التربيةُ عمل شاق، وجهد يحتاج إلى وقتٍ، وهي مهمةٌ ليست جديدة، فتنشئةُ المسلمِ وغرس العقيدة الإسلامية فيه مُنذ الصغر وتربيته على الأخلاق الحميدة، وإعدادِه إعدادًا كاملًا في ضوء الإسلام يحتاج إلى صبر ومثابرة.
وتبدأ هذه التربية مُنذ أن يكون الطفل في رحم أمه، حتى يصير غلاما يافعا، غير أن كثيرًا من الآباء والأمهات لا يُدركون مرامي التربية الحقيقية التي تبدأ بغرس معاني العقيدة الصحيحة في نفوس أبنائهم منذ ولادهم، حينما يصدع بالأذان في أذنه اليمنى وبالإقامَة في أذنه اليسرى.
أهمية غرس العقيدة الإسلامية لدى الطفل
إنّ حاجتنا إلى العقيدة فوق كل حاجة، وضرورتنا إليها فوق كل ضرورة، لأنه لا سعادة للقلوب، ولا نعيم، ولا سرور إلا بأن تعبد ربها وفاطرها سبحانه تعالى، الذي أرسل رسله جميعا بالدعوة إلى التوحيد، فقال- عز وجل-: {ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل :36].
ويؤكد الله- تبارك وتعالى- هذه الحقيقة في قصة كل رسول على وجه الانفراد، فقال- جل شأنه-: {ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون: 23]، وقال: {وإلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 65)، وهي الكلمة نفسها التي تكرّرت على لسان صالح وشعيب وموسى وعيسى- عليهم الصلاة والسلام-، حتى أصبحت قاعدة عامة: {ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبدُونِ} [الأنبياء: 25].
لذا، فقد أمضى النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- حياته في الدعوة إلى هذه العقيدة وجاهد أعداءه من أجلها، فقال- صلى الله عليه وسلم-: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله…” (رواه الشيخان).
وحينما أرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- السّفراء أمرهم أن يبدأوا بالدعوة إلى العقيدة قبل كل شيء كما في قصة معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عندما بعثه إلى اليمن: “قال إنك تأتي قوما أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: عبادة الله وحده…” (أخرجه الشيخان).
وحرص النبي الكريم على دعوة الأطفال إلى العقيدة وغرسها في قلوبهم بأسلوب واضح ومناسب، وسار أصحابه- رضي الله عنهم- من بعده على هذا، بل اهتم النبي- صلى الله عليه وسلم- بأمر العقيدة في مرحلة متقدمة جدا من مراحل الطفولة وهي الولادة، كما في حديث التأذين في أذن المولود.
وقال ابن القيم- رحمه الله- في بيان سر ذلك: “وسر التأذين والله أعلم أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة كبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها.. وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان كما كانت فطرة الله التي فطر عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها”.
غرس العقيدة الإسلامية قبل التربية
يقول الدكتور عبد الرحمن محمد الصالح، إن مرحلة الطفولة مرحلة مهمة جدًّا في بناء شخصية الابن، ورغم أن الآباء يهتمون بتكوين الأسرة واختيار الزوجة، فإنهم لا يهتمون بأسلوب تربية الأبناء، ويستخدمون ما تيسر من أساليب التربية، وما بقي في ذاكرتهم من أساليب الآباء، رغم أنها قد لا تكون مناسبة.
ويضيف “الصالح”، أن بعض الآباء يهمل تربية ابنه، بحجة أنه صغير، وأنه مشغول بكسب المادة، والأنس مع الأصدقاء، أو القيام ببعض الأعمال المهمة، فإذا أفاق أحدُهم إلى أبنائه وعاد إلى أسرته، إذا الأبناء قد تعوَّدوا عادات سيئة، وألِفوا سلوكًا لا يَليق، وهنا يصعُب توجيههم وتعديل سلوكهم.
وفي ظل ذلك يحرص أولياء الأمور على تربية أولادهم على الأخلاق الحميدة والسلوك القويم، ويتناسون في زحمة الحياة أمور العقيدة الإسلامية وترسيخها منذ الصغر والتي كان أول ما يحرص السلف الصالح في تهذيب وتربية أبنائهم كانوا يحرصون عليها حتى يثبت الإسلام في قلوبهم، فلا يكونوا مسلمين بالوراثة لكن يكونوا مسلمين عقيدةً وإيمانًا واقتناعًا.
