تواجه المناهج التعليمية في الوطن العربية عبئًا ثقيلا في ظل وجود عالم افتراضي متمثل في شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي باستخدام أدوات التواصل المتنوعة المسموعة والمرئية ومن خلال وسائط إلكترونية متطورة كالهواتف المحمولة، لكن يجب ألا تقف هذه المناهج مكتوفة الأيدي أمام هذه التحديات التكنولوجية وتبعاتها وتداعياتها الخطيرة على شبابنا.
وبالرغم من أنّ تكنولوجيا الاتصال أصبحت مطلبًا تعليميًّا لتحقيق التواصل التعليمي الفعال والنشط للمتعلم، فالأمر قد يضطر المتعلم في الوقت ذاته إلى إساءة توظيف واستخدام هذا الواقع الافتراضي من العملية التعليمية إلى جوانب لا أخلاقية كالبحث في المواقع الإباحية، وإضاعة الوقت فيما يضر ولا ينفع، مما يسفر عن تدني القيم الاجتماعية والأخلاقيات المتعارف عليها اجتماعيًّا ودينيًّا.
معنى عالم افتراضي آمن
يقصد بمفهوم عالم افتراضي آمن، هو اتخاذ جميع الإجراءات والآليات الإلكترونية لوقاية طلابنا في مراحل التعليم كافة، لمنع تعرضهم للمواقع الإباحية أو التعرض لمحاولات الابتزاز عبر شبكات الإنترنت، أو محاولات السطو على أفكارهم واستبدالها بأيديولوجيات غريبة ومستهجنة على تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا الدينية السمحة، ووقايتهم منها بطرق متعددة تحت إشراف المدرسة، وأهل الاختصاص.
والأمن المدرسي، يعني السكينة والاستقرار النفسي والاطمئنان القلبي، واختفاء مشاعر الخوف من النفس البشرية. وحماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية، وهو ينبع من المعرفة العميقة للمصادر التي تهدد مختلف القدرات ومواجهتها، لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في المجالات كافة سواء في الحاضر أو المستقبل.
والأمن الفكري للمتعلم، هو أن يعيش أهل الإسلام في مجتمعهم آمنين مطمئنين على مكونات شخصيتهم وتميز ثقافتهم ومنظومتهم الفكرية المنبثقة من الكتاب والسنة، ويعني الحفاظ على المكونات الثقافية الأصيلة في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة، أو الأجنبية المشبوهة، فهو يصب في صالح الدعوة لتقوية هذا البعد من أبعاد الأمن الوطني.
وهو بهذا يعني حماية وصيانة الهوية الثقافية من الاختراق أو الاحتواء من الخارج، ويعني- أيضًا- الحفاظ على العقل من الاحتواء الخارجي وصيانة المؤسسات الثقافية في الداخل من الانحراف.
ويقصد بالأمن والسلامة على الإنترنت، الحذر وأخذ الحيطة عند التعامل مع الشبكة العنكبوتية، وتأمين حماية المتعلم الشخصية التي باتت هاجسًا يشغل بال المستخدمين ومطوري صناعة خدمات الإنترنت على حد سواء.
عالم افتراضي محفوف بالمخاطر
وتزداد التحديات كل يوم أمام تحقيق عالم افتراضي آمن في ظل الاعتماد الكبير على شبكة الإنترنت كوحدة من وسائل الاتصال والتواصل المهمة في الوقت الراهن في مختلف مجالات الحياة بشكل أبرز أهمية التركيز على المخاطر التي قد تنتج جراء ذلك الاستخدام.
وهناك العديد من المخاطر بعضها جدي والبعض الآخر أقل جدية وتتراوح تلك المخاطر بين التعامل مع المواقع الإباحية أو مع شبكات التجسس الدولية العالمية، وبخاصة الشبكات اليهودية، والتعرض لعصابات تحاول ابتزاز المتعلم وجره لسحب معلومات شخصية واجتماعية واقتصادية وسياسية منه، وعصابات انتحال الشخصيات وإغراء المتعلم للسفر للفسحة والمتعة بالخارج وغيرها من أنواع الإغراءات والنصب والاحتيال التي قد يصدقها الطالب ويقع في براثنها.
والخطر يشمل الضرر المتأتي على الإنسان من سرقة معلومة أو نشر معلومة أو أي كان ذا الضرر المجازي شرعيًّا أو أخلاقيًّا، ومن هنا يأتي دور الحماية بكل أشكالها.
وكما أن طرق الاختراق كثيرة، فإن طرق الحماية- أيضًا- كثيرة، وتأتي من الاحتمالات المتوقعة من بعض الهكر، وكما تأتي الحماية من بعض برامج الحماية، تأتي معها ملفات خبيثة، يجري استقلالها من طرف مبرمجين يديرون تصرفها عكس ما هي مكتوبة لها أصلا، والحماية في الإنترنت محصورة كلها في البرامج “Program” أي لا دخل للهاردوير “Hardware” في شأنها.
