تتفاوت درجات إساءة أصدقاء السوء من شخص لآخر، لكنهم يجتمعون في الابتعاد عن عبادة الله تعالى، ويتّبعون سُبل الشيطان، ويُقصرون في أداء الصلاة، ويُضيعون أوقاتهم في الغيبة والنميمة، واتباع العورات، ويُكثرون من الوقيعة بين الناس، لذا فإنّ حماية الأبناء منهم ضرورة تربوية واجتماعية ودينية.
وعلى النقيض، فإنّ الصداقة الطيبة هي أحد أعذب المناهل التي تُساعد الإنسان على الاستمتاع بالحياة، وهي من أهم العلاقات الإنسانية التي تأخذ صدى كبيرًا، وقد لخّصها سيدنا أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- في قوله حينما مرض النبي- صلى الله عليه وسلم- وزاره:
مرض الحبيب فعدته فمرضت من أسفي عليه
شفي الحبيب فزارني فشفيت من نظري إليه
أصدقاء السوء في القرآن والسنة
لقد حذّر الإسلام من أصدقاء السوء عبر مصدريه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهر، فقال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 – 29].
وقال- جل وعلا-: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴾ [فصلت: 25]، وقال- عز وجل-: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [فصلت: 29].
بل إن صديق السوء سيكون عدوًّا لصديقه في الآخرة رغم أنه سار على نهجه واتبع طريقه في الدنيا، يقول- سبحانه وتعالى-: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: 67].
ولخّص النبي- صلى الله عليه وسلم- الصداقة، في حديث رواه أبو موسى الأَشعَرِيِّ- رضي الله عنه- عن النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً” (متفقٌ عَلَيهِ).
خطورة أصدقاء السوء على الأبناء
إنّ أصدقاء السوء يهوون بأصحابهم إلى دركات الانحدار الأخلاقي والنفسي والحياتي، متناسين أن الصّداقة أصلها صَدَقَ من الصدق، فالصديق مَن يصدق القول مع صاحبه بقلبه ولسانه، ولا يكنُّ له إلا كل خير ومحبة وحسن نية، وتكون علاقتهما مبنية على المودة والنصيحة النابعة من الحب الصادق، ويمكن وصفها بالعلاقة الوجدانية التي تتميز بتشارك الأفراح والأحزان، كما تتميز بتجردها من المصلحة والنفاق والنية السيئة (1).
وصديق السوء يُمثل خطورة على الأبناء، وذلك من خلال:
- عدوى الفساد والشرِّ: فهو يسعى دائما ليكون غيره مثله وينقل إليه عدوى الفساد والشرّ، بدلا من نقل المحاسن إليه.
- تعلّم العادات السيئة: فكل ممنوع مرغوب، ومعظم العادات السيئة والمنحرفة مُغرية، فإذا صاحب الابن صديق سوء زيّن له العادات السيئة وحاول دفعه إليها أكثر ليحس أنّه ليس وحيدا فيما يفعله، لأن هذا الشخص يكره التفوق الأخلاقي ويكره السمعة الطيبة، ويكون سعيدا في كل مرّة يقنع صاحبه الطيب بتجريب عادةٍ كان يرفضها أو يعتبرها منحرفة.
- السمعة السيئة بين الناس: فالأفعال ليست وحدها ما تبني السمعة بين الناس، بل أفعال الأصدقاء أيضًا، وبمجرد أن يعرف الناس أن فلانًا يعرف صديق سوء؛ فإنهم يعتبرونهما في السوء سواء.
- الضرر المباشر: قد يكون الابن السوي أحد ضحايا صديق السوء وسلوكه المنحرف، فقد يتعرض للسرقة أو الابتزاز على يد صديقه، وربما غدر به وألحق الضرر بأهل بيته.
- صديق السوء يورط صاحبه في المشاكل: فلا يمكن أن تكون العلاقة مع صديق السوء خالية من المشاكل، فربما يجد الصاحب نفسه متهما بالسرقة فجأة دون أن يعلم، وقد يدق بابه أصحاب حقٍّ.