وللأسف، ترك الكثير في عصرنا، أطفاله لأفلام الكرتون تشكل عقيدتهم الدينية كيفما شاءت؛ حتى ولو احتوت على معاني الشرك بالله، دون توجيه أو تعليق أو تصحيح من الآباء والأمهات كمشاهد السّاحرات التي تحقق كل الأمنيات وإنكار الله في ذلك وغيرها من المشاهد الكثيرة.
بل إن بعض برامج الأطفال في المحاضن التربوية أو على الفضائيات تعتني بـ(السلوك، الأخلاق، الترفيه، الثقافة العامة) وتغفل إشباع الجانب العقدي.
فمن فقه الأولويات البدء بتعليم التوحيد قبل غيره، للصغار والكبار، فعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: “كنا نتعلم الإيمان قبل القرآن”.
وعن جندب البجلي قال: “كنا ونحن فتيان حزاورة (هو الذي قارب البلوغ) مع رسول الله، تعلمنا الإيمان ولم نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا”.
كيف نغرس العقيدة في نفوس أبنائنا؟
وَجَب على الآباء والأمهات العناية بغرس العقيدة الإسلامية في نفوس أبنائهم- كما تقول هند بنت عبدالعزيز- عن طريق:
- تعريف الطفل بالإله الذي يعبده؛ ليحبه، ثم يطيعه، ويخشاه (الجاهل بالشيء لا يعطيه قدره)، ويتم ذلك عن طريق تبسيط توحيد الأسماء والصفات للطفل بطرق متعددة تناسبه.
- تعريف الطفل بالنبي الذي يتبعه ويقتدي به، ليُحبه ويطيعه ولا يعصيه، وذلك عن طريق القصص، وبخاصة ما يتعلق بطفولته- صلى الله عليه وسلم-، وأيضا مواقفه مع الأطفال ولطفه معهم، ووصف هيئته، وذكر مواقفه الأخلاقية الراقية.
- نُفسّر للطفل ونتدبر معه الآيات التي تحتوي على معاني عقدية من السور التي يحفظها، مثال: الفاتحة، الإخلاص، الفلق، الناس.
- نشرح للطفل بعض الأحاديث العقدية أو جزء منها يناسب مستوى تفكيره بطريقة مبسطة محببة ووجه بشوش وعبارة مختصرة يستوعبها عقله، وليس كما يظهره الإعلام من وجه المسلم العبوس الحاقد الرجعي.
- عن طريق استخدام الطرق الحديثة التي يحبها الطفل كالتّلوين بشراء كراسات مكتوبة فيها عبارات التوحيد مثل (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وتركه يلونها ويقرؤها مع بعض الكلمات المعرفة لها.
- ربط المواقف والأحداث التي تمر في حياة الطفل بالعقيدة، مثال: إذا مرض نعلق قلبه بالله، نعلمه الدعاء، وحسن الظن، والرقية.
- تربيتهم على حب الصحابة- رضي الله عنهم-، قال مالك بن أنس: “كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السورة من القرآن”.
- حفظ الأناشيد التي تحوي معاني عقدية والمشاركة بها في الحفلات المدرسية والمناسبات الأخرى.
- تعويد الطفل على سجود الشكر عند تجدد النعم وعند السلامة من الأذى.
- ندربه أن يبدأ دائما بشكر الله قبل شكر والديه أو من أحسن إليه؛ لنعلقه بالمنعم الحقيقي عليه لا بغيره.
- تعريف الأطفال بأمهات المؤمنين زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم- وبناته وتربيتهم على حب آل البيت وتوقيرهم.
- نكرر أمام الطفل عبارات تنمي الإيمان لتُرسّخ لديه، ثم يستخدمها تلقائيًّا، مثل: (قدر الله وما شاء فعل، توكل على الله، لا إله إلا الله، الله يراك، الله قدير، الله كريم سبحانه).
- نساعد الطفل لكي يقوم بتزيين فصله وغرفة نومه بعبارات عقدية مثل: أنا مسلم، أحب ربي وأخشاه، أنواع العبادة، أركان الإيمان. فهذه وسائل تعليمية تطبع في ذهنه مع كثرة مشاهدتها.
أخيرًا
لا بُد أن نعي أهمية الدور المناط بنا لتربية أبنائنا وغرس العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوسهم حتى نساهم في إنشاء جيل يحمل راية الإسلام، يؤدي الأمانة، يمضي بأحسن ما مضينا ويحقق ما لم نستطع تحقيقه، فهم الأمل وبهم الرجاء، وعلينا نحن المسؤولية في تمكينهم من تحقيق أمانينا التي لم نحققها في مسيرتنا.
المصادر والمراجع:
- ابن القيم: تحفة المودود، ص 31.
- أهمية تعليم العقيدة .
- ضرورة تعليم العقيدة للناشئة .