يُعد الأمن في المجتمع من أكبر النعم التي غَمَر الله بها عباده، ولن يكون هناك استقرار للفرد ولا تطور للمجتمع إذا انتشرت الجريمة وانعدَم الأمن واختل توازن الحياة فصارت كالغابة لا قواعد ولا قوانين تحافظ على الاستقرار.
والإنسان منذ فجر ولادته على الفطرة السوية، فلا يعلم شيئًا عن الإجرام أو الأذى، ولكن البيئة التي ينشأ فيها هي ما قد تؤثّر فيه ويتأثر بها، تلك البيئة التي تغرس فيه سلوكيات جيدة وغير جيدة، سوية وغير سوية، ما تؤدى به إلى الانحراف عن الطريق المستقيم، لذا بعث الله الرسل في سبيل تحقيق العبودية الحقيقية لله سبحانه ونشر الأمن والأمان وحب الخير بين الناس وعدم الاستجابة للشيطان.
مفهوم الجريمة
اختلف تعريف الجريمة وفق تنوعها، لكن الجميع اتفق على كونها انحراف عن القواعد والنصوص المتفق عليها لحماية النفس والمال والعرض، كما أنها الفعل الذى يُرتكب ويكون منافيًا للنظم الاجتماعية السائدة أو ضدها ويكون فيه خروج على القانون.
ويراها البعض من الناحية الاجتماعية والنفسية، أنها عمل يخترق الأسس الأخلاقية التي وضعتها الجماعة، وجعلت الجماعة لاختراقها جزاء رسميًّا.
وعرّفها الإمام الماوردي بأنها محظور شرعي نهى الله عن فعله إما بحد أو تعزير، والمحظور هو عمل أمر نهى الله عنه، أو عدم عمل أمر أَمَرَ به(1).
الأسباب الدافعة إلى الجريمة
أسباب ارتكاب الجريمة تختلف من مجرم إلى آخر، فليس كل من ارتكب جريمة كان يقصد ارتكابها أو ممارستها ضد الناس، فهناك مجرمون محترفون أصبح الأذى يجري في عروقهم وكأنه من الأمور العادية.
وهناك مجرمون عرضيون يرتكبون الأذى لأمر طارئ، وآخرون عصبيون وهم مَن يرتكبون جرائم وقت غضبهم فإذا ما أفاقوا أدركوا خطأهم، وأيضا ذهانيون وهم الذين تغيب عقولهم فلا يدركون ما يفعلون من جرائم(2).
لكن في النهاية يُرتكَب الجُرم ضد الإنسانية ويُؤثر على المجتمع، لذا كان من أسباب ارتكاب أي جريمة:
- انعدام أو ضعف الوازع الديني: حيثُ تُعدّ الشرائع السماوية التي تحرم الجرائم رادعًا قويًّا أمام ما تسوله النفس للإنسان.
- ضعف الوازع الأخلاقي والتربوي: حيث يعد الوازع الأخلاقي ركنا مهما من أركان الإصلاح الاجتماعي، وهو ما يجب أن تمارس جميع المؤسسات التربوية دورها في غرس القيم والأخلاق لدى الأبناء لمنع انتشار السلوكيات الإجرامية.
- البيئة الفاسدة: حيث يتأسّى الإنسان بمن حَوله سواء كانوا صالحين أم فاسدين، والإنسان الذي يتربى في بيئة فاسدة سيكون أقرب إلى سلوك طريق الإجرام.
- البطالة والظروف الاقتصادية الصعبة: حيث يرتكب الكثير الجرائم لتحصيل الأموال بأسلوب غير مشروع بسبب البطالة أو ركونه إلى الحصول على المال بطريقة سهلة.
- تعاطي المُسكرات والمخدّرات: حيث تدفع صاحبها إلى ارتكاب الجرائم من أجل الحصول على المال الذي يكفيه لشراء المخدرات والمسكرات.
- التفكك الأسري الذي يُوفر بيئة حاضنة للسلوك السيء، حيث لا رقيب على تربية الأولاد ولا مُوجّه لهم إلى الطريق الصحيح.
