المؤلف: د. ماجد عرسان الكيلاني.
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان 1407هـ/1987م.
يبين الكتاب أهمية فلسفة التربية في العملية التربوية كلها، بعد أن شاب هذا المصطلح (فلسفة التربية) الغموض والاضطراب في الدراسات الغربية والعالمية المعاصرة. كما يتطلع إلى فلسفة تربوية جديدة تساعد الإنسان على الخروج من أزمته الراهنة؛ على اعتبار أن التربية الصحيحة هي وسيلة التغيير الموكول بالإنسان. ومن هنا كانت الأهمية الكبيرة لإعادة بناء التربية الإسلامية، وتوضيح مناهجها ومكوناتها؛ تمهيدًا لوضعها موضع التطبيق. واستدعى ذلك إجراء مقارنة بين الفلسفتين الغربية والإسلامية في التربية.
ففلسفة التربية الإسلامية تتضمن نموذج الإنسان الكامل الراقي الذي يُطلب إلى التربية العمل على إخراجه في ضوء علاقاته بالخالق سبحانه، والإنسان، والكون، والحياة الآخرة، التي هي ثمرة تكامل الوحي والعقل والحس في تربية أي إنسان مهما كان انتماؤه العرقي وموطنه الجغرافي.
إنه حين تصاغ الفلسفة والأهداف صياغة “إلهية”، ويقرأ الإنسان باسم ربه الذي خلقه وصممه، وهندسه ورعاه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقِ}؛ فإنَّ دوائر النشاطات البشرية تتعدى الأطر الفردية والعائلية والطبقية والإقليمية والقومية والعرفية، وتنظمها في إطار واحد أو أطر متكاملة متعاونة؛ تقف ضد القوى التي تعادي الإنسان، وتعالج أسباب الضعف التي تنال من مكانة الإنسان واستخلافه في الأرض.
وصف عام للكتاب
يتكون الكتاب من خمسة فصول:
الفصل الأول: أهمية البحث في فلسفة التربية الإسلامية
باعتبارها الأصل الأول الذي تكمن فيه أهداف التربية، ومناهجها، وميادينها، وتطبيقاتها. واقتصر البحث في فلسفة التربية الإسلامية على مصدريها الأساسيين: القرآن الكريم، والسنة الشريفة، مقارنة بما يقابلها في الفلسفات المعاصرة.
والمقصود بـ(فلسفة التربية) كما بينها البحث: “نموذج الإنسان الذي تتطلع التربية الإسلامية إلى إخراجه في ضوء علاقاته بالخالق، والكون، والإنسان، والحياة، وما بعد الحياة. ويتطلع البحث إلى فلسفة تربوية جديدة تساعد الإنسان على الخروج من أزمته الراهنة. أما على مستوى العالم العربي والإسلامي؛ فتحتاج النظم والدراسات التربوية إلى فلسفة تربوية إسلامية محددة.
الفصل الثاني: نموذج العلاقات بين الإنسان والخالق والكون والحياة الآخرة في فلسفة التربية الإسلامية
الهدف الذي تسعى إليه التربية -حسب فلسفة التربية الإسلامية- هو بلوغ المتعلم درجة الرقي الإنساني- أي درجة “أحسن تقويم” حسب التعبير القرآني. ويبلغ الإنسان درجة الرقي حين تتشكل علاقاته بالخالق والكون والإنسان والحياة الآخرة؛ كما يلي:
العلاقة بين الخالق والإنسان هي علاقة عبودية، والعلاقة بين الإنسان والكون هي علاقة تسخير، والعلاقة بين الإنسان والإنسان هي علاقة عدل وإحسان، والعلاقة بين الإنسان والحياة هي علاقة ابتلاء، والعلاقة بين الإنسان والآخرة هي علاقة مسؤولية وجزاء.
الفصل الثالث: نظرية المعرفة في التربية الإسلامية
المعرفة- في التربية الإسلامية- وحدة واحدة. وهي تشتق هذه الصفة من ثلاثة أمور: الأول؛ الغاية الأساسية للمعرفة في التربية الإسلامية هي: معرفة الله عز وجل (فاعلم أنه لا إله إلا الله) [محمد: 19].
والثاني؛ مصدر المعرفة، وهو الخالق سبحانه وتعالى (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللهِ) [الملك: 26]. والثالث؛ وحدة ميدان المعرفة، وهو الخالق سبحانه، أو الوجود القائم. وتنقسم ميادين المعرفة إلى ميدانين رئيسين هما: ميدان الغيب وميدان الشهادة . أما أدوات المعرفة في التربية الإسلامية؛ فهي الوحي والعقل والحس.
أما الحقيقة فتنقسم إلى قسمين: “حقائق إلهية” و”حقائق بشرية”. والحقائق الإلهية حقائق مطلقة؛ لأنها خارج الزمان والمكان، في حين أن الحقائق البشرية حقائق نسبية تتأثر بالزمان والمكان وتتحدد بحدودهما. والتكامل بين العلوم الدينية والعلوم الكونية له أثر كبير في نشوء الحضارات وانهيارها.
الفصل الرابع: ملاحظات وخاتمة
السمة البارزة لفلسفة التربية الإسلامية هي الشمول الواضح، والأصالة الدقيقة، والتحديد المفصل لوظيفة الإنسان وعلاقاته بما حوله. فالاضطراب والتخبط في الفلسفات التربوية ظاهرة عامة تشمل الإنسان الشرقي والغربي حين ينقطع هذا الإنسان عن أصول تربية الخالق الذي صمم الإنسان وركبه “في أحسن تقويم”.
