لا شكّ أن الآباء يُمثلون الأمان والسند لجميع أفراد الأسرة، وهم الأصحاب المخلصين الذين لا ينتظرون مقابلا لإخلاصهم، لذا فإن غياب الأب عن الأسرة قد يُمثل كارثة على الكيان برمته، إذ هو الذي يعمل ويجد ليوفّر لأبنائه الحياة السعيدة المريحة، وهو الأخ الذي يتآخى مع أبنائه ويشاركهم اهتماماتهم ونشاطاتهم.
وبالتأكيد لا يقتصر دور الأب على العمل الخارجي بحثًا عن الرزق وتوفير الدعم المالي فقط، بل يجب أن يُسهم بنسبة كبيرة في تربية الأبناء والتكفل بكل ما يطلبوه، لكن للأسف يعج المجتمع بأسر مفككة، نتيجة الفجوة الشاسعة بين الآباء والأبناء.
دور الأب في الأسرة
يرتبط صلاح المجتمع بالأسرة وتكوينها وما تسهم به، فهي التي تغرس القيم الحميدة، والأخلاق والفضائل الحسنة داخل الفرد، ليظهر أثر ذلك على المجتمع ككل.
ووجود الأب في حياة الأطفال، يعني الحماية والرعاية، والقدوة والسلطة والتكامل الأسري، وهم دائمًا في حاجة إلى أن يشعروا بأن هناك حماية ورعاية وإرشادًا يختلف نوعًا ما عمّا يجدونه عند الأم، وبأن الوالد هو الراعي الأساسي للأسرة، وهو المسؤول عن رعيته، فوجوده كمُعلّم في حياة الطفل، يعد من العوامل الضرورية في تربيته وإعداده.
وبعض الآباء يظنون أن دور الرجل يقتصر على تأمين السّكن والملبس والمصاريف، ويعرفون مفهوم رب الأسرة بأنه ذلك الديكتاتور المتسلط الحازم في كل شيء، لكن هذا خطأ فادح، فمشاركة الوالد في تربية أبنائه شيء في غاية الأهمية، لما له من تأثير قوي في شخصية الأبناء، وما يستطيع أن يقوم به من تحقيق التوازن الأسري(1).
وهناك أدوار مهمة من الضروري أن يمارسها الآباء، من أهمها:
- القدوة الحسنة، إذ يرى الأطفال والدهم المثال الذي يجب الاحتذاء به وتقليده في جميع السلوكيات، ولهذا من الضروري أن يحرص على جميع التصرفات والسلوكيات التي يقوم بها، خصوصًا أمام الأطفال.
- تخصيص وقت للأبناء لأن الانشغال عنهم سواء بالعمل أو غيره من أكثر الأمور سوءًا.
- اتباع نظام الثواب والعقاب في التربية، فهو من أهم الأدوار التي يجب ممارستها داخل الأسرة، ولا نقصد هنا العقاب البدني الذي يتمثل في ضرب الأبناء، ولكن نقصد اتباع أسلوب الحرمان في مقابل المكافأة والتشجيع.
- الاحتواء الحب والعطف والحنان، وهو من الأدوار المشتركة بين الآباء والأمهات.
- الدفاع، وفي الغالب يرتبط هذا الدور بالآباء فهم مصدر القوة والحماية لجميع أفراد الأسرة من أي خطر.
- توفير احتياجات الأسرة المختلفة من مأكل وملبس ومشرب وتعليم وغيرها من الاحتياجات الضرورية المختلفة، لكن لا يقتصر دور الآباء على ذلك فحسب، ومن الضروري أن غرس القناعة في نفوس الأبناء والتأكيد على أن المال مُجرّد وسيلة للحصول على الأشياء، ولا بد من السعي والكفاح لتحقيق النجاح، ما يسهم فيما بعد في تحملهم المسؤولية والاستقلالية(2).
أسباب غياب الأب عن الأسرة
وغياب الأب عن الأسرة له أوجه مختلفة، فهو لا يقتصر على الفقدان أو الموت فحسب، بل قد يكون الغياب نتيجة الطلاق أو السفر، أو مجرد غياب عن أداء الدور وتحمل المسؤولية، فقد يكون الزوج موجودًا بجسده لكنه لا يُمارس دورًا ولا يقدم عملًا أو نصيحة، ومن أسباب ذلك:
- الجهل بالدور التربوي نحو الأسرة وأهمية ذلك وتأثيره في كينونتها.
- الانشغال بالعمل وإعطائه جل الوقت، لتوفير حاجات الأسرة الضرورية على حساب الدور التربوي.
- تعمد الأم في بعض الأسر عزل أبنائها عن أبيهم وكأنها تريد أن تقوم بدور الأم والأب معًا.
- الهروب من قيود الأسرة، ففي حالات أخرى يتطلع فيها الرجل الذي يتخلى عن مسؤولياته للفكاك من القيد الاجتماعي والمادي الذي وجد نفسه عالقًا فيه بعد الزواج.
- سفر الزوج المتكرر حسب عمله، فأحيانًا يستغرق عمله وقتًا طويلًا.
- تفضيل قضاء الوقت مع مجموعة من الأصدقاء على حساب الأبناء والزوجة.
- هجر الزوج زوجته على إثر خلافات زوجية ما يسبب آثارًا سلبية على نفسية الأبناء(3).
