أنا زوجة وأم، عمري 43 سنة، لدي ثلاثة أبناء، وأنا ابنة وحيدة لأبي وأمي. لي أخ في المهجر وأخ أصغر مني بـــــــ 10 سنوات. أبي على مشارف السبعين، مريض قلب، ويغسل الكلى، وأمي في نفس عمر أبي.
طوال سنين زواجي لم يتقاعس أبي عن مساعدتنا، وأتمّ زواجي بنسبة 80%، وكان يقف بجانبي وزوجي في كل مشكلاتنا المادية؛ حتى لما فقدنا منزلنا استضافنا أكثر من ثماني سنوات أنا وزوجي وأولادي الثلاثة.
من حوالي سنة، حصل خلاف بين والدي وزوجي، فأهان زوجي والدي في الشارع أمام الناس. وأنا متحملة مع زوجي كل هذه الظروف، وهذا بشهادة والدته، وأحاول أن أرضيه بكل الطرق.
المهم عندما أهانني زوجي في الشارع وشتمني بأبي وأمي؛ وقف له أخي، وقال له: “ما تجيبش سيرة أبويا وأمي”، ومن يومها وزوجي سوّد الدنيا عليّ.
وطلب أخي من زوجي أن نبحث عن سكن منفصل؛ لأن والدي رجل كبير ولا تليق معه هذه التصرفات، وفعلًا بحثنا عن شقة قريبة من بيت والدي.
وحاليا مرت ثمانية أشهر، ونحن كل يوم في شجار وعراك، وعلى أتفه الأسباب يترك البيت ويذهب يبيت عند والدته.
منذ ثلاثة أشهر تعبت والدتي تعبًا شديدًا، ودخلت المستشفى، نزلتُ أزورها لأطمئن عليها، وجاء زوجي معي، وكانت حالتها خطيرة جدًا، فتركناها في العناية المركزة، وطلبتُ من زوجي المبيت عند والدي من شدة خوفي عليه، ولكي أرتب البيت، لأني توقعت أن ماما قد اقترب أجلها.
افتعل زوجي الشجار معي وتركني وذهب إلى والدته، وأقمت أنا عند والدي يومين بالضبط، ولم يأت زوجي لزيارة والدتي في فترة مرضها.
وعندما خرجت والدتي من المستشفى أقامت شهرًا عند أخي، وهو وزوجته كانا في خدمتها، ولما تحسنت صحتها عادت إلى البيت، وبابا كان يستجلب لها من ترتب لها البيت، وأنا وزوجة أخي كنا نعد لها الطعام.
المهم أنها تعبت مرة ثانية، ودخلت المستشفى، لكن للأسف خرجت وهي لابسة بامبرز، واستأذنت من زوجي أن أكون مع ماما، فقال لي: البيت والعيال! فقلت له: طبعا سأخدمهم مع خدمتي لأمي؛ مع العلم أنه يذهب إلى والدته كل يوم ويأتي على المبيت فقط.
مشكلته معي ومع أسرتي، زادت من ساعة لما أخي وقف له، وقال له: “ما تشتمش بالأب والأم”، وطلب منه أن نبحث عن سكن آخر، ونستقل عنهم؛ لأن والدي كبر في السن وتعب.
من يومها وهو لا يتوقف عن التفكير في موقف أخي معه، ودائمًا يصفه بأنه “مش راجل”، لأن هذه مسؤوليته. وأخي يعمل من الساعة السابعة صباحًا حتى السابعة ليلًا، وأنا غير مقصرة في حاجة بيتي، وأولادي أذهب بهم إلى الدروس.
المهم، الحمد لله، تجاوزت بأمي مرحلة الخطر، ورجعت إلى بيتي، وفي نفس اليوم الذي رجعت فيه افتعل مشكلة، وترك البيت وخرج!
فهل من البر الذي أمرنا الله به، أن أرى أمي مريضة وأنا ابنتها، وأتركها تتكشف عورتها على أخي وزوجته، ولا أساعدها في مرضها الشديد!
