السؤال
تزوجت في سنة 1995 برجل يكبرني بـ14 سنة والأهل هم السبب في تزويجي وكنت أبلغ من العمر آنذاك 20 سنة، لم أكن أعلم شيئًا عن الزواج ولا عن المسؤولية التي ستُلقى على عاتقي، المهم تم الزواج وبدأت حياة الجحيم معه ومع عائلته، كنت أنا شابة أحب الحياة والمرح وكان زوجي عكسي تمامًا لا يمازحني لا يتحدث معي لا يعيرني أي اهتمام.
المعاملة الطيبة منعدمة الكلمة الطيبة لا توجد في قاموسه، اصطدمت بعادات غريبة عني كنت أجهلها تمامًا، همه الوحيد ألا تغضب أمه منه وحتى أخته ذات القدرات الخاصة (صماء وبكماء) كانت أصعب شخص في البيت، والكل كان بجانبها سواءً كانت ظالمة أو لا، مرت السنين وكبر الهم وزادت المشاكل ولا مرة دافع عني زوجي أو طيَّب خاطري، كان يعمل في مكان بعيد في الحقول البترولية في الصحراء الجزائرية، كان يغيب عني شهرًا ويبقى معي شهرًا، كان دائم الشتم والسب، لم يحب أهلي أبدًا، أنجبت منه أربعة أطفال؛ ولد وثلاث بنات، ربيتهم لوحدي، بِعت ذهبي كله لأشتري لهم حاجياتهم، رغم أنه كان ميسور الحال، المهم مرت السنوات وأنا على هذا الحال وكبر أبنائي وتخرجوا من الجامعات والحمد لله، والحال كما هو، أصبحت مزاجية ومتقلبة، بدأت أكرهه لتصرفاته وبدأت في النفور منه عاطفيًا إلى أن أصبت بسرطان الثدي واستأصلته في سنة 2017، هنا تغيرت حياتي جذريًا أصبحت كثيرة الخوف والقلق أصبح هو لا يشعر بي لا يتألم لألمي، حتى الكيماوي لم يهتم له أبدًا، عالجت نفسي ورجعت إلى الله ودرست القرآن وختمته والحمد لله وأنا في الختمة الثانية والحمد لله، لكن مشكلتي زادت حيث إن زوجي أصبح يخاصمني لأتفه الأسباب، وهذا في كل شهر خصام إلى أن وصلنا إلى باب مسدود، والآن كل واحد منا في بيت، ومر على هذا 3 أشهر، ورغم أني ابتعدت عنه واكتفيت بالبقاء بعيدة عن نظره إلا أنه يستفزني بأفعال صبيانية حتى أترك البيت.
طلبي.. هل من حل لمشكلتي أو حتى نصائح؟ مع العلم أني لا أستطيع أن أبادر بالتكلم معه؛ لأني كرهته ولا أحتمل رؤيته.. الرجاء أفيدوني في أمري هذا، وهل أنا آثمة؟
شكرًا على الإصغاء وعذرًا على الإطالة.
الإجابة
أهلا بكِ ضيفة عزيزة على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية، ونسأل الله العظيم أن يشفيكِ ويعافيكِ ويعوضكِ عما ألمّ بك خيرًا، الحمد لله الذي رزقَكِ طريقَ القرآن، ففيه أُنس وشفاء، وقرب من الله ومعية، فاسألي المولى عز وجل أن يديم عليك إقبالك على حفظ كتابه وتعلمه والعمل به.
السائلة الكريمة:
لعلك قد أرجعتِ سببًا من أسباب فشل زواجك لحداثة سنك آنذاك مع فارق السن بينك وبين زوجك، الأمر الذي نراه متكرر كثيرًا في الحياة من حولنا، ومع ذلك لم توصم تلك الزيجات بالفشل، بل امتد فارق السن في بعض الحالات لأبعد من الفرق الذي بينك وبين زوجك وساد الزواج حب وتفاهم، إذ لا يشترط لنجاح الزواج من عدمه وجود فرق في السن معين، الأهم من فارق السن، وجود التفاهم والتقدير والاحترام.
