السؤال
أنا متزوجة من سنة، أول فترة في الزواج كانت كويسة جدًا بعدها ابتدت المشاكل بسبب حماتي، وإن زوجي مطيع ليها في كل حاجة بتقولهاله، وبقى يتعامل معايا بأسوأ معاملة، في آخر فترة كنت فيها هناك مكنش بيشرب ولا بياكل ولا بيتكلم معايا مكنش بيدخل الشقة غير على النوم وكان مانعني من النزول نهائي حتى زيارتي لأهلى وللدكتور لمتابعة الحمل فضلت كدة لمدة عشرة أيام لحد ما أهلي عرفوا وحاولوا يتكلموا مع أخوه الكبير وأمه لحد آخر مكالمة بين عمي وبين والدته، غلطتْ فِيَّ بكلام مش كويس لأني كنت متزوجة من قبله، فأهلي جم أخدوني في اليوم ده وحاولت بعدها أتكلم معاه أتكلم معايا بأسلوب سيء جدا وأمه عاوزاه يطلقني وهو مش عاوز يطلقني لأنه عاوزني أتنازل عن حقي ومش عارفة أتصرف إزاي وحاول أكتر من شخص إنه يصلح وهو بيرفض يتكلم مع أي حد.
أنا حاليا في بيت بابا بقالي 5 شهور وبقالي 40 يوم والدة ومفيش منهم أي جديد!
الإجابة
ابنتنا الكريمة:
أهلا بك ضيفة عزيزة على موقعنا (المنتدى الإسلامي العالمي للتربية) نرجو الله لك صلاح الأحوال وهدوء البال.
فهمنا من ثنايا رسالتك أسباب هذا التحول في العلاقة بينك وبين زوجك بعد أن كانت على ما يرام في شهور الزواج الأولى، وقبل أن نذكر لك ذلك، نود أن نشير إلى بعض المعاني:
أولًا: أن أكثر الطلاق يقع في سنوات الزواج الأولى لقلة خبرة الزوجين بالحياة وعدم كفاية معرفتهما لبعضهما البعض في فترة الخطوبة، ولو صبر الطرفان على التجربة لمروا من كبوات جهالة البدايات بسلام.
ثانيًا: إذا رأت الزوجة طاعة من زوجها لأمه تفرح، فالبر يعني رضا من الأم ودعوات مجابة تخرج من القلب، لكن أحيانا تصوراتنا الخاطئة عن العلاقة بين الزوجة وأم الزوج (الحماة) تجعل البعض يتحسس في المعاملات ويفسرها بصورة خاطئة.
كما يخطئ الرجال بفهمهم الخاطئ أيضا حينما يظنون أن مخالفة رأي الأم معصية، غير مفرقين بين رأي الأهل في شيء وحكم الشرع فيه، فيجعلون رأي الأهل مهما كان كأحكام الشرع سارية نافذة، وهذا من قلة الفهم وطمس البصيرة، فرأي الأهل كثيرًا يؤتنس به إن أحببنا ولا يفرض على الأبناء فرضًا.
تُحكى قصة من باب العبرة، أن زوجة ذهبت لحكيم تطلب منه سُما كي تتخلص من أم زوجها، فأعطاها السم تضع منه كل يوم قدر بسيط مع كوب الشاي واشترط عليها أن تعاملها بحب في هذه الفترة حتى لا ينكشف أمرها، وأوضح لها أن مفعول السم بطئ، وبعدها بفترة بسيطة جاءته باكية تطلب منه أن يوقف مفعول السم، فقد أحبت حماتها ولا تود أن تموت، ضحك الحكيم وبشرها بأن ما أعطاه لها مجموعة من الأعشاب وليس سما!
العبرة أن الزوجة حينما أعطت للعلاقة فرصة للتودد عن قرب أثمر ذلك عن حب حقيقي، قاتل الله التعصب لفكرة بغير هدى.
ثالثًا: إدخال طرف ثالث في المشكلات كثيرًا ما ينهيها بالطلاق، ولو بقي الخلاف بين الزوجين لحُل بجلسة صفاء وبالتفاهم والود؛ فينبغي على الطرف المتدخل أن يتصف بالحكمة، فنقل الكلام الذي حدث بين أم زوجك وعمك كان باب مفسدة كبير، كان يكفي أن يرد غيبتك ويبدأ في البحث عن الرد المناسب، ولا يوصل إليك الكلام المسيء.
فحتى وإن انتهت العلاقة بينك وبين زوجك، فهناك مولود له حقوق عليكم، فيلزم على من يتدخل للصلح ألا ينظر تحت قدميه، غير عابئ بنتيجة نقل الكلام، فثمة مولود سيكبر بينكم شئتم أم أبيتم، كنتم في بيت واحد أو باعد الطلاق بينكم، فماذا تريدون لهذا الطفل أن يعرف عن أبيه وأمه؟!
