ابنتي في الصف الثاني من الروضة وأعاني معها في كتابة الواجبات المنزلية فهي بطيئة جدًا، تكتب حرفًا ثم تنشغل بالالتفات حول نفسها أو اللعب بالقلم أو فعل أي شيء إلا الواجب، رغم أنها تعرف جيدًا كيف تكتب وإمكانياتها جيدة جدًا، ولا أدري ماذا نفعل كي نشجعها على كتابة الواجب؟!
لو سمع بسؤالك التربويون لحاسبوا إدارة المدرسة على استعمال الطفل للقلم في أداء الواجبات المدرسية قبل سن ست سنوات!
تربويا، لا يُجبر الطفل قبل هذه السن على الإمساك بالقلم إلا بنوع معين من أقلام التلوين التي لا تحتاج ضغطًا على أنامله كي يلون.
ولكن في مجتمعاتنا العربية وفي بعض أنواع المدارس ما زالوا يختارون الطرق التقليدية القديمة في أداء الواجبات المدرسية!
الطرق الحديثة تعتني أكثر بالجانب المهاري التفاعلي، فتكون الواجبات مثلًا على شكل :-
- حفظ نشيد.
- التدريب على مقطع تمثيلي لمشاركته مع الأصدقاء في المدرسة.
- عمل نشاط فني بورق القص واللصق.
- استخدام الصلصال والخامات البيئية المختلفة في تشكيل الحروف وليس كتابتها.
فطفل الروضة ينبغي أن يكون حرًا، ويكفيه الوقت الذي قضاه في عملية التعلم في المدرسة، فلا نفتح له فصلا آخر في البيت!
يجب أن يكون وقته في البيت مقسمًا بين اللعب والتمارين وحفظ القرآن والتفاعل الإيجابي مع الأهل.
تختار بعض الروضات فكرة بديلة عن الواجب اليومي لتجعله مرة واحدة في الأسبوع، في عطلة نهاية الأسبوع، ولهذا الاختيار مزايا عدة، منها:-
- اشتياق الأم والطفل لمتابعة الواجبات فهي مرة في الأسبوع وليست كل يوم.
- يكون لدى الطفل والأم وقتا متسعا، فإذا لم ينجز واجباته يوم الخميس؛ أنجزه يومي الجمعة والسبت، أو حسب شكل العطلات في بلد كل واحد.
- ولأنه مرة واحدة في الأسبوع تجدين الطفل حينها مقبلا متفننا وكذا الأم، فيكون وقت أداء الواجبات حينها وقتًا مميزًا في نمو العلاقة بين الأم والطفل وليس تدهورها، نحتاج أن نتناقل مثل هذه الخبرات ونقلها للمدرسة بحثًا عن تحسين أوضاع التعليم لأبنائنا، وحينما نعلم أن أي عملية تعلُّم لها ثلاثة أركان:-
- الدافعية.
- النضج.
- الممارسة.
(الدافعية) غير موجودة في هذه السن، نحن من نخلقها بداخلهم بتحفيزهم على أداء المهام الدراسية وتحبيبهم في العلم بخلق مناخ مريح أثناء عملية التعلم، فليس المهم أن يحبوا المدرسة، جميل إن أحبوها بالطبع، لكن المقصود أن الأهم أن نحببهم في العلم في حد ذاته، ونعرف أن المدرسة والواجبات الدراسية ما هي إلا وسائل، وكثير من الدول تعتمد التعليم المنزلي الذي لا يحتوي على واجبات مدرسية بهذا الشكل بل تعتمد على التعلم التفاعلي الحر.
(النضج) يختلف نضج كل طفل عن الآخر فيما يعرف بالفروق الفردية، فحتى وإن أقررنا بعمل الواجبات المنزلية يوميًا على صيغتها القديمة المعروفة، فيجب أن تنتبه المدرسة إلى ضرورة تقسيم الأطفال حسب قدراتهم، ويكون الواجب حسب حاجة الطفل وتقدم مستواه الدراسية، وهنا لا نتكلم عن الكم فقط، بل الكيف فقد يكتب طفلُ الحرف بنفسه وقد يحتاج طفل آخر لأن يمشي على الخطوط فترة حتى يتمكن ويتمرس أكثر.
(الممارسة) الواجبات أحد المعينات على الممارسة التطبيقية لما تعلم، فلا نقلل من أهمية الواجبات، بل نبحث في أدائها بسهولة ويسر، وتغيير شكلها النمطي إلى أشكال تتناسب مع اختلاف الزمان واختلاف الأجيال.
وقبل أن نتكلم عن أفكار لتيسير أداء الواجبات المدرسية نوضح عدة أمور :-
- كلما جعلنا (بيئة التعلم مفعمة بالحب) أقبل عليها الأبناء من تلقاء أنفسهم، فبدلًا من أن نذكر الطفل بأن عليك واجبات؛ ندعوه لأداء وقت مميز مع الأم، فيحدث ارتباط شرطي سعيد يجعله مقبلا على وقت أداء الواجبات، فلو أطلقنا مسمى (الدراسة وناسة) على سبيل المثال انتقل هذا المعنى إلى الطفل وتعامل من خلاله، الأمر مختلف تمامًا عن إذا نادينا على الواجبات ونحن نقول (تعال نخلص الهم اللي ورانا)!