مضامين تربوية للصداقة في الإسلام
كما حذّر الإسلام من أصدقاء السوء وخطورتهم على الأبناء، فقد أعلى من شأن الصداقة واهتم بها، وحث على حسن اختيار الصديق، فقال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:67].
وقال- جل وعلا- عن موقف أصدقاء السوء من بعضهم يوم القيامة: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}[العنكبوت:25].
وهو المعنى الذي أكد النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- فقال: “المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ” (أبو داود والترمذي).
فالإسلام يؤكد أنّ الصداقة والصحبة منضبطة بضوابط الحب والخير والتناصح والإخلاص والإيثار، وكل سمات النبل والطهر والعفاف، ولا يملي ذلك على الناس إلا شيئًا واحدًا، هو تقوى الله تعالى.
أما الصداقة والصحبة التي قامت على المصالح الدنيوية والأغراض المادية، وليس لله سبحانه وتعالى فيها نصيب، فستكون يوم القيامة وبالًا وشؤمًا وخسرانًا على أهلها جزاءَ انحرافهم وغفلتهم، وهجرهم التناصح، وعدم حب الخير لبعضهم(2).
والصداقات الطيبة المنضبطة جزء رئيسي في حياتنا، وهي مهمة في حياة الأطفال في الكثير من الجوانب، ومنها:
- تكوين الأطفال للصداقات يُسهم بشكل كبير في نمو الأطفال ويصبح الأطفال يمتلكون مشاعر وأحاسيس أكثر.
- عندما يكون لدى الأطفال أصدقاء يزيد هذا الأمر من احترام الأطفال لأنفسهم ويزيد ثقتهم في أنفسهم.
- تطوير هوية الطفل وزيادة نضجه: الأصدقاء يساهمون بشكل كبير في تطوير هوية الطفل وزيادة خبرات الطفل، نتيجة اختلاطه بأطفال آخرين(3).
وبلا شكّ فإنّ الصّديق الصّالح، يؤثر إيجابًا على صاحبه، وذلك في:
- يُعين على طاعة الله- سبحانه وتعالى- واجتناب نواهيه.
- يحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- قد يكون سببا للتقرب من العلم النافع وطلبه.
- يسعى إلى النصح الدائم لصاحبه طلبا للأجر من الله سبحانه (4).
وينبغي على المؤسسات التربوية وخصوصًا الأسرة والمدرسة والمسجد- توجيه الناشئة إلى مصاحبة الأخيار من أقرانهم؛ ليكونوا عونًا لهم على طاعة الله تعالى وتقواه، وتجنُّب مصاحبة الأشرار الذين زلوا وضلُّوا، ولا هُم على الخير يتناصحون أو يُذَكِّرُون، وقد يكون همهم إيقاع غيرهم فيما هُم فيه من غواية وضلال.
اختيار الصديق الصالح
إنّ البعد عن أصدقاء السوء واختيار أصدقاء صالحين يحتاج إلى مهارة لا بد من تربية الأطفال عليها، وذلك من خلال:
- تطوير المهارات الاجتماعية الإيجابية: فمن المهم أن يعمل كل من الأب والأم على تطوير المهارات الاجتماعية التي لها أثر إيجابي للأطفال منذ نعومة أظفارهم، لأن الطفل الذي لا يمتلك مهارات اجتماعية، لا يستطيع تكوين صداقات.
- وتوضيح أهمية التشارك والتعاون لدى الأطفال وهُم في السنوات الأولى من حياتهم، حتى تصبح هذه القيم جزء من شخصيتهم.
- توضيح للطفل كيفية تكوين الصداقات من خلال الحديث معهم، والقدوة في اختيار الأصدقاء أمامهم.
- البحث عن أطفال لديهم اهتمامات مشتركة(5).
والصديق هو مَن يصاحب صديقه من أجل الصداقة، لا من أجل منفعة، لذا حثنا الإسلام على حسن اختيار الصديق التّقي، ومع ذلك فهناك مؤشرات تبين مدى صدق الصداقة، ومنها:
- الصديق السوء يعمد إلى إفشاء الأسرار ويعامل صديقه معاملة سيئة، سواء أمام الناس أو بعيدًا عنهم.