إن منهج المعرفة الموصل إلى الحقائق الصحيحة التي تتحول إلى تطبيقات تربوية مثمرة في حياة الإنسان هو المنهج الذي يتكامل فيه الوحي الصحيح والعقل الصائب والحس السليم.
والذي نتبينه بعد هذا التحليل والخلاصة في هذا البحث- الأهمية الكبيرة لإعادة بناء التربية الإسلامية، وتوضيح مناهجها ومكوناتها تمهيدا لوضعها موضع التطبيق. فالتربية الصحيحة هي وسيلة التغيير الموكول بالإنسان المسلم.
الفصل الخامس: المصادر والمراجع
وفيه حشد للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف في إخراج هذا الكتاب.
من ثمرات الكتاب وفوائده:
يفيدنا كتاب (فلسفة التربية الإسلامية.. دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربوية المعاصرة) في عدة جوانب:
- التربية أساس كل شيء، وعليها المعول في نهضة المجتمعات، إذا تمت العناية بها، وإعطائها الاهتمام المطلوب. كما أن المجتمعات تنحط وتتسفل عندما تبتعد عن التربية.
- سيطرت المناهج الغربية في التربية على المعنيين بالتربية في العالم الإسلامي والعربي؛ وأصبح التقليد هو السائد لديهم في فهم الإسلام والحركة به.
- السلبية والاستسلام الذي يواجه بها كثير من المسلمين ما وصل إليه الغرب دليل على ضيق الأفق لدينا.
- يجب أن نسعى لإصلاح ما يمكن إصلاحه، ليس على المستوى الفردي فحسب، لكن على المستوى الاجتماعي كذلك، وأن يكون لنا دور في هذا العالم باعتبار دورنا الرسالي، الذي يدفعنا إلى نشر نور الإسلام في العالمين.
- الدكتور ماجد الكيلاني- رحمه الله- يستخدم آيات القرآن استخدامًا مغايرًا، يدهش القارئ من حيث توظيفه للآيات، عندما يدلل بها على فكرته ويقويها بالاستشهاد. وهو ما يؤكد حقيقة أن القرآن دستور الأمة، لم ينزل إلا لكي يسوس الأمة بمنهجه، وفيه الغنية والكفاية لو أحسنا فهمه وتطبيقه (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ).
- فلسفة التربية في الغرب (مصطلح التربية هنا يعني منهج التعليم المعتمد في المجتمع ككل) تقوم على الاهتمام بالعالم المحسوس، وفصل الدين عن الحياة؛ زاعمة أنها ستقيم جنّة الإنسان على الأرض، ونسيت الجانب الروحي المتعلق بالخالق، ونشأة الإنسان، ومصيره، والهدف من حياته، وهي أمور جنى المجتمع الغربي ثمارها؛ ولهذا لم تستقر له الحياة وينعم بها كما كان يتصور.
- التربية التي تبناها الغرب، وأساسها الاهتمام بالعالم المادي والانفصال عن الجانب الروحي والديني، أدت إلى انحطاط الإنسان، واتباعه للشهوات، فاشتعلت الحروب التي أهلكت الكثيرين. وهذه التربية أدت إلى بروز إنسان شاذ يصادم الفطرة، وإلى ثقافة استهلاك مجنونة، وتنافس على التصنيع، حتى فسدت البيئة بسبب التلوث؛ وغيرها من السلبيات.
- أزمة فلسفة التربية في الغرب أزمة أهداف، وهو البعد عن “المثل الأعلى” أو الإنسان الصالح المصلح.
- أما أزمة التربية لدى المسلم- على الرغم من معرفته للمثل الأعلى الذي- فإنه لا يعرف كيف يخدم هذا المثل الأعلى في حياته؛ فمنهج التربية الذي يتبعه لا يخبره عن ذلك، ولا يخبره كيف يخدم هذا الهدف (المسلم الصالح المصلح) كما أراده الخالق سبحانه وتعالى. ولهذا يشعر المسلم بالاغتراب الفكري بسبب اختلاط منهجه بالمنهج الغربي.
- إن منهج المعرفة الموصل إلى الحقائق الصحيحة التي تتحول إلى تطبيقات تربوية مثمرة في حياة الإنسان، هو المنهج الذي يتكامل فيه الوحي الصحيح والعقل الصائب والحس السليم.
- السمة البارزة لفلسفة التربية الإسلامية إذا ما قورنت بغيرها من النظم- الشمول الواضح، والأصالة الدقيقة، والتحديد المفصل لوظيفة الإنسان وعلاقاته بما حوله.
- أخيرًا، لقد أفاد المؤلف في توعية القائمين على التربية بهذه القضايا الأساسية التي أشرنا إليها، فتوصيف المشكلة هو بداية السعي إلى حلها، وأعتقد أن الدكتور ماجد الكيلاني- بما يمتاز به من مؤهلات فكرية وتربوية- قد أفاض وأفاد في هذا الجانب، وعلى الباحثين المختصين أن يكملوا هذه المسيرة، والإلحاح على هذه الأفكار حتى تستحيل واقعا في حياتنا، وسببا في نهضة أمتنا.