وَرَدَتْ قصة ناقة صالح في أكثر من سورة بالقرآن الكريم من بينها الأعراف وهود، وهي تكشف عن عظمة الله وقدرته في عقاب الظالمين الذين دعاهم النَّبي صالح- عليهم السلام- فكذبوه وعقروا الناقة التي أرسلها الله لتكون آية، رغم النعم التي حباهم الله بها من بناء القصور في سهول أراضيهم ونحت البيوت والقلاع من الجبال، وتطاولهم في البنيان.
وقد كان نبي الله صالح- عليه السلام- يُذكّرهم بقوم عادٍ وما آلت إليه أحوالهم جرّاء كفرهم وعنادهم، وكيف أنَّ الله استخلفهم في الأرض بعد هلاكهم، لكنهم كانوا قومًا جاحدين، يعبدون الأصنام، ويظلمون الناس، ويخالفون أوامر الله، ويكذبون نبيه صالح ويتهمونه بالجنون والسحر.
مختصر قصة ناقة صالح
وتبدأ قصة ناقة صالح حينما أرسل الله- عز وجل- نبيه صالحًا- عليه السلام- إلى قبيلة ثمود؛ ليدعو أهلها إلى عبادة الله وحده، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ) [النمل: 45].
وكان ردّ ثمود أن طلبوا من صالح- عليه السلام- أن يأتيهم بآية تدل على صدقه، قال الله تعالى: (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الشعراء: 153، 154]، واقترحوا عليه أن يخرج لهم ناقة عُشَراء، من صخرة صماء عينوها بأنفسهم، فأخذ عليهم صالح- عليه السلام- العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى سؤالهم، وأجابهم إلى طلبتهم ليؤمِنن به وليتبعُنه.
ولما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، دعا صالح- عليه السلام-، الله- عز وجل-، فتحركت تلك الصخرة، ثمّ خرجت منها ناقة عُشَراء كما سألوا، ثم أقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة، تشرب ماء بئرها يوما، وتدعه لهم يوما، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها، فيملؤون ما شاؤوا من أوعيتهم وأوانيهم، قال جل جلاله: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) [القمر: 28]، وقال الله تعالى: (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الشعراء: 155].
ورغم ما رأوا، اشتد تكذيبهم لنبي الله صالح- عليه السلام- وعزموا على قتلها، ليستأثروا بالماء كل يوم، فقتلوها، قال- سبحانه وتعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا) [الشمس: 11-14].
يقول السعدي: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوّها على رسل الله، (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) أي: أشقى القبيلة، وهو قدار بن سالف، لعقرها حين اتفقوا على ذلك، وأمروه فأتمر لهم. (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ)، أي صالح- عليه السلام- محذرًا: (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمة الله عليكم بسقي لبنها أن تعقروها، فكذبوا نبيهم صالحًا.
(فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ) أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبًا. (فَسَوَّاهَا) عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة. (وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) أي: تبعتها، وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه.
فوائد ودروس تربوية من قصة ناقة صالح
وفي قصة ناقة صالح العديد من الدروس التربوية التي تغرس في المسلم حب الله وعبادته وحده دون سواه، ومن أبرز هذه الدروس:
- ترسيخ الإيمان بالله: حيث تسلط القصة على أهمية الإيمان بالله والثقة به في جميع الظروف والأوقات.
- الحكمة في التواصل مع الآخرين: تبرز القصة أهمية اختيار الطريقة الصحيحة للتواصل مع الآخرين من مختلف المدركات الثقافية والاجتماعية.
- التحلي بالصبر والثبات في مواجهة الأزمات: حيث صبر صالح على كفر قومه وظلمهم، وعدم تصديهم لدعوته، وتعلمنا القصة مواجهة الصعاب والأذى وهو ما رأته الناقة من قومها لكنها تحملت وصبرت واستمرت في البقاء والصمود حتى أتى أمر الله.
- الحذر من الاستكبار والاعتداء على الآخرين: حيث أصر قوم ثمود على رفض التوبة والإيمان واستكبروا على اتباع سيدنا صالح- عليه السلام- وهو ما أدى بهم إلى هلاك مبين.
- الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية: توضح لنا القصة أهمية الحفاظ على المياه وعدم هدرها والإسراف فيها.
- التحذير من الاستهانة بآيات ومعجزات الله: حيث طلب قوم ثمود شيء يعجز البشر ولكن الله- سبحانه وتعالى- قادر على كل شيء، فأخرج لهم الناقة من بطن الجبل كما طلبوا ولكنهم استهانوا واستكبروا فأنزل الله عليهم الهلاك.
- عظمة الله وقدرته: وهي تظهر في خلق الناقة من الصخرة، وفي قدرته على إنزال العذاب على قوم ثمود.