السائلة الكريمة..
نلتمس في رسالتك صدق برك بأمك وأبيك.. بارك الله فيك، وجزاك خير الجزاء، وشفاهم الله وعافاهم.
كثيرًا ما نرى مع الأسف التنصل من المسؤولية والتراشق بين الإخوة بعضهم البعض والتساؤل على من تجب رعاية الوالدين؟!
وفي حالتك هذه، نجد مسارعة منك ومن أخيك وزوجته الفاضلة، فالحمد لله أن رأت أمك وأبوك في هذا العمر بركم بهما.
كما نلمس في رسالتك حرصك على التوفيق ما بين رعاية بيتك وزوجك وأبنائك، وبين رعاية والديك، وهو المطلوب؛ حتى لا يطغى دورك مع والديك على دورك كزوجة وأم.
لكن بحسب كلامك تكمن المشكلة في أن العلاقة بينك وبين زوجك ليست على ما يرام طوال الوقت، واخترت أن تستمر العلاقة الزوجية، من أجل مصلحة أبنائك. وهذا اختيار تختاره كثير من الزوجات (الإبقاء على شكل العلاقة لمصلحة الأولاد برغم ما بها من سوء)!
لكن ما ننصح به أن نجتهد في إصلاح هذه العلاقة، وترميم ما انكسر منها، فلا معنى لأن نحيا هكذا تقودنا مشكلة تلو أخرى، وتتراكب الصراعات فوق بعضها البعض. نعيش نعد الأيام كي تمر من فرط ثقلها على النفس! فالله لم ما يخلق الحياة الزوجية لهذا أبدًا.
فاستحضري نية الإصلاح، وسوف يوفقك الله تعالى للوسيلة التي تنفع مع زوجك. والزمي دعاء: {رَبَّـنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ اَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقينَ إِمَاماً} (الفرقان: 74)، يتغير الحال للأفضل بحول الله وقوته.
فقط نذكرك بأنك اخترت استمرار الحياة الزوجية، خوفًا على الأولاد، ولهذا فمسؤوليتك لا تقف عند حد الاستمرار فقط، بل يجب أن تطرقي كل أبواب الإصلاح، فلا معنى لحياة بغير سكن ومودة ورحمة، وصلاح الأحوال ليس على الله بعزيز. اجتهدي في هذا المحراب أكثر تفوزي بحياة لها معنى؛ يقل فيها الصراع، ويكثر فيها الود إن شاء الله تعالى.
وفي سبيل الإصلاح نوصي بعدة أمور:
- إن حق الزوج مقدم على حق الأهل؛ حقه طبعًا لا ينفي حقهم عليك، ولكن نذكر بأن حقه هو مقدم.
- أسلوب التعامل مهم جدًا، وينعكس أثره مباشرة على الزوج؛ فلا يعلو الصوت مهما حصل، والكلمة الطيبة صدقة: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}. اجعليها منهاجك، فلا يمكن أن تقولي حُسنًا وتسمعي سوءًا أبدًا، ما دام الشخص سويًا طبعًا (ونقصد بسوي أنه يراعي ربه ويخلو من الأمراض النفسية) فثمة بعض الأمراض التي تتضخم فيها الأنا عند الشخص، أي ذاته، ويفسر الكلام بشكل خاطئ.
- الاحترام المتبادل مهم وأساسي.
- التركيز على مشكلات الحاضر، وليس من الحكمة اجترار الماضي في كل مشكلة.
- ما زال التغافل من شيم الكرام؛ فنقف على المهم في المشكلات، ونتغافل عن الأقل أهمية.
وعندما تكون العلاقة طيبة تأتي أمور مثل طلب رعاية الوالدين في أجواء فيها مسارعة في الإكرام ومسارعة في الخيرات، وفيها تقدير لأهل الزوجة أو الزوج.
