ابني يسألني: “لماذا لا نرى الله ؟”.. فهل عندما يسألني طفلي أسئلة عن الإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر، أجيب عنها أم أتجاهل الأمر؟
الإجابة:
بل نجيب ونجيب حتى نشبع فضوله، فالسؤال بوابة المعرفة، وعلامة على النضج، ويعني أن الطفل يُفكر في الأمر، والسؤال هو حالة صحية يستثمرها المُربّي حتى يُصحح الفهم الخاطئ- إن وجد- ويصوب المعوج، وبالإجابة الصحيحة نضعه على طريق الهدى بإذن الله.
عرفنا أهمية السؤال، والأهم أن نجيب إجابات صحيحة، مناسبة للسن، ولا عيب أن نرد على الطفل بتأخير الإجابة لوقت لاحق، فنقول: أجيبك مساءً بإذن الله؛ فإرجاء الإجابة المصحوب بتوضيح السبب فرصة أخرى للتعلم.
فقد نؤخر الإجابة لضيق في الوقت، أو للرجوع والتأكد من المعلومة الصحيحة، أو للتواصل مع مَن هو أعلم منا بالإجابة.
فيتعلم الطفل ألا نفتي بغير علم، وأنه لا عيب أن نرجع ونتأكد من معلوماتنا بالبحث وسؤال مَن هُم أعلم منّا في هذا الشأن.
وعن سؤال: لماذا لا نرى الله؟
تختلف الإجابة حسب سن الطفل، فدون الثامنة نعطيه إجابات مختصرة، ولا نكثر من الحديث عن الغيبيات، ونفصل الإجابة أكثر لسن ما بعد الثامنة، وحسب إدراك الطفل.
والسؤال عن رؤية الله يتضمن شقين مخفيين، هل هو موجود فعلا؟، وإذا كان موجودا فلماذا لا نراه؟!
ونبدأ بالجواب عن الشق الثاني (لماذا لا نراه؟)، فنضرب مثالا هدفه إيصال معلومة بأن رؤيتنا محدودة.
فنطلب من الطفل أولا أن يُسمّي ما يراه في الغرفة، ثم نطلب منه أن يسمي أشياءً خارج المنزل، ثم نسأله هل تراها؟
الإجابة: لا.. فهل يعني ذلك أنها غير موجودة؟، بل موجودة؛ لكن الله جعل لرؤيتنا محدودية نرى بها لمسافات معينة، ومخلوقات معينة، ولا يعني عدم رؤيتنا للشيء بأنه غير موجود، إذًا الله موجود ولكن لا نراه يا صغيري، كما لا نرى أشياء كثيرة هي موجودة ولكن الله جعل لنعمة النظر قدرة محددة.
ثم نخبره.. بأننا نستطيع أن نرى الله في الجنة، فجعل الله رؤية وجهه الكريم، جائزة للمؤمنين في الجنة.
فهل تحب أن ترى الله في الجنة؟ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، وفي صحيح مسلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل» وفي رواية: وزاد ثم تلا هذه الآية: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ} [يونس : 26]
الإجابة السابقة تمهيد ومدخل مناسب للحديث معه حول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولا تكون الإجابة في جلسة واحدة، فنكتفي بمعلومة أن رؤية الله جزاءً كبيرا للمؤمنين في الجنة، وحتى نكون مؤمنين علينا أن نُحقق أركان الإيمان الستة، ونخبره أننا سنتكلم عن هذه الأركان في وقت لاحق بإذن الله.
وللإجابة عن السؤال الضمني لسؤاله لماذا لا نرى الله؟ هل الله موجود فعلا؟!
فنسأله بدورنا: مَن خلق السماء؟ من ينزل المطر؟ من يقلب الليل والنهار؟ من يرزقنا؟.. أسئلة إجاباتها دليل على وجود الله، ولا تحتاج إلى إقناع الطفل، فسيجيب بداهة: “الله الذي خلق السماء.. الله الذي يرزقنا.. إلخ”.
(إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُۥ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ) [الأعراف: 54].
ويُمكن أن نحكي هنا قصة سيدنا إبراهيم- عليه السلام- في البحث عن خالق هذا الكون، رضي الله عن أبينا إبراهيم، وصل بفطرته أن لا بُد من أن يكون لهذا الكون من خالق.
سيصل الطفل بعقله إلى أن كل موجود لا بُد له من واجد، وأن الواجد هو الله، فلا نقلق بشأن أسئلته، فهي أدعى لترسيخ الإيمان في قلبه، فلا يكفي أن يشب مقلدا أباه وأمه، بل يسأل حتى يستقر الإيمان في قلبه.
يحكي أحدهم عن طفله؛ أنه تاه وهو ابن الثانية من عمره، فوجده أحدهم، فاجتمع الناس حوله يسألونه من أين أتيت؟ حتى يردوه إلى أهله وبيته، فأجابهم: من عند الله..!
ظل الناس يضربون بأيديهم كفا على كفّ، يجمعون الناس من حوله يسمونه الطفل المعجزة، يسألونه مرار وتكرارا من أين أتيت؟، فيجيبهم من عند الله، حتى وجده أبوه والناس ملتفون حوله وكلهم عجب من أمره مما غرس فيه أبواه وعلماه أن الرازق هو (الله)، الخالق هو (الله)، الواجد هو (الله).
فلم يفهم سؤالهم من أين أتيت؟، فيجيب عن المكان، بل أجاب الإجابة الأشمل، من عند الله!، كلنا وما نملك من عند الله، فما أجمل أن نربط أبناءنا بالله، لا عند الإجابة عن أسئلتهم فقط، بل يكون هذا ديدننا ومنهاج حياتنا، نعرفهم بالله من خلال مواقف حياتنا اليومية، يحمدونه ويشكرونه، يتعرفون عليه في الرخاء فيعرفهم جل وعلا في الشدة.