أنا فتاة جامعية أعيش في أسرة تتكون من خمسة أفراد، ومشكلتي تتمثل في والديّ الحبيبين اللذين لا يكفان عن الشجار والعراك والصوت العالي طوال اليوم لأمور تافهة لا تنتهي إلا بتدخل أحد الأبناء أو بخروج الوالد، ويتكرر الأمر صباح مساء.. فماذا أفعل؟
الإجابة:
كنتُ أتمنى أن أتلقّى هذه الرسالة من أحد أطراف المشكلة الأساسيين لأنّهما مَن يجب أن يُوجه إليهما الحديث، ودون شعور كليهما أن هناك مشكلة لا يُمكن حل الأمر، ولعل هذا يجعلنا نطرح السؤال: هل يدرك الأبوان حقًّا أن هناك مشكلة؟ هل سبق وأخبر الأبناء آباءهم بما يعانونه بسببهم؟
كثيرًا ما نعايش لحظات مصارحة تتم بين الأبناء وآبائهم لكن بعد فوات الأوان، تُقال في دردشات عائلية على سبيل التندر، لكن يُمكن تدارك الأمر وإخبار الوالدين اللذين يسيران في ركاب المناكفات الزوجية دون مراعاة كم يغرس هذا في أبنائهم من تصورات خاطئة عن الزواج، وكم يرسخ فيهم أساليب النقاش الخاطئة، وكم ينشر في البيت أجواء من التوتر وعدم الشعور بالأمان، فبدلا من أن يكون البيت سكنًا كما وصفته الآية الكريمة في سورة الروم: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) يصير مناخه طاردًا لأبعد حد، يتمنى أبناؤه أن يأتي اليوم الذي يستقلون عنه فيه ليؤسسوا بيوتًا أخرى على النسق نفسه دون أن يدروا أو يريدوا ذلك، ناهيك عن البعض منهم الذي قد يرفض من الأساس أن يُؤسس بيتًا مستقلًا من شدة تأثره بطريقة والديه مع بعضهما.
يُمكن أن يُقال هذا للآباء لكن من دون أن نُكرر خطأهم فلا يجب أن يقال هذا بعيدًا عن البر والاحترام، يجب أن يختار الوقت المناسب والكلمات المناسبة التي يُقال فيها هذا، يجب ألا يحوي الكلام أحكامًا عليهم ولا أن يستدعى الماضي وأنهم ما داموا فعلوا وفعلوا، يمكن أن تخبري أبويك بالمشاعر التي تنتابك عندما يبدآن في الشجار، كما يمكن أن تحدثينهما عن ما تتمنيه وما تتوقعينه منهما.
إنّ سيرة رسول الله تُدّرس في كيفية إدارته للخلافات أو مسبباتها في بيته الشريف، فيجب أن يسمعوا كيف كان رد المصطفى عندما أمسكت زوجته بطبق وكسرته في الأرض غيرة أن أرسلته إحدى زوجاته الأخريات، كيف تبسم وكيف قدر مشاعر الغيرة التي دفعتها لذلك وقال (غارت أمكم)، وكيف اختلف مع أم المؤمنين عائشة يومًا فسألها عمّن تُحب أن يحكم بينهما فاختارت أبيها ولما شدد عليها أبوها ذهبت لتحتمي برسول الله، أسمعيهما مثل هذا دون أن تكوني مباشرة. يحتاجان إلى اكتساب مهارة الحوار، ومراجعة حقوق كل منهما على الآخر حتى لو تطلب الأمر الذهاب لاستشاري أسري.
وفي الوقت نفسه عليك بأربعة أمور: أولا أن تعرفي وترسخي داخلك أنّ الاختلاف سُنّة بل وضرورة من ضرورات الحياة فليس ما ترينه بين والديك يجعلك تتمنين أن لو كان الاتفاق من شيم الحياة، أو تتحسسين من أي شيء من شأنه الاختلاف في دوائر حياتك المختلفة، جل ما نحتاجه فقط أن نتعلم كيف نختلف، حينها نستطيع أن نتفق، ليس هذا فحسب فالاختلاف أشد ما يبين بين الزوجين نتيجة تأثر كل ببيئته وعاداته التي تربى عليها وطباعه ثم يصير لزامًا عليهما تأسيس بيت واحد له قواعده ومبادئه الخاصة.
هذا ما يقودني للنقطة الثانية وما دمتِ أنك صرت في المرحلة الجامعية ولم يقدم لك البيت نموذجا جيدا في هذا الجانب فعليك أن تُطوري مهاراتك الشخصية في فهم أنماط الشخصية ومفاتيح الشخصيات وفهم طبيعة الرجل واحتياجاته وكذلك المرأة وكيفية إدارة الخلاف وحقوق الزوج والزوجة وغيرها من الأمور المرتبطة وذلك بالقراءة أو الدراسة والبحث.
ثالثا، أقول لك يجب أن تجدي العذر لوالديكِ، ربما ضغوطات الحياة أكبر من قدرتهما على التعامل، ومن المؤكد أنّ هذه المناكفات هي مجرد عارض لمشكلة ما أكبر بينهما تحتاج مصارحة ومكاشفة ونية إصلاح حقيقية كي يحل الأمر من مسبباته، ولا تجعلي هذا الأمر يُنسيكِ فضلهما وإحسانهما إليك في مناحي حياتك المختلفة.
وأخيرًا إذا صارحت والديكِ وحاولتِ تقديم المساعدة لهما ولم يتغير الأمر حاولي أن تنأي بنفسكِ عن الدخول بينهما كثيرا، كي لا تتأثر علاقتك بهما ولئلا يُوغر الشيطان صدركِ عليهما وداومي على الدعاء لهما، واجعلي آيات سورة البقرة تتردد في البيت كثيرًا فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) وكما تعلمين فمن أهم ما يسعى إليه الشيطان هو التفريق بين المرء وزوجه كما أخبرنا بذلك رسول الله في الحديث الشريف.