ولكن مع الأسف يحسبها البعض بشكل دنيوي بحت.. حقي وحقك.. والواجب والمفروض، في حين يتأخر النبل والكرم أحيانًا، ثأرا للنفس والفوز بمواقف دنيوية فانية.
الأولى أن يهب الجميع أيا كانت علاقته بالضعيف المريض لنجدته، ناهيك عن أنهم أهل، لهم أياد بيضاء، وعاملوكم بكرم؛ فلا تجزعي لمعارضته، حاولي تغيير الأسلوب، وسددي وقاربي بين مراعاة بيتك، و مراعاة أمك المريضة.
ولما قال الله عز وجل: {وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، لم يخص الابن على الابنة بالبر، بل الواجب يقع على الابن والابنة. نحن مأمورون في هذه الآية بمقام الإحسان، مقام أعلى بكثير من تلبية حاجاتهم حال ضعفهم. يقولون: “من البر ألا يطلب منك أبوك أمرًا، فتسارع في تنفيذه، لكن البر أن تجعلهم لا يطلبون”، نلمح في أعينهم الحاجة قبل أن يسألونا إياها فنلبي لهم رغبتهم!
السائلة الكريمة:
من يجب أن يستمع إلى هذا الكلام هو الزوج، فلا نزيد عليك في مسألة البر. وذكريه بحديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدُهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة”.
ذكريه بأن أبويه وأبويك بوابتكما لدخول الجنة.ولم يخص الحبيب المصطفى الأبناء الذكور بهذه المثوبة، فالكل يجب أن يكون في حالة تسابق للفوز بهذا الخير.
وجزى الله زوجة أخيك أن فعلت خيرًا؛ فهذا من باب الفضل، وليس من باب الواجب، وما فعلته وتفعله فهو من شيم الكرام.
الجهد كله عليك، فأنت من تسددين وتقاربين بين رعاية أبويك ورعاية بيتك. المطلوب فقط أن يتركك زوجك لأداء ما عليك نحوهم برضا تام؛ حتى لا تقعي في إثم عصيانه، فالزوج له الحق الأول عند الزوجة، والكريم من يفسح المجال لتيسير البر على زوجته، والأكرم أن يعاونها في ذلك!
هذه وصية الله لنا رجالًا ونساءً: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14].
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15]
يذكرنا المولى عزوجل بأن إليه المصير، فماذا يقول من أخّر زوجته عن رعاية من حملونا صغارًا.
لا أحسب أن عاقلًا يفوت هذا الأجر!
إلا أنه في بعض الأحيان لا نملك حسن البيان؛ أي لا نختار الطريقة المناسبة.
كما نضغط بالماضي المليء بالأحداث المؤسفة؛ فتهدئة الأمور بينك وبين زوجك قد تعيده إلى صوابه، وما عددت من إكرام أهلك له في ضائقته، يجب ألا يعيّر به مهما حصل، فطالما تتمسكين بإكمال الحياة الزوجية فليكن شعارك (إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ).
ويقينا ما ترك أحدٌ شيئا لله إلا عوضه الله خيرًا مما ترك. فاتركي ما فعل أبوك من خير في حق زوجك وراء ظهرك، حتى تستطعي التعامل مع زوجك غير متفضلة عليه بما فعله أهلك معه من مساعدة، فتكسريه بمد يد العون له، فيزيد في عناده.
اتركي ما فعل والدك من خير لله؛ يخلفك الله خيرًا. ولا تستخدمي لهجة وجوب وقوفه معهم في مرضهم نظرًا لإكرامهم له كثيرًا. ترفعي عن ذلك. والأصل أن نرحم ضعف أهلينا في كبرهم، بغض النظر عن كمّ مساعدتهم لنا؛ فيكفيهم فضلًا ما قاله الله فيهم، خصوصًا الأم: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}.
هدى الله لك زوجك، وجعله معينًا لك على بر أمك وأبيك وسائر أهلك، ورزقك حسن التبيان والتوفيق فيما كلفك الله به.. وسبحانه وتعالى إذا كلف أعان. وبالله التوفيق.