- أهمية الدعوة إلى الله تعالى: فالقصة تبين أهمية الدعوة إلى الله تعالى، وضرورة الصبر على الابتلاء في سبيل الدعوة.
- عقوبة الكفر والظلم: وتبين القصة أن الله تعالى لا يقبل الكفر والظلم، وأنه يعاقب الظالمين في الدنيا والآخرة.
- أهمية الاستجابة لله تعالى: استجابة صالح لأمر الله تعالى بإحضار الناقة لقوم ثمود، هو درس مهم، حيث لم يتردد في تنفيذ أمر خالقه، حتى لو كان ذلك على الرغم من كفر قومه وظلمهم.
- ضرورة الابتعاد عن الشرك: حتى لا نلقى مصير قوم ثمود الذين عبدوا الأصنام، وتركوا عبادة الله وحده.
- أهمية التوحيد: حيث دعا صالح قومه إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام، وهو أمر يجب أن نسعى إليه جميعًا.
- ضرورة احترام رسل الله تعالى: وعدم اتباع أخلاق قوم ثمود الذين كذبوا نبيهم صالح، بل اتهموه بالجنون والسحر.
- أهمية الثبات على المبدأ: وهو ما تجلى في نبي الله صالح- عليه السلام- حيث صبر على الابتلاءات والمشاقّ التي واجهها في دعوته لقومه، حيث كانوا يعاملونه بالحُسنى قبل دعوته لهم، وحينما بدأ بوعظهم ودعوتهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام؛ جافوه وكذّوه وأظهروا العداء له، قال تعالى: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [هود:62].
- العقلاء يعتبرون بآثار الظالمين: ويربؤون بأنفسهم عن أن يسلكوا، أو أن يسكنوا مساكن الذي ظلموا أنفسهم؛ خوفا أن يصيبهم ما أصاب أولئك الظالمين.
- الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، واستقر في النفوس، ولَّد فيها الشجاعة، والقوة، والإقدام، والصراحة.
- العقلاء المخلصين يستعملون دائما في دعوتهم الأساليب المنطقية الحكيمة مع غيرهم، وهذا نراه واضحا في جدال صالح- عليه السلام- مع قومه.
- النعم التي يُنعم الله بها على عباده، إذا لم يُحْسِن العباد تسخيرها في طاعة الله، فإنها تنقلب عليهم نقما.
- ضرورة الرحمة بالحيوانات: وهو عكس ما فعله قوم ثمود الذين عقروا الناقة التي كانت معجزة من الله تعالى.
- الامتثال لأوامر الله تعالى: حيث أمر الله تعالى صالحًا قومه أن يتركوا الناقة ولا يؤذوها، لكنهم كذبوه ورفضوا اتباع أمره.
- الابتعاد عن الكبر والغرور: حتى لا نلقى مصير قوم ثمود الذين كذبوا نبي الله صالح- عليه السلام- فسوى الله بهم الأرض.
- عدم إنكار المنكر يعد قبولًا له: فالمسلم مأمورٌ شرعًا بإنكار المُنكر بأيّ طريقةٍ من الطرق حسب استطاعته وقدرته؛ فيُنكر المُنكر بيده إن كان يملك قوَّةً وسلطةً، وإلّا فبلسانه؛ وعظًا ونصحًا حسب ما يقتضيه الموقف، وإلّا فالواجب على المسلم أن يُنكر المُنكر بقلبه وهو أضعف الإيمان، وإذا امتنع الجميع عن إنكار المنكر كان ذلك سببًا في فشوّه وانتشاره.
- الكثرة لا تدل على الحق دائمًا: حيث أشار الشرع في نصوصٍ صريحةٍ إلى كثرة أهل الباطل وقلّة أهل الإيمان، وعلى ذلك؛ فالمسلم مأمورٌ باتّباع الحقّ بغضّ النظر عن عدد متّبعيه، وتجنّب الاستكبار والعناد عن الحقّ بحجَّة اتّباع الأغلبيّة.
إنّ قصة ناقة صالح تحمل العديد من الدروس التربوية التي نحتاج إليها في حياتنا، فعلينا دراستها وتعلمها وتطبيقها لنكون على بصيرة من أمرنا، ونسير في طريق الله تعالى، فنجتاز الدنيا بسلام، وننال السعادة في الآخرة.
مصادر ومراجع:
- ابن كثير: تفسير ابن كثير 3 /440-441.
- السعدي: تيسير الكريم الرحمن، ص 926.
- خالد بن عبد الله الشايع: قصة قوم صالح وما يستفاد منها.
- إسلام ويب: قصة النبي صالح عليه السلام في القرآن.
- موقع الكلم الطيب: قصة ناقة صالح.