ابني الجامعي عنيد ولا يقبل النصيحة
رزقني الله – عز وجل- ولدا طيبًّا خلوقًا بارًّا بنا وشقيقة له كذلك، نحمد الله عليهما كثيرًا، وهو الآن طالب في مرحلة الجامعة وهو غيْر كثيرٍ من الشباب – خصوصًا في هذه السن- في أمر قبول النصح وعدم العناد وسماع كلامنا وتنفيذه وإن كان يُخالف ما يريده.
لكن المشكلة فيّ أنا وزوجتي، فأنا أرى أنّ استثمار أخلاق الولد في توجيهه نحو الأفضل وغلق أبواب التقليد في وجهه، فهو يرتبط ببعض أصدقائه، وكثيرًا ما قلّدهم في لباسهم وتسريحة شعرهم وطرائق كلامهم وكثيرٍ من سمتهم، وأنا دائما أقول إن غلق الباب من البداية أولى من الإصلاح بعد الممارسة.
أمّا زوجتي فترى أنّ نعطيه حرية الحياة وممارستها وإفساح المجال له ليعيش كما يُريد دون إحراج له أو تضييق عليه، حتى يقتنع هو بنفسه بالمسلك الخاطئ فينصرف عنه والمسلك الصواب فيقبل عليه.
وبين هاتين الطريقتين احتار دليلنا وكل مِنّا يرى صواب ما يعتقد أنه الأصح في تربية ولدنا، والعجيب أنّ الولد يستمع لرأي أحدنا فينفذه حياءً منه، ثمّ يميل للرأي الآخر فيفعله وإن كان عكس ما فعل حياءً أيضا من الطرف الآخر.
السؤال: لا نزال نختلف على تربية ابننا هو وشقيقته التي تقاربه في العمر، فبماذا تنصحنا؟
الإجابة:
الابن الطيّع الليّن مريحٌ ومشجع لوالديه، يُشعرهم أن مهمة التربية أسهل ويجنبهما كثيرًا من التحديات، لكن في الوقت ذاته يجب الحذر عند التعامل مع هذا النوع من الأبناء لئلا ينقلب الأمر لإلغاء شخصياتهم والجهل بتفضيلاتهم، كلما نظروا في زاوية وجدوا آبائهم يشغلونها فلا يجدون لأنفسهم مكانًا.
تزداد أهمية هذا الحذر كُلما تقدم أبناؤنا في العمر، فما كان مقبولًا من تدخل في اختياراتهم في سن صغيرة لا يصبح مقبولا مع بلوغهم سن الجامعة. أحد نظريات التربية تُشبّه مساحة الاختيار في حياة أولادنا بحرف (V) في الإنجليزية أدناه يُعبر عن مساحة اختيارهم في الصغر والتي تتسع كلما تقدموا في العمر، وفي مرحلة الجامعة – وهي مرحلة مفتوحة بطبعها- لا أخال أنه لا يزال للآباء الحق في اختيار شكل حياة أبنائهم ومَن يصاحبون وماذا يرتدون.
أما عن الاختلاف بين الآباء والأمهات فهو من الأمور الطبيعية، بل هو سنة كونية كما أخبر بذلك رب العالمين في سورة هود: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ …}، فتباين الرؤى بين المربين في البيت الواحد يجب ألا يُنظر له إلا من قبيل التكميل والإثراء وفتح الأفق، وحين يتعلق الاختلاف بأبنائنا فإن هناك نقطتين، أولاهما أن نختلف حول أمور فرعية وهذه من المفيد أن نظهر لأبنائنا جانبا منها أحيانا بدافع التربية على قبول الاختلاف وتعلم آدابه.
ثانيهما أن يكون خلافنا حول مبادئ أساسية في التربية، وهذا من الأمور التي تسبب لأبنائنا ارتباكًا شديدًا وتفقدهم الشعور بالأمان كما تُعلمهم المراوغة والتّلون. نستطيع تخيل هذا الأثر السلبي من خلال ما عرضته الآية الكريمة في سورة الزمر: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. فيحتار أبناؤنا فيمن يرضون حينها وتضيع مع هذا مصلحتهم التي كانت مُرادنا في الأساس، وهذا خسارته أكبر بكثير من خسارة اختيار أحد الطريقين اللذين نختلف حولهما.
لذا فليس أمام المربين في هذه الحالة إلا أن يقنع أحدهما الآخر بمنهجه، أو أن يقرر أحدهما طواعية أن يتنازل للآخر في اختيار الطريقة التي يراها مناسبة ثمّ يتعاون في تنفيذها، أو أن يقررا تجريب الطريقين ثمّ يختارا من بينهما ما ارتضيا نتائجه. وأحيانا يكون الحل في التوسط والتوازن والجمع بين مبدأي الخلاف حسب الموقف وما يتطلبه، والاتفاق على عدم التقيد بطريقة واحدة فقط.
وموضوع الخلاف المعروض من السؤال يُمكننا أن نجد للإسلام فيه هديًا، حين ربط وجوب التكاليف الشرعية ببلوغ المرء وهذا دلالة على أنّ البلوغ علامة فاصلة تتغير عندها طريقة المعاملة، بعدها يصير المرء مسئولًا ومحاسبًا، والمحاسبة لا تتم إلا لراشد، كذلك نحن كآباء يجب أن تختلف طريقتنا تمامًا مع أبنائنا بعد سن البلوغ بحيث يُعطَوا المسؤولية والثقة والحرية الكافية عن حياتهم وقراراتهم واختياراتهم، لأنّ هذا ما سيرسخ فيهم هذه القيم ويؤهل قدراتهم للحياة.
ومرحلة الجامعة يبدأ فيها أبناؤنا استخدام واختبار ما في جعبتهم من قيم ومعايير قمنا بتزويدهم بها على مرّ سنوات طويلة سابقة بالطبع دون أن نتخلى عن دورنا في إبداء المشورة والاستئناس بالرأي متى كانوا محتاجين لسماعه.