شعوركِ بهذا الفارق الكبير وأن زواجك هذا اختيار أهلك وليس اختيارك، جعل هناك مسافة نفسية بينك وبين زوجك، بل ربما إذا سمعنا من الطرف الآخر (الزوج) نجده قد عانى أيضًا بسبب ذلك.
ليس الهدف من ذكر الماضي البكاء على اللبن المسكوب، الهدف أن نضع أيدينا على أسباب الشحناء، وجفاء الزوج الذي لم يتأثر ويغير من مواقفه تجاهك حتى بعد المرض، هداه الله وغفر له.
قد يعينك على تخطي هذه المشاعر المؤلمة النظرُ إلى نصف الكوب الملآن، كفرحك بنتاج هذا الزواج من أبناء، فاحمدي الله على أن أقر عينك بأبنائك، ضعي فيهم أحلامك وآمالك، وأشبعيهم حنانًا، وعلميهم كيف تدار البيوت إن لم يكن بالحب فبالاصطبار والصبر:
السائلة الكريمة:
لا نعرف ماهية الأفعال الصبيانية التي تتحدثين عنها، ولماذا ترجمتِ أفعال زوجك بأنها أفعالٌ صبيانية وقد تخطى الستين من عمره!
لماذا لا تكون تلك الأفعال لعدم تحمله البعد عنك، يناوش مناوشة صغارنا حينما يريدون لفت الانتباه، ربما يكون ذلك، وربما أيضًا يكون تبرم وضيق حقيقي من ابتعادك عنه.
يتطلب الأمر حوارًا في كل الأحوال، فطريقة الصمت العقابي التي اتبعتِها وهي البعد من غير إبداء أسباب أو التحدث فيما يؤلمك، لا تجعل الآخر يهدأ ويستسلم هكذا بسهولة، وما قد تترجمينه من تصرفات صبيانية، قد يفعلها الزوج بدعوى الترضية، لكن مفردات التعبير لدى كل واحد منكم مختلفة، ولن تفهمي مكنون تصرفاته إلا بالحوار معه.
الحل يكمن في الحوار، وليس الهدف منه الرجوع لوضعكما السابق، بقدر ما يكون الهدف منه وضع تصور لحياتكم القادمة، والتحدث عن الأسباب التي أوصلتك لهذا الحد، وتذييل الحوار بطلباتك في المرحلة القادمة من حياتكم.
إن لم يكن لك قدرة على الحوار، فالكتابة قد تكون حلًا بديلًا، شرط ألا تكون كتابة انفعالية، ويكون الهدف منها واضحًا، بتوضيح أسباب وصولك لهذا المستوى من عدم قدرتك على التواصل، واقتراحاتك لشكل حياتكم القادمة.
الكتابة لها فعل السحر، ولكن ماذا تكتبين؟! اكتبي صفات الزوج الإيجابية وصفاته السلبية، في البداية لن يسعفك مداد قلمك، لكن حينما تتخلل لحظات الصدق كلماتك حتمًا ستجدين مواقف وخصال طيبة، اكتبي أيضًا خصالك الطيبة، وعيوبك، اكتبي أسباب غضبك، لا تتجملي في الكتابة، الكتابة هنا هدفها التفريغ والاستبصار، اكتبي الأشياء التي إن فعلها الزوج تعودين أدراج حياتكما، اجعلي هدفك في هذه المرحلة، طلب الاستبصار، والبحث عن فرصة أخيرة لتلك العلاقة.
لا تحكمي على نهايات العلاقة بما مضى من عمر، لعل في حكايتك شيئًا مختلفًا، لعل أوان قطف ثمار الصبر الآن، وكم تغير كثير من الرجال في أواخر حياتهم، فعمرك وعمر زوجك يسمح بأن تحييا معا أيامًا جميلة ملؤها السكينة والمودة والرحمة، خصوصًا بعد أن خفت ضغوط الحياة بكبر الأبناء وتخرجهم من الجامعات، فيتغير كثير من الرجال ويدركون أنهم قصروا في حق أنفسهم وفي حق من يعولون، وعلى ألسنة رجال تخطوا الستين من عمرهم يتحدثون عن الأشياء التي ندموا عليها:
- ندموا على استهلاك أوقاتهم في سفاسف الأمور، وكانت النساء أشد ندمًا على استهلاك مشاعرهم في سفاسف الأمور أيضًا؛ فالتغافل من شيم الكرام.
