بقاء الصّغار في المنزل فترات طويلة أمر لا يتفق وميول أي طفل، وسُلوك يُعارضه خبراء التربية والصحة، لذا فإنّ لعب الأطفال خارج المنزل ضرورة صحية وفائدة تربوية كبيرة يمتد آثارها للمستقبل، خصوصًا في ظل انتشار التكنولوجيا التي تسرق أوقات الأطفال وتعزلهم عن البيئة التي يعيشون فيها.
ويُساعد اللعب خارج جدران البيت، على تكوين صداقات جديدة ويشجع على الاهتمام بالرياضة، وإعطاء مساحة كبيرة للتعبير عن النفس وتطوير مهارات العمل الجماعي، وعلى المستوى الصحي فهو يُقوي المناعة، نتيجة التعرّض لأشعة الشمس التي تحمي- أيضًا- من الإصابة بأمراض السرطان.
لعب الأطفال خارج المنزل في القرآن والسنة
إنّ لعب الأطفال خارج المنزل أمر ضروري بالنسبة لجميع الصغار في كل العصور، فهو بالنسبة لهم موجهٌ للتكيف الاجتماعي والانفعالي، وجزء لا يتجزأ من حياتهم، لا ينبغي الاستهانة به، حتى لا يحدث أي تصادم مع ما فُطِروا عليه، لذا فإننا إذا نظرنا إلى قصة يوسف نجد أن والده يعقوب- عليهما السلام- كان خائفًا عليه من الذهاب مع إخوته، لولا أنهم أكدوا أنه سيلعب ويرتع فتركه معهم، قال تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ. أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} [يوسف: 11-13}.
واهتم النبي- صلى الله عليه وسلم- برعاية الطفل صحيا ونفسيا واجتماعيا، لذا نجده قد أكد في أكثر من موقف على حقه في اللعب لما لذلك من أهمية في تكوين شخصيته، فعَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَاسْتَقْبَلَ أَمَامَ الْقَوْمِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَفِرُّ هَا هُنَا مَرَّةً وَهَا هُنَا مَرَّةً، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُضَاحِكُهُ، حَتَّى أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَالْأُخْرَى تَحْتَ قَفَاهِ، ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ فَوَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: “حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ” (سنن ابن ماجة).
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ- قَالَ: أَحْسِبُهُ- فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: “يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ” نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا. (البخاري).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ، قَالَ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، وَقَالَ: “اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ” قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِيَ: “اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ” قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ: “لَا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ” قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قُلْتُ لِأُمَيَّةَ: مَا حَطَأَنِي؟ قَالَ: قَفَدَنِي قَفْدَةً (البخاري)، وفي هذه القصة إقرار من النبي – صلى الله عليه وسلم- بلعب الصبيان، فهم لم ينهرهم حينما رآهم يلعبون، ما يدل على تعودهم على ذلك. ومعنى حَطَأَ: ضَربَه بيدِه وهيَ مَبسوطَةٌ ضربةً بينَ كَتِفَيه، وكانَ ذلكَ مِنه- صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَلى سَبيلِ المُلاطفَةِ والتَّأنيسِ، وكالإِخبارِ بأنَّه اطَّلعَ عَلى مَكانِ اختِفائِه.
وفَطِنَ علماء السلف إلى أهمية لعب الصغار، فقال الإمام أبو حامد الغزالي: “وينبغي أن يؤذن له بعد الفراغ من المكتب- الكتاب القرآني- أن يلعب لعبا جميلا، يستفرغ إليه تعب الكتاب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعليم دائما يميت القلب، يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسا ويبطل ذكاءه وينغص العيش عليه”.
لعب الأطفال خارج المنزل يحفز هرمون السعادة
وأكد خبراء في التربية وعلم النفس أنّ لعب الأطفال خارج المنزل يحفز هرمون السعادة لديهم، ويساعدهم في بناء شخصية أكثر شجاعة، وتفاعلًا مع العالم الخارجي، واكتساب مهارات اجتماعية جديدة، لكن هذا بالطبع تحت إشراف الأهل، ومع مراعاة اختيار المكان المناسب للعب، فهناك النوادي التي تُتيح كثيرًا من الألعاب الجماعية، والتي تعد مكانًا آمنًا لاجتماع الأطفال وتكوين صداقات جديدة.
وقد أثبتت دراسات نفسية أهمية اللعب والرياضة؛ لتحفيز المخ؛ لإفراز مواد كيميائية تعطي شعورًا بالسعادة، لذا فإنه من المفيد للكبار مشاركة صغارهم اللعب، لتوطيد العلاقة معهم، والاستفادة المتبادلة في المتعة والسعادة.
فاللعب في الخارج يمنح الطفل صحة ونشاطًا كبيرين؛ إذ إنه من المهم والجيد تعرض الطفل لأشعة الشمس، والخروج في الهواء الطّلق وممارسة الجري واللعب، الأمر الذي يكسبه صحة ونشاطًا، ويعمل على استهلاك الطفل للطاقة الكبيرة التي يمتلكها، التي يكون البيت عائقا وقيدا في استغلالها، خصوصًا أنّ معظم البيوت هذه الأيام ذات مساحات ضيقة لا تتيح للأطفال الحركة واللعب بحريّة.