- هناك قاعدة تقول (توظيف ما يحب لفعل ما لا يحب)، فنوظف الألعاب المحببة للطفل لتشجعيه على عمل الواجب، فكلما أنجز شيئًا مما عليه، حفزناه باللعب نصف ساعة ثم يكمل ما عليه.
- يقول التربويون إن مدة تركيز الطفل هو عمره مضافا عليه الرقم اثنين، فطفل الثانية من الروضة في أغلب الظن يكون عمره خمس سنوات نضيف عليه اثنين، يصبح الناتج سبعة، أي مدة تركيزه سبع دقائق ويفصل بعدها، ثم يحتاج لشحن همته بأن نسمح له برفع القلم والتحرك لخمس دقائق في المكان ثم يعاود الكتابة، إدراكنا لهذه المعلومة يجعلنا نتعامل مع حركته وتشتت انتباهه بشكل مختلف.
- ولنعلم بأن دورنا مع أطفالنا كمربين أهم بكثير من دورنا معهم كمعلمين، فكثرة الأوامر والعصبية أثناء المذاكرة حتما ستفسد علاقتك بابنتك كمربية، فمراعاة التوازن أمر مهم ومطلوب.
- نرفع شعار لا للتنافس مع الآخرين، فجروبات الأمهات على التليفون كما أنها تساهم في تيسير بعض المهام إلا أنها قد تمثل عبئا على البعض حينما تتحدث الأمهات عن إنجازات أبنائهم بأنهم أنهوا ما عليهم من واجبات وناموا مبكرا، بينما ما زلت في مرحلة معاناتك مع ابنتك في إقناعها أن تجلس فقط، فلا نوصي أبدًا الأهل بتعرضهم لمثل هذه الضغوط التي غالبا ما ستنعكس بكلمات سلبية على أبنائنا، فلنحذر من الوقوع في فخ التنافسية مع الآخرين.
- يجب أن يتعلم الطفل أن واجباته مسئولياته، فلا نكتب بديلا عنهم أبدا مهما حصل، ليذهب إلى المدرسة بما فعل بالفعل ونذكره فقط بعواقب الأمور، وفي نفس الوقت نراسل المدرسة إذا كانت الكمية فوق طاقته بالفعل، وتختار المعلمة إدارة ما نقص بحكمة وروية؛ فاختيار إكمال الواجب للطفل يساعد على تنشئة طفل غير مسئول غير واثق من قدراته!
وأخيرًا نشارك معك بعض الخطوات العملية لتيسير أداء الواجب بعدما وضحنا بعض القواعد والقوانين:-
- تثبيت مكان أداء الواجب والتأكد من أنه مريح وارتفاع المنضدة بطول مناسب بالنسبة لطوله.
- التأكد من أن إنارة المكان وتهويته مريحة ومناسبة.
- أن يكون المكان بعيدًا عن المشتتات كالتلفاز وباب المنزل، فكلما قللنا المشتتات من حول الطفل قللنا الوقت المهدر.
- قد تكون الأم نفسها أحد المشتتات بإجراء المحادثات بجوار الطفل، فلتجعليه روتين لك أيضا تقرئين فيه شيئًا بجواره، أو تشاركيه خطواته وكلك منتبهة معه، فحضورنا مع أبنائنا بنصف تركيز يجعل وقت الواجب يتضاعف، فجددي نيتك باستخلاص الوقت هذا لطفلك حتى ينشأ الطفل نافعا محبا للعلم والتعلم.
- تثبيت وقت أداء الواجب، فيعرف أنه بعد الغداء بساعة مثلًا، أو في تمام الساعة الرابعة، ويمكن ضبط منبه يقوم بغلقه ويجلس على منضدته إيذانا بالبدء.
- تثبيت أدوات عمل الواجب غير التي يصطحبها معه في المدرسة، بحيث تكون ثابتة ومبهجة وبالتالي مشجعة على استخدامها، ولا يفضل اصطحاب أدوات مميزة في المدرسة حتى نحافظ على مشاعر الآخرين.
- نترك الطفل يختار ما بين الواجبات بأيهم يبدأ وبأي قلم يكتب، فطالما أقررنا الروتين الثابت، من المهم أن نترك له حرية الاختيار في بعض الأمور فشعوره بأنه يختار يجعله أكثر إنجازًا.
في الختام نذكر أنفسنا وإياكم بأننا مسترعون على أبنائنا (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، ندعو الله أن يحسن رعايتنا لهم، وأن يتقبل الجهد المبذول ويعيننا عليه.
كما نذكركم بأن الشيء المعمول بحب نتيجته دائما مختلفة، فإذا غيرنا نظرتنا لوقت عمل الواجب من شيء ثقيل على النفس، لوقت ثمين نقضيه مع الطفل حتمًا سنجد نتائج بإذن الله مختلفة، والله المستعان.
بارك الله في سعيكم وحرصكم على أبنائكم وجزاكم خير الجزاء.