أطفالي يعبثون بالبيت ويفسدون كل شيء، لدرجة أنّ الفوضى أصبحت عنوان كل شيء في البيت، وأصبحنا نهرب من استقبال الضيوف في بيتنا، وأصبحتُ أبذل مجهودًا كبيرًا في البيت دون نتيجة؛ فماذا عساي أن أفعل كي أعدل هذا الأمر عندهم؟
الإجابة:
السائلة الكريمة.. هناك فرق كبير بين وصف لعب أطفالك بالعبث والفساد، وبين وصفك إياه بالفوضى- ولعل هذا ما تقصدينه- لأن اللعب دائمًا له أهمية كبيرة للغاية في تكوين شخصية وذاكرة الأطفال ولا يُمكن وصفه بالإفساد.
لكنه قد يُسبب بعض الفوضى التي يُمكن تهذيبها ببعض الخطوات البسيطة. بداية قومي بفحص ألعاب أبنائك وتصنيفها بمشاركتهم، وقرروا معًا ما يمكن استبعاده مما لا يصلح منها. اتركي الألعاب المناسبة لأعمارهم الحالية واقترحي عليهم مهاداة بعض المعارف منها أو التصدق ببعضها. كما ننصحك أن تضعي الألعاب بطريقة يمكنك أن تديري معهم استخدامها، كأن تكون في مكان مرتفع أو مغلق لحين إدراكهم كيفية التنظيم والترتيب.
علميهم أن يختاروا في المرة الواحدة بين لعبة أو لعبتين يلعبون بها، وبعد الانتهاء من اللعب، تُجمع وتُرفع ثانية إلى مكانها، ولا تنزل لعبة جديدة إلا بعد ترتيب المكان من اللعبة السابقة، كوني حازمة في اتباع هذه القاعدة، وكرريها، ولا تَملّي حتى تصبح عادة لديهم، فالعادة تثبت بالتكرار. وإن تنازلتِ في مرّة ورضختِ لإلحاحهم فلن يحصل المراد من التدريب والتعويد.
وإدراك كيفية التنظيم والترتيب يأتي بطرق عدة، منها: أن يجري تحديد مسؤوليات ومهام منزلية مناسبة للمراحل السنية للأولاد، ويجري تقسيم تنفيذها على الأبناء لفترات زمنية محددة، ثم يجري تبادلها بين الأبناء مع مراعاة أن يقوم كل ابن دائمًا بما يناسب سِنّه، وإشراكهم في عملية الترتيب سيجعلهم أكثر حرصًا للحفاظ عليه، كما أن هذا الأمر يلزمه حُسن متابعة من الأم حتى تتحول هذه المهام إلى عادات لدى الأبناء مع دوام تشجيعهم عند القيام بهذه المهام.
حددي أماكن اللعب؛ بحيث لا يصير كل مكان في البيت مستباح، كغرفتهم أو غرفة المعيشة على سبيل المثال، مع منع اللعب في الأماكن الأخرى كحجرة استقبال الضيوف وحجرة نومك، فربما يساعد هذا قليلًا في تحقيق هدوئك وعدم انفعالك، وحتى يتسنى لك استقبال أي ضيف حال مجيئه فجأة.
نذكرك بأن إرساء أي قاعدة مع الأبناء يحتاج أولًا وأخيرًا إلى الحزم والحنان في آن واحد، من ناحية وضع القاعدة وتوضيحها والإصرار على تنفيذها، ومن ناحية استيعاب واحتواء الأبناء وتفهم حاجتهم للعب والمرح، وتذكري أننا كنا أطفالًا قبل أن نكون آباء، وأن الجميع يخطئ ومن ثَمّ يتعلم.
من المهم أيضًا ألا تضعي معايير عالية لنظافة ونظام البيت، بل خفضي من طموحك في هذا الجانب قليلًا حتى يعبر أبناؤك هذه المرحلة السّنية على خير، بحيث تتقبلي بعض الفوضى وبعضًا من قلة الترتيب، لئلا يؤثر هذا على علاقتك بأبنائك وحُسن تربيتهم ومرورهم بطفولة سعيدة.
