل هذا النوع من الألعاب جميع الأنشطة التي يقوم بها الأطفال التي تنتقل من جيل إلى جيل، ومنها الألعاب الشعبية.
- الألعاب الإيهامية: من أكثر الألعاب شيوعًا في عالم الطفولة المبكرة، وهي من الألعاب الشعبية أيضا، وفيها يتعامل الطفل مع المواد أو المواقف كما لو أنها تحمل خصائص أكثر مما تتصف به في الواقع.
- الألعاب الفنية: وهي إحدى أنواع الألعاب التركيبية، وتعد من الأنشطة الفنية التعبيرية التي تنبع من الوجدان والتذوق الجمالي، ومنها الرسم بالمواد المختلفة.
- الألعاب الاستطلاعية الاستكشافية: يشمل هذا النوع من الألعاب كل عملية يقوم بها الطفل لمعرفة المكونات التركيبية لشيء ما وكيف يعمل ذلك الشيء.
- الألعاب اللغوية: تمثل نشاطًا متميزًا للأطفال يحكمه قواعد موضوعية، وله بداية ونهاية محددة، ويمكن من خلالها تنمية كفاءة الاتصال اللغوي بين الأطفال وتدريبهم على الاستخدام الصحيح لكثير من أدوات اللغة حروفًا أو أسماء أو أفعالا، كما أنها تمنح الأطفال فرص الإبداع اللغوي عن طريق التدريبات الشفوية الحرة.
- الألعاب الثقافية: من خلال هذه الألعاب يكتسب الطفل معلومات ومعارف وخبرات متنوعة، ويدخل ضمنها الأنشطة القصصية المختلفة، مثل المطالعة والكتابة.
- الألعاب التركيبية البنائية: يمثل هذا النوع ألعاب البناء والتشييد بالطُّرق والمواد المختلفة.
- الألعاب الفلاحية: وهي أوجه النشاط المختلفة التي توجه للأطفال الذين يعانون اضطرابات نفسية مختلفة لتخليصهم مما يعانون.
اللعب والتفوق الدراسي
ويمكن للمعلم في المدرسة العمل على تطوير الوظائف التنفيذية للتلاميذ؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية وضع مدرسون منذ سنوات برنامج يدعى Tools of the Mind في أقسام حضانة، وهو برنامج يضع الأسس العلمية لتحسين نسبة النجاح المدرسي للأطفال في سن مبكرة، ويهدف في الأساس إلى تطوير الوظائف التنفيذية للمخ لدى الطفل، وقد أدخل حيز التنفيذ بعد 12 سنة من الأبحاث المتواصلة.
هذا البرنامج، بالتوازي مع لعب أطفال هادفة تجرى داخل الفصل على غرار المسرحيات (كقيام التلميذ بتقمص دور الأب أو الأم في العائلة أو الشرطي والسارق…) في أثناء حصة القراءة أو الحساب؛ يساعد على التركيز والتحكم في تصرفاتهم خلال هذه الوضعيات المختلفة، ويُعودهم على تقديم إجابات رصينة ومتعقلة، وعلى استخدام الذاكرة العاملة في أثناء التفكير والبحث عن الإجابة.
وبهدف تعميم فائدة هذا البرنامج على جميع المواد الدراسية التي يتلقاها التلاميذ، جرى توسيع نطاق التمارين الهادفة إلى تحسين الوظائف التنفيذية للمخ على جميع الأنشطة التعليمية وعلى امتداد فترات اليوم، بما في ذلك الأنشطة اللغوية أو الحساب؛ ففي نشاط لغوي يتمثل في “قراءة ثنائية” عبر مجموعات مكونة من تلميذين على سبيل المثال، يطلب المدرس من أحد التلميذين سرد قصة انطلاقًا من كتاب صور، ويتعيّن على التلميذ الآخر أن يستمع بكل انتباه وينتظر دوره ليسرد حكاية أخرى بدوره.
في البداية كان الأطفال الذين أسند إليهم دور المستمع يرغبون في سرد قصتهم عوض الاستماع، لكن مع تذكيرهم بضرورة الاستماع بواسطة مجسمات كصورة أذن (التي تعني “أنصت ولا تتكلم”)؛ يصبح الطفل قادرًا على انتظار دوره وقد أدرك أن الصورة أو العلامة تحثه على الانتظار والإنصات، ثم وبعد بضعة أشهر يصبح الأطفال قادرين على فهم الأدوار دون الحاجة إلى تذكيرهم بذلك.
وأظهرت التجارب أن جل الأطفال قد اجتازوا بنجاح امتحان الذكاء المذكور، في حين أخفق آخرون بالنظر إلى أنهم لم يتلقوا تدريبًا خاصًا بالامتحان قبل اجتيازه، وهو ما يعني أن اعتماد هذا البرنامج أو ذاك هو العامل المحدد للنتائج المدرسية أكثر من عاملي العمر والجنس.
وقد كانت النتائج الإيجابية للامتحان متطابقة مع النتائج الإيجابية في المدرسة، ومن ثمّ فإن الأطفال المدرجين ببرنامج Tools of the Mind، الذين قضوا وقتًا أطول يمارسون الألعاب التعليمية الهادفة؛ قد اجتازوا الامتحان بامتياز مقارنة بالأطفال الذين تابعوا نمطًا تعليميًّا تقليديًّا، وهو ما أثر سلبًا في الوظائف التنفيذية للمخ لديهم.
ما هو اللعب السليم؟
هناك العديد من النصائح عن لعب الأطفال بشكل سليم، ومنها ما يأتي:
– وضع خطة لاستخدام وسائل الإعلام.
– اللعب لمدّة ساعة يوميًّا بشكل حر.
– تقليل استخدام وسائل الإعلام أثناء اللعب والأنشطة العائلية؛ لأنّها تشتت الطفل والبالغين.
– تقليل وقت استخدام وسائل الإعلام إلى أقل من ساعة إلى ساعتين في اليوم.
– منع استخدام وسائل الإعلام للأطفال دون سن الثانية.
– إبقاء أجهزة التلفاز والحاسوب وألعاب الفيديو خارج غرفة نوم الطفل.
ختامًا
يُعد لعب الأطفال من أهم القضايا التي يدور حولها الجدل والنقاش، فهو جزء من حياة الطفل مثل الأكل والشرب، والنوم، بل هو المنطلق الرئيسي لتربية طفل ما قبل المدرسة، كما أنه ضرورة حيوية لنمو الجسم وتطويره واستغلال طاقته الحركية.
ومن مميزاته، أنه يُشعر الطفل بالحرية النفسية والاستقلال، ويرغبه في أن يكون هو الفاعل للعب والمسبب له دون إملاء من الغير، فهو النشاط المطلق غير المقيد بقواعد أو شروط، وفي الوقت نفسه يعمل على حب التقليد، وبخاصة في الألعاب الجديدة التي يرغب فيها الطفل.
المصادر
- حنان عبد الحميد العناني: اللعب عند الأطفال.. الأسس النظرية والتطبيقية، ص 23، و159.
- محمد أحمد صوالحة: علم نفس اللعب، من ص 75 إلى 107.
- حسن مصطفى عبد المعطي: كتاب علم نفس النمو 2/133.