يغفل كثير من الآباء حقيقة اكتساب السلوك لدى الأطفال سواء كان إيجابيا أو سلبيا، فالطفل يتعلم بالتقليد أكثر مما يتعلم بالتوجيه، ويتعلم اللغة بمحاكاة أبويه وليس بدراسة قواعدها، وقل مثل ذلك عن باقي المهارات وأنماط السّلوك التي يكتسبها الصغير في سنوات حياته الأولى.
ويقول الدكتور عبد الرحمن النمر، الطبيب والكاتب المصري، إنه من العجيب أن نجد آباء يتصرفون بطريقة معينة في مواقف معينة، ثم يصرون على ألا يتصرف صغارهم على المنوال نفسه، بزعم أنهم يريدون تعليمهم السلوك الأقوم! وهو ما يكون مصدرًا لصراعٍ من نوع جديد، وطبيعي أن حل هذا النوع من الصراع يكمن في أن يكون الآباء قدوة لأبنائهم.
اكتساب السلوك.. مفهوم وأنواع
يُقصد بمفهوم اكتساب السلوك لدى الأطفال بالتصرفات التي تصدر عنهم، نتيجة المحاكاة والتقليد، سواءً كانت هذه التصرفات ظاهرة أم غير ظاهرة، ويعرفّه البعض بأنّه أي نشاط يقوم به الإنسان سواءً كان أفعالًا يُمكن قياسها وملاحظتها مثل النشاطات الفسيولوجية والحركية، أو نشاطات تحدث على نحوٍ غير مرئي مثل التفكير والذاكرة والوساوس وغيرها.
والسلوك نوعان: استجابي وهو الذي يأتي كردّةِ فعل للمثيرات السابقة له، فبمجرّد حدوث المثير يحدث السلوك، مثل نزول الدموع من العين عند تقطيع البصل، أو إفراز اللعاب في الفم عند الأكل، وتُعرف المثيرات التي تسبق القيام بالسلوك بالمثيرات القَبْليّة أو الاستباقية، وهو سلوك لا إرادي، فمثلًا إذا وضع الإنسان يده على شيء ساخن فإنّه يسحبها تلقائيًّا.
وهناك سلوك إجرائي، وهو محكوم بالعوامل البيئية المحيطة بالفرد، مثل: العوامل الاقتصادية والتربوية، والاجتماعية، والدينية، والجغرافية وغيرها، وهي قد تؤثر على السلوك الإجرائي الذي يعد إراديا إلى حدٍّ كبير.
كيفية اكتساب السلوك الحسن لدى الأطفال
إن اكتساب السلوك الحسن لدى الأطفال يحتاج إلى خطة تربوية تستند إلى عوامل أساسية، منها التشجيع والقدوة الحسن، واتباع عدد من الوسائل التربوية، وفي هذه السطور نشير إلى بعض الطرق التي من شأنها أن تؤسّس للتصرف الحسن لدى الصغار:
- رواية القصص: فهناك العديد من القصص، التي تُبنى على أفكار تعليمية ومناهج تربوية، بحيث إنّ قراءة هذا النوع من القصص يبقى في بال الطفل وحفيظته، ما يجعله يسلك سلوكًا صحيحًا في حال تعرضه لموقفٍ مشابهٍ أو حادث محيّرٍ.
ولقد اتَّفق عُلماء التَّربية وعُلماء النَّفس على أنَّ الأسلوب القصصي هو أفضل وسيلة لتربية الأطفال، على القيم الدينيَّة والخلقيَّة واكتساب السلوكيات الحسنة، وقبل ذلك سبق القرآن الكريم بتأكيد هذه المعلومة، فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِي ٱلأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، وقال – عز وجل-: {فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176].
وكان النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا ما يقص على أصحابه قصص السابقين للعظة والاعتبار وقد كان ما يحكيه مقدَّما بقوله: “كان فيمن قبلكم” ثم يقص- صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- على مسامعهم القصة وما انتهت إليه.
- التعليم بالقدوة الحسنة: فرؤية الطفل لوالديه يتحدثان بأدب للآخرين تجعله مكتسبًا لهذا السلوك منهما، كما يُمكن تعليمه إرسال بطاقات الشكر لمن يقدّمون له خدمةً، وإظهار الامتنان للآخرين، والتحيّة للزملاء والطلب المؤدّب، فكل فعلٍ يصدر عن الآباء ملاحظ بدقّةٍ من الطفل، خصوصًا عند الغضب، لذا لا بد أن يتمالك الآباء أنفسهم عنده والتصرّف كما يقتضي السلوك الحسن، دون رفع الصوت أو استخدام الكلام المسيء، وهذا بوسع الطفل تعلّمه واتباعه فيما لو تعرض لموقفٍ مشابه.