- ضعف أو انهيار المنظومة التعليمية، إذ إن العلم من العوامل القوية التي تحد من الجرائم.
- الصحبة السيئة التي تدفع الفرد إلى ارتكاب الجرائم لإشباع الغريزة أو توفير احتياجاتهم من المال.
- الألعاب الإلكترونية ووقت الفراغ: بسبب انتشار الألعاب الإلكترونية التي قد تُعلّم الفرد قواعد الإجرام بطريقة غير مباشرة، والأفلام والمسلسلات التي يكون تأثيرها على الفرد قوياً في الجنوح لارتكاب الجرائم(3).
تداعيات انتشار الجريمة على المجتمع
- عدم مقدرة الأفراد على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، مع انتشار الخوف وعدم الاطمئنان بين أفراد المجتمع.
- انتشار العنف والجرائم بين أفراد المجتمع وترصد الجميع بعضهم لبعض وانتشار القتل والضرر بين الناس.
- تأخر الدولة كثيرًا، نتيجة تراجع المشروعات التنموية.
- توقف النشاطات المختلفة التي يقوم بها أفراد المجتمع، نتيجة غياب الأمن.
- تأثر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يؤثر على موارد الدولة وقلة الاستثمارات الأجنبية في المجتمع ما يُسبب خسائر كثيرة(4).
أهمية التربية الإسلامية في الحد من الجرائم
تتسم التربية الإسلامية على وجه الخصوص بفاعلية أكثر في معالجة مشكلة الجريمة بالتّضافر مع عوامل أخرى.
وتتميز بأنها أداة صياغة الإنسان ورعاية نموه الجسمي والعقلي والاجتماعي والنفسي بما يتلاءم وفطرته التي فطره الله عليها ووفق تصور الإسلام وتعاليمه ومبادئه التي ارتضاها الخالق سبحانه لتوجيه قدرات الإنسان، وتنمية استعداداته وتنظيم طاقاته في إطار عملية تكيف خال من كل أشكال الصراع والقلق والتوتر، والشعور بالطمأنينة نتيجة إشباع الإنسان لحاجاته المختلفة بصورة مشروعة ومعتدلة.
بل إنها تُعالج بصورة فعالة الأسباب التي تحول دون وقوع أكثر من معالجة وسائل الإصلاح التي تتخذ بعد وقوع الجُرم وإن كان لها دورها أيضًا في سبل التقويم ووسائل الإصلاح.
وحرص الشرع الحنيف على إيجاد مجتمع خال من الجرائم أو الحد منها، فشرع القوانين التي هي وقاية وعلاج من الإقدام على الجرائم أو ترويع الناس.
والإسلام لا ينتظر وقوع الجرائم حتى يتصدى لها، وإنما يتخذ لها كل الإجراءات والتدابير، وما من شأنه الحيلولة دون وقوع الجُرم.
ويهتم الإسلام بعلاج ما ترتب عن الخلل الذي حدث بسبب النفوس البشرية، فالإسلام يوفر العيش الكريم والعمل الشريف ويرعى الفقراء والمساكين قبل أن يقيم حد السرقة، وهو ما ينطبق على بقية الحدود.
والحدود والعقوبة لم تشرع من أجل الانتقام من المجرمين، لكن غايتها وأهدافها تمثلت في:
- الحفاظ على المصالح الأساسية للمجتمع وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وهى ما تُعرَفُ بـ “الكليات الخمس”.
- ردع المجرم عن ارتكاب جريمته، فعندما يرى العقوبة فإنه من المؤكد أَنَّهُ سيرتدع عنها مرة أخرى.
- ردع غير المجرم عن تقليد المجرم في جريمته، فعندما يرى كل من تُسَوِّلُ له نفسه ارتكاب جريمة ما حلَّ بمجرم آخر ارتكبها قبله فإنه سيخاف ويرتدع عن ارتكابها حتى لا يلحق به من العقوبة ما لحق بغيره.
