جعل اللّه تعالى مهمة رسله وأنبيائه وأتباع رسله هي البلاغ المبين، أي إبلاغ دعوة الحق إلى جميع الناس، وليس أمر الدعوة إلى الله بأقل من أمر الدعاية إلى سلعة دنيوية، ونحن على يقين أنّ صاحب البضاعة يستخدم أقوى الوسائل وأوسعها انتشارًا من أجل إيصال الجمهور إلى درجة القناعة ببضاعته، ونراه في سبيل ذلك يستخدم الكلمة والصورة والهدية وغير ذلك من الوسائل.
ولقد أخذ علينا الميثاق أنّ نُبيّن الحقَّ ولا نكتمه ولا نلبس الحقَّ بالباطلِ وألا نَقْلب الحقائق ولا نشتري بآيات الله ثمًنا قليلًا ولا نخشى في الله لومة لائم وأن نظل قوامين لله شهداء بالقسط وذلك بالبلاغ والبيان في مواقف الإشهاد بين الناس.
مفهوم البلاغ المبين وأهميته
ويُمكن توضيح مفهوم البلاغ المبين من التعرف إلى معنى كلمة بَلَغَ: وهو وصل أو قارب على الوصول، يقول ابن فارس: “الباء واللام والغين أصل واحد (أي معنى واحد)، وهو الوصول إلى الشيء، تقول: بلغت المكان إذا وصلت إليه”، ويقول: “وكذلك البلاغة التي يمدح بها الفصيح اللسان لأن يَبلُغ بها ما يريده”.
وقال الأزهري: “والعرب تقول للخبر يبلغ أحدهم ولا يحققونه، وهو يسوءهم: سمعُ لا بلْغُ، أي نسمعه ولا يبلغنا، ويجوز: سمعا لا بلغًا”، وفي لسان العرب جاء معنى رجل بليغ: حسن الكلام فصيحة، يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه”.
ولا بُد لمَن يُريد أن يتصدى لعملية التبليغ أن يكون مدركًا أهمية البَلَاغ المُبين، من أنه تبليغ لأعظم نظام جعله الله روحًا وحياة للبشر، وأنه تخليص لعقل الإنسان مما فيه من عقائد باطلة مذلة، وأفكار ومقاييس جعلته عبدًا لغير الله، فوق ذلك كله يظهر البَلَاغ المُبين قويًا واضحًا، ويظهر مبادئ الكفر هزيلة حين البحث والنقاش.
البلاغ المبين في القرآن والسنة
وأكد الإسلام أن البلاغ المبين هو مهمة الرسل والأنبياء ومن تبعهم إلى يوم الدين، فقال سبحانه:
(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) [المائدة: 92].
وفي سورة النحل، قال- جل وعلا-: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النحل: 35]، وقال: (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) [النحل: 82].
وأكد سبحانه وتعالى المعنى، في قوله: (قلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور: 54].
وفي آية آخرى، يقول- جل شأنه-: (وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [العنكبوت: 18]، وقال: (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) [يس: 17]، وقال سبحانه: (وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [التغابن: 12].
وهذا الأسلوب القرآني يُفيد حصر الوظيفة على البَلَاغ، وقصر المهمة على أن يكون البَلَاغ مُبينا، وحصرت مهمته- صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك ليعلم طبيعتها أهل المشرق والمغرب ممن اهتدى، أو آثر الردى.
وأكد النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الحقيقة وهي تبليغ الدعوة إلى كل الناس وترك النتيجة على الله، في أقوال وأفعال كثيرة، فقد قال- صلّى الله عليه وسلّم-: “إن الله لم يبعثني معنتًا، ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا” (مسلم).
وكل شيء سكت عنه النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فهو مما لم يؤمر بتبليغه- إن كان ثم شيء يبلّغ-، وقد علم الصحابة- رضي الله عنهم- بأنه لو كان ثم شيء يستحق البلاغ لأمر بتبليغه، فعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قال إبراهيم: زاد أو نقص- فلمّا سلّم قيل له: يا رسول الله! أحدث في الصّلاة شيء؟ قال: “وما ذاك؟”، قالوا: “صلّيت كذا وكذا. قال: فثنى رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين ثمّ سلّم، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: “إنّه لو حدث في الصّلاة شيء أنبأتكم به” (البخاري ومسلم).
وشهّد المسلمون جميعًا على إبلاغ النبي- صلى الله عليه وسلم- الرسالة، واستنطقهم بذلك في أعظم المجامع، كما في خطبته في حجة الوداع، فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قال في خطبة حجة الوداع: “أيها الناس! إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت. فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها إليهم ويقول: اللهم اشهد” (البخاري ومسلم).
وشهد له الصحابة- رضي الله عنهم- بكمال البَلَاغ في الدنيا، فمنعوا بذلك أوهام المتخرصين أن يكون فرّط أو كتم أو خص بعض الناس بشيء من البيان العام الواجب تبليغه عليه- صلّى الله عليه وسلّم-، فعن ابن عباس أنه جاءه رجل فقال له: “إن ناسًا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئًا لم يبده رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- للناس، فقال ابن عباس: ألم تعلم أن الله سبحانه وتعالى قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، وعن مسروق عن عائشة قالت: من حدثك أن محمدًا كتم شيئًا مما أنزل الله عليه فقد كذب وهو يقول: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (البخاري).