- لا يكترث لمشاكل صديقه أو الاستماع إلى همومه أو نصيحته بما هو نافع.
- لا يقدم الدّعم المعنوي ويحبط محاولاته للقيام بأي شيء مرتبط بنجاحه، ولا يفرح لنجاحه وإنجازاته.
- يفضل مصلحته على مصلحة صديقه ولو كان فيها مضرة له، كما لا يُشاركه بأي شيء متعلق بحياته(6).
كيف نحمي أبناءنا من رفقة السوء؟
بقدر حنكة الوالدين وحِكمتهما، تمر فترة المراهقة بأقل قدر ممكن من المشكلات التي يتسبب أصدقاء السوء في كثير منها، وهو ما يتطلب:
- التحدث إلى الأبناء عن صداقتهم التي لا ترضينا من خلال طرح الأسئلة عليهم لفهم أسباب إعجاب الابن أو الابنة بهذه الصداقة.
- تربية الأبناء على تحمل المسؤولية والحرص على تربيتهم تربية حميدة على الأخلاق الحسنة والفضائل والقِيم مُنذ الصغر.
- إنشاء علاقة صداقة قوية بين الآباء وأبنائهم، ليصبح كل من الأب والأم الصديق الأول في حياة أبنائهم.
- الابتعاد عن انتقاد صديق الابن أو الابنة، ومحاولة شرح أسباب قلقنا من هذه الصداقة بهدوء، حتى لا يتمسك به أكثر لو كان سبب الرفض غير مُقنع.
- محاولة الاقتراب من أصدقاء الأبناء ومصاحبتهم، للتعرف إلى طُرق تفكيرهم والحرص على أن يكون المنزل هو المكان المُفضّل للقائهم.
- الاختلاط بالأصدقاء الطيبين الصالحين له ثماره الطيبة والحرمان منه يفقد الطفل هذه الثمار.
- الانتباه إلى أنّ الثقة غير المسؤولة قد تنتهي بضياع مستقبل الأبناء وجرح طفولتهم والزّج بهم إلى عالم ليس عالمهم.
- عدم الإساءة لأحد من أصدقائه أمامه، لأنّ ذلك قد يجعله يتمسك به أكثر، ويخاصّة في سن المراهقة، وبدلا من ذلك نستخدم النصح والإرشاد.
- تشجيع علاقته بالصّديق الجيد الصالح وعدم وضع حدودٍ مُفرطة لعلاقته به.
- المراقبة المستمرّة للأبناء من الوالدين، فالتّربية الحقيقة لا تكفي على أهميّتها في إبعاد الأبناء عن رفقاء السّوء، وإنّما تحتاج إلى متابعةٍ مستمرّة ومراقبة من الوالدين لسلوك أبنائهم في الحياة(7).
أخيرًا
على الآباء والأمهات مسؤولية كبيرة تجاه أبنائهم تتمثل في إبعادهم عن أصدقاء السوء الذين كثروا في هذا الزمان، بسبب البعد عن الدين والتربية، ولا بد من مساعدة الأبناء على اختيار الصديق الصالح الذي يعين صديقه على الخير والتقرب إلى الله- عز وجل- والمساعدة في التعلم والتفوق.
المصادر والمراجع:
- الصداقة وأهميتها في حياتنا
- عبدالرحمن بن سعيد الحازمي: الصداقة في الإسلام ومضامينها التربوية، 20 يناير 2019،
- حنان عتوم: أهمية الأصدقاء للأطفال ومدى تأثيرهم في حياتهم، 11 ديسمبر 2020،
- سندس أبو محمد: أهمية الصداقة في الاسلام، 15 ديسمبر 2021م،
- ؟، 11 مارس 2013،
- عامر العبود: علامات انتهاء الصداقة وأسباب فشل الصداقة، 18 أغسطس 2018،
- أبناؤنا وأصدقاء السوء: 13 يناير 2021،
- صفات صديق السوء وأثر أصدقاء السوء في حياتك.