- تهذيب نفس المجرم وإصلاحه، فليس المقصود من العقوبة مجرد الانتقام من المجرم، أو مجرد إلحاق الأذى به، بل يقصد إصلاحه وتحقيق مصلحته(5).
كيفية الوقاية من الجرائم
تنتشر الجريمة إذا غاب الشعور بوجود الرقيب، وهو ما يجب أن نُعلي قيمة الرقيب من نفوسنا جميعا عن طريق:
- الفهم الصحيح والتطبيق العملي للأوامر والنواهي الربانية التي سنّها الله- تبارك وتعالى- لحياة البشرية، وتشريع العقوبات المناسبة لارتكاب الجرائم.
- العناية بالتربية الصحيحة من الصغر داخل الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع والدولة.
- غرس مشاعر الاحترام للقوانين والأنظمة في نفوس الناشئة (بل والجميع) وأنها من الدين.
- التنوير والتوجيه والاهتمام بأخذ الاحتياطات والتدابير الأمنية للممتلكات والأبناء، وبخاصة الحفلات الخاصة أو العامة.
- استغلال أماكن تجمع الشباب في تفعيل مفهوم السلوك المثالي، والمساهمة في تنظيم سلوك الناس في تدبيرهم لشؤون حياتهم اليومية.
- القضاء على الأسباب المفضية للجرائم وسد أبوابها وثغراتها.
- تفعيل الأمر بالمعروف، بالحسنى والنهي عن المنكر، لإرشاد الناس وتصحيح أخطائهم.
- فتح باب التوبة أمام المجرمين واحتوائهم وإرشادهم لفعل الصواب حتى لا يظلوا عبارة عن بؤر ترعى الجرائم وتصدّرها للغير.
- نشر العدالة الاجتماعية والقضاء على الظلم ورد المظالم، حتى لا تتولد مشاعر الحقد والكراهية إذا ضاع العدل بين الناس.
- المساواة بين الناس في العقوبات أو العموم فيها، فلا يُعاقب الضعيف ويُترك القوي الغني.
- تفعيل المناهج الدراسية بما يتوافق مع الشرع الحنيف وتهذيب الأخلاق والسلوكيات والمحافظة على العبادات(6).
إن الجريمة خروج عن الفطرة السوية، لذا فصّل الله تعالى في شريعة الإسلام أحكامًا وقوانين تردع المجرمين وتؤدب المعتدين وتحافظ على أمن الناس وراحتهم، من خلال منهج متكامل يردع الناس عن ارتكاب الجرائم.
وامتازت الشريعة الإسلامية عن سائر التشريعات بأن نظامها في محاربة الجرائم محكم، بحيث انعدمت الجرائم أو كادت عندما طبق الناس أحكام الإسلام.
وبالتأكيد فإن كل إنسان يُحب أن يعيش في طمأنينة وهدوء نفسي حتى يستطيع أن يقوم بالمهمة التي من أجلها أوجده الله- سبحانه وتعالى- وهي عبادته وعمارة الأرض، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ}، ولا يكون ذلك إلا في ظل مجتمع يعاقب على الجرائم ولا يدع لها مجالا للنمو.
المصادر والمراجع:
- أسماء بنت عبدالله التويجري: الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للعائدات للجريمة، طـ1، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2011، صـ 35- 36.
- زكريا إبراهيم: الجريمة والمجتمع، دار النهضة العصرية، القاهرة، 2016م.
- خلف بن محمد بن عبدالله العرم: من أسباب وقوع الجريمة، العدد 12985، الخميس 11 ربيع الثاني 1429هـ.
- ليلى جبريل: أهمية الأمن في المجتمع، 30 ديسمبر 2021.
- إبراهيم سند إبراهيم أحمد الشيخ: مكافحة الإسلام للجريمة، 5 نوفمبر 2011.
- أحمد شحادة بشير الزعبي: منهج الإسلام في محاربة الجريمة، المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب ـ المجلد 28 ـ العدد 56، صـ 33- 70 بتصرف.