وأحد أهم المبادئ التربوية المهمة المتبعة في هذا الوضع (التحكم بالبيئة بدلًا من التحكم بالطفل)، بحيث يُهيأ البيت للعب الأولاد، ويُجنب ما نخاف عليه الكسر، بحيث ينطلق الأطفال ويلعبون بحرية بلا كثير من المحاذير والتنبيهات.
أما إذا كنت تتحدثين عن فساد حقيقي وتخريب في الأثاث والجدران، فعلينا أن نبحث في منشأ هذا السلوك، لأن الأطفال ليس من طبيعتهم التخريب إلا إذا كانت لديهم طاقة غير مستغلة في أنشطة أو رياضة.
وبالتالي تخرج هذه الطاقة في التخريب، والحل هنا هو إيجاد أنشطة حركية يفرغ بها الأطفال طاقتهم، كالاشتراك في رياضات مختلفة، والخروج للتنزه في الطبيعة، واصطحابهم لشراء حاجات المنزل أو اصطحابهم إلى المسجد، فإذا استفدنا من طاقتهم وأخرجناها فيما يفيد؛ قلَّ بالتالي العبث والتخريب.
وقد يكون ما نُسمّيه عبثًا وفسادًا مؤشرًا على مهارة ما داخل طفلك، فالكتابة على الحوائط مثلًا قد تنبئ عن مهارة فنية لا بُد من استغلالها وتنميتها بإيجاد بديل من خلال لصق أوراقٍ على الحائط في مستوى الطفل، وإذا كان طفلك يهوى فك الأجهزة واكتشاف ما بداخلها، فقد يكون هذا مؤشرا على وجود مهارات هندسية ومن ثم إحضار ألعاب فك وتركيب وأدوات آمنة كي تشبع هذه المهارة لديه، ومن ثم فإن (إيجاد البديل) هو مبدأ تربوي آخر في غاية الأهمية لأنه يستوعب حاجات الأبناء ويقدم البدائل بدلًا من المنع والحرمان.
أما حديثك عن الهروب من استقبال الضيوف بسبب الفوضى التي يسببها لعب الأبناء في المنزل، فإن الأصل أن الضيف يستأذن قبل المجيئ، ما يمنحنا وقتًا لحسن استقباله بترتيب البيت وتحضير الضيافة، ولا يتصور أن نعطل استقبال الضيف وما يحل على البيت من بركة بسبب الفوضى، والأحاديث في فضل استقبال الضيف كثيرة، ومنها ما ورد في صحيح مسلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ” فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لاِمْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ”، ومَقصودُ هذا الحديثِ أنَّ الرَّجلَ إذا أراد أنْ يَتوسَّعَ في الفُرشِ، فغايتُه ما يَحتاجُه وأهْلُه وضَيفُه، وما زاد على ذلك ممَّا لا يُحتاجُ إليه فهو مِن بابِ السَّرفِ، وذلك من الشيطان.
فالأصل أن البيت يهيأ على أساس أن للضيف مكان ثابت فيه، وإكرام الضيف سبب لتوفيق الله وتجنب الخزي، فحين نزلت عليه الرسالة عبر أمين الوحي جبريل عليه السلام، قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لخديجة: “قدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي، فَقالَتْ له: كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ”، فاحرصي ألا يفوتك هذا الفضل بسبب بعض الفوضى.
ومن المفيد في هذا الجانب أن يلعب الأبناء على سجادة رقيقة مخصصة للعب، يسهل طيها بمحتوياتها من الألعاب إذا حل ضيف على البيت فجأة ولم يكن هناك متسع من الوقت للترتيب، فترفعين عن نفسك الحرج.
واحرصي بشكل عام على عدم التكلف، لأن رسول الله نهى عن التكلف مع الضيف، كما قال أحد الصحابة لضيفه: “لولا أنا نهينا أن يتكلف أحدنا لصاحبه لتكلفنا لك”. ودائمًا خير الأمور الوسط فلا تكلف ولا استهتار.