أنا فتاة أقترب من العشرين، من أسرة محافظة وملتزمة بفضل الله، وقد طبعت جميع أبنائها بطابع الالتزام والحمد لله.
غير أني وعن طريق صديقة لي تعرفت إلى شاب بدا لي أول الأمر أنّه على خُلُق ودين، وكانت علاقتي به في البداية لا تتعدى الهاتف والرؤية من بعيد، ثم تطوّرت بعد ذلك إلى أن وصلت لمراسلات ومقابلات، ولم تخل من بعض الهفوات التي أسأل الله – عز وجل- أن يغفرها لي، فهي وإن كانت مما لا يصح فعله إلا أنّ الله – عز وجل- عصمني من أشياء لو حدثت لكان ما كان من الضياع والعصيان لك
ن الله سلم.
ثم وجدتني بحمد الله أفيق مما أنا فيه فجأة، وأتعجب مما أقدمت على فعله رغم أنه لا خُلُقي ولا تربيتي كانا يسمحان لي بذلك، ولكن أحمد الله – عز وجل- أن نجاني من هذا الطريق وحفظني من نفسي ومن الشيطان قبل أن أصل إلى نهايته الموحشة والمظلمة.
غير أن ذلك الشاب ما يزال يطاردني بعد أن انصرفت كلية عنه، ويلاحقني بالهاتف تارة وبالتتبع تارة أخرى، ولما لم يجد مني وجهًا بدأ يهددني بما عنده من رسائل ومكالمات…إلخ، وأنا أخاف أن يتصرف فيها تصرفًا يسيئ إليّ وإلى أهلي، أو أن يُخبر أهلي بما حدث فيكون ما لا أستطيع تخيله من ردة الفعل التي سيعاملني أهلي بها، وبخاصة أنهم لا يتوقعون مِنّي مثل ذلك أبدًا.
إنني الآن خائفة جدًّا والتسامح عندي بدأ يهتز ويضعف، فماذا أفعل؟
الإجابة:
الستر دائمًا أوجب، وبخاصة لمَن تاب وأقلع عن ذنبه، ولمَن ليس من عاداته المجاهرة ولا الإفساد، وقد أخبر رجل أبا بكر الصديق بأنه قد زنى فسأله أبو بكر إن كان قد أخبر أحدًا غيره فقال لا، فطلب منه أبو بكر أن يتوب إلى الله ويستتر بستر الله، ولما عاد فأخبر عمر بن الخطاب قال له مثل ما قال أبو بكر وعندما أخبر رسول الله أعرض عنه فلما أكثر أقام عليه رسول الله الحد ولم يسأله مع مَن زنى. ويقال إن رجلًا اسمه هزال هو مَن طلب منه إخبار رسول الله فقال له رسول الله “يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرًا لك”.
ولقد سترك الله وأنتِ على المعصية، فما كان سبحانه الستير ليفضحك وأنتِ تائبة، فناجيه سبحانه باسمه الستير كثيرًا وهو اسم أخبرنا به رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “إن الله عز وجل حليم حيي ستير يحب الحياء والستر”، واسأليه أن يجري عليك ستره وأن يقبل توبتك، ثم جددي توبتك ونيتك في الإقلاع عن هذا الذنب واجعليها خالصة لوجهه سبحانه وتعالى لا خوفًا من أهل ولا حفاظًا على سمعة، بل إرضاءً لله وتعظيمًا لمحل نظره فلا ينظر إليك فيجدك على معصية. وأكثري من الاستغفار.
زيدي ثقتك فيه – سبحانه وتعالى- وظنك في ستره لك، وتذكري حديث رسول الله عن ربه: “أنا عند ظن عبدي بي فإن ظن بي خيرًا فله وإن ظن بي شرًا فله”، ولك أن تتخيلي أن رجلًا أدخله الله الجنة بعدما كان سيُلقى به في النار بعدما قال: “يا ربي إن كان ظني بك لحسنًا” فرده الله عن النار وأدخله الجنة.
ثم أكثري من حمد الله فلا يحزنك ما يفعله هذا الشاب فيلهيك عن فرحتك بالرجوع عن هذا الطريق الوعر ذي النهايات المحزنة.
لكن في الوقت نفسه ما يقوم به هذا الشاب – هداه الله- يحتاج إلى شخص ذي قوة يلزمه حده فلا تحتاجين بعد لأي شكل من أشكال التواصل معه حتى لو بالإنذار أو طلب التوقف، لذا لا بُد من أن يتدخل من الأهل من تثقين فيه وفي حكمته في التصرف، إذا كنت تعرفين هذا عن أهل بيتك أو خال لك أو عم، فأخبري من يستطيع التصرف منهم ومن يكتم سرك في الوقت نفسه، تخيري فقط وقتًا مناسبًا وطريقة وألفاظًا مناسبة، ولو كان هذا الشاب جادًا فيما يهدد به – وإن كنا نظن في صاحب هكذا خلق الجبن وعدم الجرأة- فاعلمي أنّ وقع الأمر على أهلك سيكون مختلفًا تمامًا إذا قمت أنت بإخبارهم وتوضيح أنك قد توقفت عن هذا الذنب وظهر منك الندم عما لو جاءهم الخبر من الخارج بطريقة أو أخرى، ربما سيصعب عليهم تصديقك حينها وربما اهتزت الثقة فيك بشدة.
وعليك أن تقطعي حبال التواصل تمامًا مع هذا الشخص ولو اضطررتي لتغيير كل طرق التواصل الخاصة بك، وإن كان يستعمل وسيطًا في الوصول إليك فاقطعي سبل التواصل كذلك بأي وسيط.
ونحن نجد في رسالتك عبرة جيدة لكثير من الفتيات اللاتي قد سرن في طريق كهذا، وقبل أن تكون رسالتك تحذيرًا من الخوض في أي علاقة لا ترضي الله مع شاب ولا يغلفها إطار الشرع وما أُحل فيه، فهي تحذير كذلك من صويحبات السوء، وأن هذا الطريق يحتاج لداعم ومشجع لأن عادة حياء البنت وعرف مجتمعنا يأباه، وعادة من يمد يد العون على هذا هو صديق السوء كتلك التي كانت سببًا في حكايتك، لذا فأحد طرق سد الذرائع في هذا الأمر هو حسن اختيار الرفيق والتدقيق قبل اتخاذه صديقًا.