إضافة إلى ذلك، يميل الأطفال إلى حرق المزيد من الوحدات الحرارية عند اللعب خارج إطار البيت، ما يحول دون البدانة، وخطر التعرض لمرض القلب، وتصلّب الشرايين وارتفاع ضغط الدم، لذا يتوجب على الأهل أن يُخصصوا وقتًا محددًا كل أسبوع ليلعب أطفالهم في الهواء.
كما يكشف اللعب خارج المنزل عن فائدة أخرى، ألا وهي تحفيز قسم الدماغ المسؤول عن تنظيم الساعة البيولوجية وجهاز المناعة وإحساسنا بالسعادة.
تطور تربوي وإدراكي
ومن فوائد لعب الأطفال خارج المنزل تعزيز عملية التطوير التربوي والإدراكي فعند التواجد في الهواء الطلق، يميل الأطفال إلى ابتكار الألعاب، والتعبير بصورة أفضل عن أنفسهم والتعرف إلى العالم على طريقتهم، فيشعرون أنهم في أمان ما يحفز الاستقلالية، والمهارات التنظيمية، واتخاذ القرارات لديهم.
ويُحسن اللعب خارج البيت الجانب اللغوي والإبداعي ويُنَمّي الخيال ومهارات التفكير والذكاء والتواصل وفَهم العوالم النفسية والاجتماعية، وكل ذلك يُشكل تكاملا للسلوك والتصرفات ومفتاح التطور المعرفي والإدراكي للصغار.
وفي أثناء اللعب خارج الإطار الضيّق للمنزل، يُعزز الأطفال من دور الحواس، فيستطيعون رؤية الحيوانات والطيور والنباتات الخضراء، ويسمعون زقزقة العصافير، وحفيف الأوراق، وصفير الهواء، ويشّمون الأزهار العطرة، والأرض المبللة بالمطر، ويلمسون الهرّة الصغيرة في الحديقة، بل يمكنهم تذوق فواكه الحديقة بعد تنظيفها جيدًا، أمّا الأطفال الذين يقضون الكثير من الوقت أمام الشاشات يستخدمون فقط اثنتين من حواسهم “السماع والنظر”، ما قد يُؤثر سلبًا في قدراتهم الإدراكية.
ورغم أهمية اللعب في الأجواء المختلفة خارج البيت، ينبغي تحديد الوقت والمكان المناسبين للعب، ومعرفة أصدقاء الطفل وسلوكهم الأخلاقي، وتحذير الطفل من مخالطة أصدقاء السوء، وتجربة سلوكيات خاطئة وضارة مثل التدخين أو المخدرات، وتعليم الطفل الأخلاق الحميدة والتعاليم الدينية الصحية التي تكون له حصنًا منيعًا من الأخطار.
ويُطور اللعب في الهواء الطلق القدرات الحركية والعقلية، فالطفل في السن الصغيرة يستطيع السير واللعب دون الشعور بالتعب، وبالتالي تتطور لديه القدرات الحركية والعقلية التي تساعده في اتخاذ القرارات، وحل المشكلات، وتطوير التفكير المنطقي؛ فعلى سبيل المثال يبحث الصغير عن إيجاد زملاء للعب معه ويجهز الكرة ويقسم المهام، كل ذلك في مناخ صحي خالٍ من الضغوط أو التوتر.
وقد أثبتت دراسات وأبحاث أنّ الطفل الذي يُعاني من ضعف الشّهية وعدم انتظام نومه، لا يخرج من بيته للتنزه، وهو الطفل الذي لا يبذل أي جهد على مدار اليوم، كما أنّ الطفل ذا النمط الحركي وأطفال التوحد وتشتت الانتباه بسبب الحرمان من الخروج والجلوس طويلًا أمام التليفزيون والتعرض المستمر للشاشات.
مضار اللعب داخل المنزل
وعلى النقيض، بيّنت دراسات أخرى أجراها خبراء في علم النفس والتربية، مضار عدم لعب الأطفال خارج المنزل واقتصار اللعب بين جدران السكن الذي يعيشون فيه، ولخص الباحثون هذه المضار في النقاط التالية:
- يفقد الأطفال روابطهم بالطبيعة.
- تقل لدى الأطفال القدرة على الاختراع.
- وتقل لديهم القدرة على التواصل مع الآخرين بصورة صحيحة.
- يصبح من الأسهل إصابتهم بأمراض متعددة منها الربو.
- ألعاب الفيديو تنتج أطفالاً يؤمنون بالعنف بنسبة أكبر من أولئك الذين يمارسون ألعابا في الخارج.
المصادر والمراجع:
- أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، 3/98.
- ليلي يوسف: سيكولوجية اللعب والتربية الرياضية، ص 5.
- أهمية لعب الأطفال خارج المنزل.
- الأطفال الذين يلعبون في الخارج.. أكثر سعادة.
- حق الطفل في اللعب من منظور التربية الإسلامية.
2 comments
مفيد جدا 😊شكرا لكم جزيل الشكر
رائع جدا
الكلام مفيد للغايه