- استخدام الإيضاحات الموجزة: ويقصد بذلك تجنّب الخطابات المطوّلة أو اتباع نمط المحاضرة للطفل، لكن يُذكر السبب ببساطةٍ ولماذا يجب على الطفل اتباع هذا السلوك بعينه دون غيره، ويتم ذلك بتفسيرٍ موجز عن قلّة تقدير الآخرين للفعل السيّئ، كما أنّ المختصين قد أوجدوا ارتباطًا وثيقًا بين قدرة الطفل على تذكّر التصرف الحسن وامتثاله عند استخدام هذا الأسلوب في التربية.
تقويم السلوكات الخاطئة عند الصغار
ولأنّ اكتساب السلوك عند الصغار يخضع للمَعين الذي ينهل منه، فإنه قد يكون سيئًا، وهنا لا بد من تعديل السلوكات الخاطئة بحساسيّة، وذلك مَوقوف على تغيير العادات والمواقف الخاطئة التي بُنيت عليها شخصية الطفل وسلوكاته المبدئية، ويمكن علاج السلوكيات السلبية باستخدام أساليب مختلفة، منها:
- العقاب: وهو لا يعني الإيذاء النفسيّ والجسديّ والتوبيخ والانتقاد، وإنما المقصود به خفض السلوك غير المرغوب به بطريقتين؛ الأولى تعريض الطفل لمثيراتٍ منفرةٍ عند ظهور السلوك الشاذ أو الخاطئ، والثانية حرمانه من تعزيزٍ يرغَبه كلما ظهر السلوك الشاذ أو الخاطئ، ما يؤدي في النهاية لكبح رغبته في تكرار هذا السلوك.
- الإطفاء: وهو من أحد أساليب تعديل السلوك، ويقصد به الإهمال والتجاهل لما يصدر عن الطفل من سلوك سيئ، بحيث لا يلفت انتباه الطفل لأهميته، فيَضعُف السلوك ويتضاءل حتى يختفي.
- تعزيز السلوك العام: يُسمّى- أيضا- تعزيز غياب السلوك، ويتضمن هذا الأسلوب تعزيز الطفل عند قيامه بأي سلوك ما عدا المراد تقليله، ما يؤدي مع الوقت إلى إطفاء السلوك الخاطئ.
- تعزيز السلوك النّقيض: يسمى هذا الأسلوب بالإشراط المضاد، ويتضمن تعزيز الطفل عند قيامه بالسلوك النّقيض أو المضاد للسلوك غير المرغوب أو السلوك المراد تقليله، كأن يُعزّز الطفل عند مُداعبة شقيقه الأصغر.
- الإقصاء: وهو من أشكال العقاب، ويتضمن سحب المعززات والمثيرات الإيجابيّة المُحببة للطفل مدة زمنية محددة، بعد ممارسة السلوك الخاطئ فورا.
- الممارسة السلبية: ويشتمل هذا الأسلوب على إكراه الطفل على الاستمرار في فعل السلوك الخاطئ كلما قام به مدة زمنية إضافية، الأمر الذي ينعكس على شعور الطفل بكراهية السلوك واعتباره أمرا مزعجا.
وسائل تعديل السلوك العدواني
وفي حالة كان اكتساب السلوك لدى الصغار سلبيا ويميل إلى العدوانية، فإن ذلك يتطلب بعض الوسائل التربوية، منها:
- اللعب: حيث يساعد في خلق تغيرات إيجابية على سلوك الأطفال تنعكس بشكل ملحوظ على المحيطين به.
- العمل على إشباع الحاجات الفسيولوجية للطفل.
- وتوفير جو أسري سليم غني بالحب والمساواة والتعاون والتسامح.
- استخدام وسائل العقاب بشكل مقنن وفي حالات الضرورة فقط.
- يجب على الوالدين عدم إبداء أي ردود فعل غاضبة أو عنيفة تجاه الطفل حتى وإن كان الأمر لا يخص الطفل.
- إشراك الطفل في الأنشطة الرياضية الجماعية ما يتيح مساحة له لتفريغ طاقته والتعبير عن مشاعره المكبوتة.
- ولا بد من التعامل مع سلوكات الطفل العنيفة بهدوء دون اتخاذ أي ردود فعل عصبية.
- تجنب استخدام أسلوب السخرية أو الاستهزاء بالطفل أو إشعاره بالفشل.
- الابتعاد عن أسلوب التدليل المبالغ فيه.
- وتجنب التدخل في كل شؤون الطفل أو ما يشعره بالضغط طوال الوقت من الأهل.
- من الضروري، تجنب تفضيل أحد الأبناء على الآخرين، بل يجب اتباع أسلوب المساواة والعدل مع الجميع.
- تدريب الطفل على كيفية التعبير عن نفسه ومشاعره ومتطلباته.
- وتجنب تعريض الطفل لأي مشاهد تحتوي على العنف والعدوانية.
- تشجيع الطفل على السلوك الجيد والهادئ مع الآخرين.
المصادر والمراجع:
- جمال الخطيب: تعديل السلوك الإنساني، ص 188.
- أسيمة صالح: التعامل مع السلوكيات الخاطئة عند الأطفال، ص 10.
- كيف تعلم طفلك السلوك الحسن .
- التربية بالقصة .