الأجر ليس على النتيجة
وقد ينصرف داعية أو مربٍّ عن البلاغ المبين جهلًا أو تجاهلًا، فنراه لا يكتفي بالبلاغ، الذي لا يمكن أن نسميه بليغًا؛ بل يريد أن يأطِر الناس على الدّين أطرًا، ويحمله عليه حَملًا، بأية وسيلة كانت، وهذا وإن كان محمودًا له حرصه، فقد أتى البيوت من غير أبوابها.
وربما دفعه حرصه هذا على تجاوز حدّ الرحمة بالناس، فليعلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان أرحم الناس بالناس، وأن أهل السنة في الخلق هم أرحم الناس بالناس، وأن أرحم الناس من يرحم من لا يرحم نفسه.
إن الناصح ليستريح ويطمئن نفسًا، ويهنأ بالًا إذا أيقن أنه مأجور على البلاغ لا على النتيجة، وليعتبر بأنصح البشر وهم الأنبياء؛ إذ يأتي أحدهم يوم القيامة وليس معه أحد، لا عن تقصير في البَلَاغ، وإنما عن إرادة رب القلوب.
وثمة معنيان حقيقان بالتذكر والتفكر؛ أولهما: أن البَلَاغ، وإن أطلق، فالمقصود به البَلَاغ المُبِين، وهو الذي تقوم به الحجة، وتتضح به المحجة، فليس كل من تحدث بلغ، وليس كل من ارتقى المنبر وعظ.
وأما المعنى الثاني: فإن من تمام البَلَاغ أن يكون الناصح الداعية متحققًا بصفة: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، ومن علامة ذلك ألا ينفك يدعو الله للناس، كل الناس، بالهداية والتوفيق.
ومن أخص علاماته أن يحب لهم ما يحبه لنفسه من الخير، وإن جاءهم من طريق غيره، وإن أحب أن يكون من طريقه فليس إلا لما فيه من الأجر لا أن ينسب إليه الفضل، فالفضل أولًا لمن أقامه على طريقة الأنبياء، والفضل ثانيًا لـمن وضع له القبول وجنبه الإعراض والجفاء، والفضل آخرًا لمن أجزل له المثوبة والجزاء.
يقول الشيخ السعدي- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، “أي: البلاغ المبين الذي يحصل به توضيح الأمور المطلوب بيانها، وما عدا هذا، من آيات الاقتراع ومن سرعة العذاب، فليس إلينا، وأن وظيفتنا هي البلاغ المبين، قمنا بها، وبيناها لكم، فإن اهتديتم فهو حظكم وتوفيقكم، وإن ضللتم فليس لنا من الأمر شيء”.
ولا معذرة للداعية إذا قصر في البَلَاغ، ولقد نبه الله- تبارك وتعالى- نبيه محمدًا إلى مثل هذا قائلاً: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة:66].
قال القرطبي: “وهذا تأديب للنبي- صلى الله عليه وسلم- وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئًا من شريعته”، وليس المقصود بالبَلَاغ مُجرّد الإخبار أو الإعلان، إنما المراد أن تصل رسالته للناس.
من مقتضيات البلاغ المبين
ووصول الداعية إلى درجة البلاغ المبين له مقتضيات لا بد من الالتزام بها، منها ما يلي:
- توفر عنصر الوعي لدى المبلغ: قال النبي- صلى اللّه عليه وسلم-: “نضر اللّه امرءًا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرّب حامل فقه إلى من هو أفقه منه…” (رواه أحمد)، وقد استفاد الخطابي من هذا الحديث كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي بالفقه، وعلى هذا فإن الوعي يكون بحفظ النص وأدائه كما قيل، ويكون للفقيه بمحافظته على المعاني المستفادة.
- البلاغة: وهي التي في قول الله تعالى: (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (النساء: من الآية 63)، ويقصد بها أن يكون الكلام حسن المعاني واضحًا في ألفاظه مع تجنب وحشي الكلام وغريبه ولا يقصد بالبلاغة التكلف والتشدق والتفيهق، فهذا مخالف لمنهج السلف الصالح- رضوان الله عليهم-، فقد “مرّ السلف الصالح في بث الشريعة للمُؤالف والمخالف، ومن نظر في استدلالهم على إثبات الأحكام التكلفية علم أنهم قصدوا أيسر الطرق وأقربها إلى عقول الطالبين، لكن من غير ترتيب متكلف، ولا نظم مؤلف، بل كانوا يلقون الكلام على عواهنه ولا يبالغون كيف في ترتيبه إذا كان قريب المأخذ سهل الملتمس”.