- كما ندموا على أوقات فضلوا فيها الوحدة والانعزال على أن يأنسوا بشريك حياتهم.
- وندموا على إهلاك أنفسهم جسديًا حتى أصبح رصيد الصحة صفر، لذا الاهتمام بالرياضة يعد مخرجًا مهمًا للتنفيس عن الغضب والمشاعر السلبية، فمارسي أي قدر من الرياضة إن استطعت.
- أيضًا ندم الرجال على إدمان العمل وعدم التفرغ للأسرة كثيرًا.
- كما ندموا على القلق الزائد على المستقبل حتى نسوا أن يتذوقوا الحاضر.
- وندم الكثير على (الكِبر على التعلم)؛ يقول أحد الآباء نصحني ابني منذ عشر سنوات بتلك النصيحة ولم أستجب، الآن أعترف أنه كان صاحب حق، فراجعي آراء من حولك في شكل علاقتك بزوجك لعلك تصلين إلى أسباب ما آلت إليه الأمور بينكما.
- كما ندم الرجال على عدم التعبير عن المشاعر، وتتحمل الزوجة تبعات ذلك، ثم ينهار البيت، فيشرب الجميع من نفس الكأس.
- تأجيل السعادة، فنعطي أولوية لطلبات الأبناء، مدعين أنهم حينما يكبرون، سنذهب ونجيء نعوض الأيام الخوالي.
يستفيق الزوجان على مجموعة من التصرفات النادمين عليها، ويكون ذلك بعد فوات الأوان، قد يكون زوجك في هذه المرحلة، مرحلة الندم، يريد يدًا رحيمة تمتد إليه، تقول إنه ما زال في الوقت متسع، وما زال لك في القلب مكان، وعفا الله عما سلف.
الأمر يحتاج إلى طاقة، نعم. هذا من جمال ديننا، تجديد نيتنا في الأفعال، تجعلنا لا ننظر لرضا الخلق، بل ننظر لرضا الخالق، فإن وجدت في نفسك بعض القدرة بعد ثلاثة شهور الهدنة هذه، فلا تضيعي الوقت وتطيلي على زوجك الانتظار يجزيك الله الجزاء الأوفى.
يقول الدكتور مصطفى محمود- رحمه الله: “إن العلاقات لا تستمر بناءً على الحب بل إن الحب قد ينطفئ ويتحول إلى مشاعر كره ثم تستمر العلاقة بالخير داخل أطراف العلاقة، ابحثي عن هذا الخير فيكِ وفي زوجك”.
السائلة الكريمة:
نذكرك بأخلاق أهل القرآن فإن وجدتِ في نفسكِ عدم القدرة على مواصلة المسير فـ(فراق بمعروف)، فلا يجدي نفعًا التجريح بالقول، احتسبي ما فات من عمرك، واسألي الله أن تحيي ما بقي في سلام.
ألقي بهمومك وآلامك على أعتاب مصلاك، فكم لانت قلوب غشتها القسوة كثيرًا، وكم تبدل حال أزواج بعد انقطاع الرجاء والأمل.
فإن وقع في نفسك بعد تلك المحاولات عدم القدرة على الرجوع، وتأكدتِ أنكِ أو أنكما لن تقيما حدود الله فلكِ أن تطلبي الطلاق أو المخالعة لقول الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة: 229).
وما دمتِ في عصمة الزوج؛ فلكِ عنده حقوق، وله عندك واجبات، فإما معاشرة بمعروف، أو تسريح بإحسان، بينما الانفصال بهذا الشكل يكون مرتعًا لمزيد من المشكلات، مع شبهة عدم أداء ما عليك من واجبات فلا تجعلي قوس العلاقة هكذا مفتوحًا، وإن استصعبتِ القرار، فبعد اللجوء إلى الله بالاستخارة، قد يعينك الحديث مع متخصص، يضع يده معك على أسباب المشكلة وحلولها.
أراح الله بالكِ وأصلح حالكِ وجعلكِ ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، وما ذلك على الله ببعيد.