يتبدى لنا مما نقلت لنا، أن ريبةً أو شكًا دخل في قلب زوجك بسبب زواجك الأول، وهذا ما يفسر تغيره عليك، ومنعك من الخروج للأهل وللطبيب، ويؤكده ما قالته أمه لعمك، غفر الله للجميع، وهنا نذكر الزوج بقول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم وَلا تَجَسَّسُوا}، فعلى الزوج إن ارتاب في شيء أن يتقي الله في زوجته ويصرف وساوس الشيطان عنه وألا يتحدث إلا ببينة وإن لم تهدأ الريبة والظنون ولم يأت بدليل عليها، فليذهب الزوج للطبيب فهو يعاني إذًا من ضلالات وخيالات مريضة، وإن لم ينصلح الحال بعد ذلك كله، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
كما نذكر الزوج بمنهجية في التعامل مع الشك ما جاء في حديث أبي هريرة: ” أنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ (مَا أَلْوَانُهَا) قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ (هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ (فَأَنَّى ذَلِكَ) قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: (فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ).
ننظر إلى فقه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على الرجل سؤاله، لعلمه صلى الله عليه وسلم بنفوس البشر وليعلمنا قانونًا من قوانين الوراثة وهو ما جاء به علماء الوراثة متأخرًا، في تفسير الجينات المتنحية، أنه ربما يولد طفل بعيون خضراء لأب وأم عيونهما ليست بخضراء، فيرجع ذلك لجين محمول من سابع جد كان لون عينه أخضر.
إذاً الريبة قد تقع في قلب البشر لضعفهم وتمكن الشيطان منهم، لكن من يمشي خلف التهم بلا بينة أو دليل، فمصير زواجه معلوم مسبقًا، وهذا باب كبير للمفاسد عافانا الله وإياكم منها.
السائلة الكريمة:
إذا تبين لك أن انقلاب الحال بينك وبين زوجك نتيجة لريبة أو شك في تصرفات معينة، فكما ورد في الأثر: “رحم الله امرأ جب الريبة عن نفسه)، فوضحي الأمر الذي قد تظنينه سببًا في تلك الوساوس وله أن يصدق أو يكذب، فلن نستطيع فعل أكثر من توضيح اللبس وإزالة سوء الفهم.
ونصيحتنا إلى كل شاب يتلاعب ببنات الناس وبمصائرهن وسمعتهن: إذا أردت أن تتزوج بمن سبق لها الزواج، فلتسأل عن سبب انفصالها، وتتبين من أخلاقها جيدًا، قبل أن تعاشرها وتبتليها بالظنون.
ابنتنا الكريمة:
لا بأس عليك أن مررت بتجربة زواج سابقة، وتعيشين الآن تجربة ثانية على المحك، هذا لا يعيبك مطلقًا، فأكثر المستشارون في العلاقات الزوجية، يرون أن الزواج بمن سبق لهم التجربة، هو زواج مبني على دعائم قوية، فالتجربة لا تكسر كما يقولون، بل توضح لمن مر بها العيوب والمزايا، ويعرف الحدود، والخطوط الحمراء.
بل إنهم قالوا فيمن سبق لها الزواج أكثر من ذلك، قالوا إنها تحارب الدنيا حتى تنجح زواجها لأنها لا تريد تكرار الفشل وتوكيده، فلا عليك إن فهم أهل زوجك كونك صاحبة تجربة سابقة أن هذا مما يشينك لا قدر الله، بل هي نقطة قوة لمن يفهم.
استعيني بالله والزمي الدعاء بأن يقدر لك الخير ويرضيكِ به، فإن كان الخير في الرجوع أصلح الله لك زوجك وأمه، وإن تمادوا في الإساءة فلعل في طلاقكم خيرًا، يعوضك الله من بعده من يقدرك.
وإن وقف الطلاق على إرادة الزوج أن يبخسك حقك، فالله يسمع ويرى ولا يرضيه هذا الظلم أبدا، فلا تفتأي تذكرينه بقول الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229].
ذكريه بأنه لا يحل أن يأخذ شيئًا من مهرك ولا نفقاتك أو مما أهداك إلا عن طيب نفس منك وإذا فعل ذلك فكان لنفسه ظالما، تكلم الله على من يفعل ذلك بضمير الإشارة للبعيد (أولئك) تحقيرًا لهم، فمن يقبل الظلم على نفسه؛ نشفق عليه ونكون على يقين أن الله يخلف خيرًا.
أراح الله بالك وأصلح حالك وبارك في مولودك وجعله قرة عين لكِ ولأبيه وأخلفك خيرًا كثيرًا.