- كراهة الخوض فيما لا ينبني عليه عمل: يقول الإمام الشاطبي- رحمه الله تعالى-: “كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعًا، والدليل على ذلك: استقراء الشريعة فإنّا رأينا الشارع يعرض عمّا لا يفيد عملاً مكلفا به، ففي القرآن الكريم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، فوقع الجواب بما يتعلق به العمل، ومن هنا نهى- صلى الله عليه وسلم- عن قيل وقال وكثرة السؤال” (البخاري).
- تحديد الهدف من البَلَاغ بدقة: ولا بد من البدء بالمهم فالأهم، وأن يعرف كيف يبدأ وما هو مضمون دعوته وأن يعرف رسالته بدقة، فالرسالة رسالة إحياء وبعث، ولن يتم الإحياء إلا بتصحيح مفهوم العقيدة، وتصحيح مفهوم التوحيد بمعناه السلفي الشامل، توحيد الأئمة وسلف الأمة، وأن يدعو الناس على أن يقيموا حياتهم على قبول شرع الله ورفض ما سواه.
- الفصاحة وسلامة النطق: وذلك عندما قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) [طه: 27 – 28]، فقد علم موسى- عليه السلام- أن سلامة النطق وفصاحته من أسباب البَلَاغ وإقامة الحجة، قال الرازي: “اختلفوا في أنه عليه السلام لِمَ طلب حل تلك العقدة على وجوه”، أحدها: لئلا يقع في أداء رسالته خلل البتة، وثانيها: لإزالة التنفير؛ لأن العقدة في اللسان قد تفضي إلى الاستخفاف بالقائل وعدم الالتفات إليه.
- إيجاد واقع دَعوي يؤمن بفكرة الداعية لا بشخص الداعية: فالداعية حين يجد من يؤمن بفكرته وتصوره تزداد همته ويزداد وضوح الفكرة في قلبه وعقلة، ويزداد إقبال الناس على الأفكار لوجود واقع عملي لها.
- استعمال الوسائل الكاشفة: فعلى الداعية أن يخاطب الناس بالصورة والفيلم والخارطة والرسم البياني والمقطع التوضيحي والرحلة الهادفة والقصة والمثل ومخلوقات الله تعالى وعجيب صنعه، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يستخدم وسيلة الإيضاح، فقد أخرج البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: “كنا عند النبي- صلى الله عليه وسلم- فأتى بجُمَار (يوجد في رأس النخلة وطعمه حلو) فقال: إن في الشجر شجرة مَثَلُها كمثل المسلم، فأردت أن أقول: هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُ ، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: هي النخلة (البخاري).
- وجود إخوانه معه إلى جانبه: فإن وجودهم يشد من عضده ويلقي في روعه الطمأنينة من جهة، ومن جهة أخرى فإن وقع ذلك على المدعوين كبير، إذ عندما يرى المدعوون أن الداعية ليس وحيداً وأن معه أنصاراً وأعواناً فإنهم يلاحظون أثر الدعوة في الناس ويحملهم هذا على إمعان الفكر في هذه الدعوة. قال تعالى مخاطبًا موسى عليه السلام: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) [القصص:35]، وقال على لسان موسى- أيضًا-: (ووَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه: 29 – 32].
- تقليب الأساليب وتنوعها: فما لا يصل بالجهر قد يصل بالسر، وما لا يصل في الليل قد يصل في النهار، وما لا يستقر في القلوب مع انشغالها قد يستقر فيها عند فراغها، وما لا يؤثر في الصحيح قد يؤثر في المريض. وفي سورة نوح تطبيق كامل لهذا المبدأ ولهذا القاعدة قال الله تعالى على لسان نوح: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)) [نوح].
- مخاطبة المدعوين باللين لا بالغلظة والشدة: واللين تلطف بالمدعو ورفق به، وتخير لأحب الأسماء إليه، وأقرب الأساليب إلى قلبه، وليس اللين في التساهل في أحكام الشرع ولا في مجاراة أهل الباطل على باطلهم ولا في السكوت على المنكرات. فالمؤمن على كل حال لا يخشى إلا الله ولا يرجو إلا ثوابه.
ليعلم الدعاة إلى الله والمربون أنه من التأدب مع الله عدم استعجال النتائج والمصائر، أو هداية الناس، أو وعد الله أو وعيده، وليس لهم أن يقولوا: لقد دعونا كثيرًا فلم يستجب لنا إلا القليل; أو لقد صبرنا طويلًا فلم يأخذ الله الظالمين بظلمهم ونحن أحياء. بل ليس عليهم إلا البلاغ المبين، أما مآل الناس وحسابهم في الدنيا أو في الآخرة فهذا ليس من شأن العبيد، إنما هو من شأن الله.
المصادر والمراجع:
- همام سعيد: كتاب قواعد الدعوة إلى الله، دار الفرقان، يناير 2014، صـ 18-24.
- عبد المجيد الشاذلي: البلاغ المبين، ص 8.
- ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، 1/301.
- الأزهري: تهذيب اللغة، 8/140.
- ابن منظور: لسان العرب، 10/302.
- ابن كثير: تفسير ابن كثير، 2/ 78.
- القرطبي: تفسير القرطبي، 6/242.
- الجيزاني: تهذيب الموافقات، ص 40.
- الرازي: تفسير الرازي، 22/48.