أثر غياب الآباء على الأبناء
ويؤدي غياب الأب عن الأسرة إلى مشكلات عديدة وخطيرة على الأسرة، منها:
- لجوء الأبناء إلى البحث عن أصدقاء السّوء الذين يعوّضونهم عن البيت وقيام البعض بجنح وانحرافات مختلفة.
- التأثير على أخلاق الأبناء ودراستهم وظهور بعض المشكلات السلوكية وامتناعهم عن محاكاة الوالد وتصرفهم بحرية مُطلقة دون أي قيود.
- عدم التزام الأبناء بقوانين الأسرة وطاعة الأوامر.
- تتحمل الأم العبء الأكبر من المسؤولية، وهو ما يشكل لديها أزمات نفسية واجتماعية.
- انحراف الأبناء، خصوصًا مع وجود عوامل مؤثرة مثل التلفاز والإنترنت.
- التأثير نمو الطفل وثقافته وشخصيته، وحرمانه من العطف.
- ظهور صراعات نفسية واضطراب وانعدام في التوازن العاطفي والأمن النفسي بين أفراد الأسرة.
- التأثير سلبًا في استقلال شخصيات الأطفال وفي اعتمادهم على أنفسهم، ويجعلهم أقل التزامًا بالنظام.
- والتأثير سلبًا على انتباه الطفل وتركيزه واستجابته، ويكون أقل قدرة في السيطرة على نوبات الغضب(4).
- تهميش الآباء: فكثير من الآباء لا يعينون أبناءهم على برهم، والبعض منهم لا يعرف كيف يعامل أولاده عندما يصبحون شبابًا، فيقتصر دورهم على العقاب والتوبيخ، وعلى جلب المال فقط وعدم التدخل في التربية، ما يضع هؤلاء الآباء في موقع التهميش، وبخاصة أن الكثير منهم لديهم ثقافة مجتمعية تجبرهم على التسلط على الأبناء أو حتى عدم تقبلهم وتقبل طبيعتهم الثقافية والعمرية(5).
خطوات عملية لوجود أبوي فاعل
أولادك أيها الأب أمانة في عنقك فحافظ عليهم فهم بناة الغد، واحرص على أن يكونوا صالحين، ولذا عليك:
- إعطاء الأبناء العطف والحنان والأمان بالتواجد بينهم ومشاركتهم أفراحهم وجميع أعمالهم.
- التواجد بين الأبناء، والحرص على أن تكون قدوتهم الطيبة في كل شيء.
- كن إيجابيًا في الحوار مع أولادك فلا يكون حوارك بالألفاظ السلبية مثل: لا تلعب، لا تأكل، أنت فاشل، أنت غبي؛ فإن ذلك يولد رد فعل قوي عنده ويدفعه للعناد معك، واستخدم بدلا من ذلك، كلمات إيجابية: الله يرضى عليك، من الأفضل لك، أحبك.
- يجب أن تكون التربية بأسس واحدة من الآباء والأمهات، دون أن يكون هناك تناقض حتى لا يصبح عند الأبناء خلل في التوجيه.
- الحرص وفي كل الظروف على الوفاء بالوعود، فإذا استحال عليك الوفاء فوضح سبب ذلك، وإلا فإن الثقة التي من المفروض أن تقوى بينك وبين أبنائك تصبح مهددة.
- الحرص على التعامل بأسلوب الثواب وعدم إلقاء محاضرات الأخلاق والتصرفات السلبية في أوقات غير مناسبة وأنت لا تطبقها مع تجاهل مشاعر ابنك ورأيه.
- متابعة الأبناء في المدرسة والتواصل بالسؤال عنهم والمشاركة في حضور النشاطات فهذا يترك أثرًا كبيرًا في نفسية الأبناء.
- ترتيب برنامج مفتوح في آخر الأسبوع لتجتمع العائلة معًا كقضاء رحلة خارج البيت أو زيارة الأهل للتعويد على صلة الرحم فبهذا تخرج العائلة من الروتين اليومي ويفرح الأبناء.
- اقترب من ابنك وقابله بابتسامة وبطلاقة وجه وعامله بمحبة وتقدير وكن صديقًا له وقوِّ علاقتك به، وتقرّب منه حتى تلامسه وتعطف عليه(6).
المصادر والمراجع
- سلطان حميد الجسمي: أهمية دور الأب في الأسرة، 5 سبتمبر 2015.
- مفاهيم: أهمية دور الأب في الاسرة وتأثير غيابه، 6 أكتوبر 2021.
- رولا خلف: آباء ينشغلون عن أبنائهم: 24 يناير 2012.
- رنا إبراهيم: كيف يؤثر غياب الأب على تنشئة الأبناء؟، 19 ديسمبر 2018.
- ولاء حداد: تهميش الأبناء لآبائهم.. ما السبب؟، 30 أكتوبر 2015.
- رولا خلف: آباء ينشغلون عن أبنائهم: مصدر سابق.
2 comments
في حالة الأم تهدم صورة الأب ودوره فى الأسرة وتعوق كل توجيه له نحو الأبناء كيف يكون التصرف مع الابن الأكبر تأثيرا بهذا الوضع بعد اقتناعه بسوء أبيه ؟
السلام عليكم،
نشكر مرورك وتعليقك،
يرجى إرسال سؤالك بالتفصيل لقسم الاستشارات أو في الرسائل الخاصة على الفيسبوك، وسيجيب عليك أحد المختصين التربويين في منتدانا التربوي.