أنا سيدة مطلقة عندي 47 سنة، مطلقة منذ عشر سنوات، طليقي أحب أن نعود لبعضنا، المشكلة أن الأولاد رفضوا ذلك، وسؤال: هل علاقتي معهم كأم أسبق؟ أم علاقتي مع أبيهم كزوجين؟!
من أسعد الأخبار التي يمكن أن يتلقاها أحد، عودة زوجين لبعضهما البعض، خصوصًا بعد طول فراق، فالحمد لله أن هدى قلبيكما للصلح، فهو خير كما قال المولى عز وجل.
ومما لا شك فيه علاقتك بأبيهم أسبق من الناحية الزمنية، فلولاه ما أتوا إلى الدنيا، لكن قد تعيد الظروف ترتيب مقامات العلاقات، فكنت لهم بعد الطلاق الأم والأب والمؤنس والطبيب، وكانوا هم لك أيضًا المؤنس والمهون والدافع لاحتمال بؤس الأوضاع، فاختلفت المكانة لبعض الوقت نتيجة لظروف الطلاق وتبعاته.
بل ربما رأوا من أبيهم ما لا يسر فحملت النفوس كرهًا وبغضًا، وربما كنتِ أنتِ من أوصلتيهم لتلك المشاعر بغير وعي حينما اطلعوا على خبايا المشكلات، لا نقصد بذلك تحميلك سبب ما وصلوا إليه من مشاعر تجاه أبيهم بقدر ما نوضح أنهم معذورون في ما وصلهم من مشاعر ويحتاجون إلى وقت لإصلاح ما فسد، فالمسألة ليست في ترتيب العلاقات ومن يسبق من؟ فلو خُيِّرتِ أنتِ بينهم وبين أبيهم لاخترتِ الإثنين، بينما هم لا يرونَ حاجة للاجتماع تحت سقف واحد مثلك، فقد عاشوا بعيدًا عن كنفِ أبيهم سنواتٍ طوال واستقامت لهم الحياة كما يظنون، فخيار رجوع الأب من وجهة نظرهم كدر!
يحتاج الأمر منك إلى التعامل بروية وهدوء، فما تريدينه سيحدث بإذن الله، ولكن شتان أن يحدث هكذا عنوة ورغمًا عنهم وبين أن يحدث وهم مرتاحون ومباركون الخطوة، فأنتِ بحاجة إلى دعمهم في قرارك العودة، ونوصيك بألا تقعي في فخ التهديد، التروي ضرورة لعلاج تلك المسائل الدقيقة في العلاقات.
التمهيد مهم قبل كل خطوة، ويُحدث فرقًا كبيرًا في النتائج في النتائج، ومن جميل اسم الله (اللطيف) أنه سبحانه لا يفاجئ عباده بعطاياه بلا مقدمات، فسبحانه يسوق البشريات قبل المنح والعطايا، لأنه سبحانه يعلم طبائع النفوس وما يصلحها، فرب فرحة يخطط لها البشر على سبيل المفاجأة السعيدة، يكون لها وقع على النفس شديد؛ لأنها بلا تمهيد ولا استعداد.
وفي حالتكِ، مفاجأة عودة الأب بالنسبة لهم والزوج بالنسبة لك، في الأصل هي مفاجأة جميلة، لكن جانبها التمهيد وسوق البشريات، فوقعت على النفس بعكس ما اشتهيتِ،
والأمر متداركٌ بإذن الله:
- بإبلاغهم عن سعادتك واحتياجك لتلك العودة.
- وأنك قد سامحتِ فيما مضى، وتطلبين منهم السماح والعفو.
- وأن تسمعي أسباب رفضهم عودة أبيهم وتفندي ادعاءاتهم، فلعل لديهم معلومات مشوهة، تحتاج إلى إعادة توضيح, وربما لديهم غضب من مواقف معينة، نعينهم على تداركها بالتعبير عما يعتمل في نفوسهم.
- كما نوصيك بأن تكون العودة بشكل تدريجي، كلقاء على غداء خارج المنزل، ثم دعوة على غداء بالمنزل، ثم سفر يومين مثلا بعيدًا عنهم، فلعل بعدها تكون الأرض ممهدة أكثر للعودة.
- وعلى الزوج الأب أن يقدم خطوات طيبة لرأب صدع ما حدث في العلاقة بينه وبين الأبناء، ولو اعترف ضمنيًا لهم بأنه لم يحسن التصرف معهم في تلك الفترة، بسبب نوازغ الشيطان وأن يطلب منهم العفو- عفا الله عما سلف- وأن يعدهم بتعويضهم عما فات فلعل نفوسهم تقر وتهدأ.
السائلة الكريمة:
في وسط عشرات رسائل الطلاق التي تردنا، جاءتنا رسالتك هذه، لتسوق البشرى لكل من تعثرت خطواته في مسيرة الزواج، وأوصدت في وجهه الأبواب، ليعلم أن بعد العسر يسرًا، وأن بعد الضيق فرجًا ومخرجًا، وليتعلم الجميع أن يحافظوا على شعرة معاوية في العلاقات كما يقول المثل، فلعل الماء يعود إلى مجراه، فلا نجد مجراه حينها مكدرًا ملوثًا مليئًا بالمخلفات التي تعرقل المسير، فعيش بمعروف أو تفريق بإحسان، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، ولولا أنك رأيت من زوجك ما يسمح بالصفو والعفو ما عدت، ولولا معرفة قيمة ومقام الزوجية لدى بعضكما البعض ما فكرتم في العودة.
أحسن الله لقاءك بزوجك، وجمع بينكما في خير، وهيأ نفوس أبنائك لاستقبال عودة أبيهم بحب وترحاب، سبحانه هو ولي ذلك والقادر عليه: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنَ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَّاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
وفي الختام نرجو وأنتِ تقررين العودة أن تكوني مصطحبة معك دروس التجربة الماضية، تضعونها نُصب أعينكم، متجاوزين نقاط الخلاف والاختلاف بينكم، باحثين على أرضية مشتركة للحوار وحل المشكلات، عازمين على أن تكونوا سترًا لبعضكما البعض كما تشير الآية: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}، بما تعنيه كلمة لباس من معاني الستر والقرب والملاصقة والتجمل والغطاء والوقاية من تقلبات الدهر، وكذا سكن ومودة ورحمة، والله المستعان.