إلا إذا كان الهاردوير فيه حماية خاصة، يأتي اختراق من طرف آخر يسمى “هكر” يحمل الهاردوير نفسه. وبما أن البرامج تكبت كلها بلغة الكمبيوتر سواء كانت هذه اللغة فردية أو لغة تجميع، أو لغة رقاقة معينة، فإن المعالج أو الرقاقة هي من تحلل مادة هذه اللغة، بمعطيات أصحاب الرقاقات، فنادرا ما يجري كشف اختراق لهكر يستخدم رقاقة معينة لاختراق معين.
قواعد السلامة مع مواقع الإنترنت
وتحقيق عالم افتراضي آمن مهمة تقع مسؤوليتها في الأساس على المناهج التعليمية، التي عليها عبء تعريف المتعلم بالإغراءات وأهدافها لعدم الوقوع في براثنها، وتتضمن قواعد السلامة عند التعامل التعليمي مع مواقع الإنترنت ما يلي:
- عدم لقاء شخص تعرفنا عليه عن طريق الإنترنت؛ لأنّ التعارف عن طريق الإنترنت لا يوفر أي وسيلة لمعرفة حقيقة الشخص الموجود على الطرف الآخر من لوحة المفاتيح. ولا بد من التذكر دائمًا أن هذا الشخص، وإن نجح في الحصول على ثقتنا، قد يكون بيدوفيل “الشاذ الذي يحب الأطفال”، مغتصبًا، قاتلًا أو أي شخص قد يرغب في إيذائنا. وعلى الرغم من هذا، إذا رغبنا في لقاء صديق تعرفنا إليه بواسطة الإنترنت، علينا عمل هذا في المرة الأولى في مكان عام فقط، يعج بالناس، وبحضور شخص بالغ.
- ممنوع تسليم التفاصيل الشخصية أو تفاصيل أفراد الأسرة عبر الإنترنت؛ وعدم الكشف عن المعلومات الشخصية مثل الاسم، أو العنوان، أو المدرسة التي نتعلم فيها، وكذلك أسماء الآباء والأمهات، فالكشف عن مثل هذه المعلومات قد يسبب الاستعمال الضار مثل التهديدات، الابتزاز أو السرقة.
- لا نكشف لأي شخص كلمة المرور السرية الخاصة بنا أو بأفراد الأسرة؛ فالكلمات السرية الخاصة بالحاسوب تتيح الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت، ولا بد من الحرص على تغيير كلمة السر بين الفينة والأخرى.
- لا نستعمل الملاحظات المسيئة والكلمات الجارحة عبر الإنترنت، وعلينا أن نتذكر أنه حتى في المجال الافتراضي توجد طرق للتتبع وتقديم شكوى عن التشهير أو أي مخالفة قانونية أو مالية أخرى.
- ممنوع شراء أو طلب منتج عبر الإنترنت دون إذن أو إشراف من قِبل الوالد أو إنسان بالغ. إن تسليم تفاصيل بطاقة الاعتماد الخاصة بنا تُعد عملية حساسة للغاية. إذا كانت هذه العملية لا تتم من خلال موقع محمي جيدًا، فقد تعرضنا للسرقات أو الكشف عن تفاصيل شخصية عن حياتنا، بالإضافة إلى ذلك، لا بد من أن نتذكر أن تسليم تفاصيل بطاقة الاعتماد التي ليست لنا هي مخالفة جنائية.
- وممنوع تسليم عنوان البريد الإلكتروني الخاص بنا لشخص لا نعرفه؛ فبإمكان الأشخاص الوصول إلينا متى رغبوا في ذلك ولكل غرض. وإن نشر عنوان البريد الإلكتروني بين الأشخاص الذين لا نعرفهم، يعنى وصول رسائل غير مرغوب فيها عبر البريد الإلكتروني، البريد المتطفل الخاص ببيع المنتجات “Spam”، الرسائل المزعجة أو الفيروسات التي قد تُلحق الضرر بحاسوبكم.
- ويجب ألا نرسل الصور عبر الإنترنت لأشخاص لا نعرفهم. فالصورة التي تصل إلى أيدٍ أجنبية تتيح الاستعمال السيئ لها.
- الحذر من الهدايا المجانية عبر الإنترنت، فهي طريقة للحصول على كلمة المرور السرية الخاصة بنا، والبريد الإلكتروني الخاص بنا أو تفاصيل شخصية أخرى.
- عدم فتح أي رسالة تصل عبر البريد الإلكتروني من مصدر غير معروف، فالرسائل التي تصلنا من أناس لا نعرفهم قد تتضمن فيروسات تلحق الأذى بالحاسوب لحظة فتح الرسالة. وفي أحيان أخرى تكون هذه الرسائل بمثابة إعلانات مزعجة ومسببة للإزعاج. فعلينا مسح كل رسالة تصل إلى البريد الإلكتروني ولا نعرف ممن وصلت.
- عدم تركيب برامج أو ألعاب غير قانونية، لأن ذلك يُعد عملًا مخالفًا للقانون. بالإضافة إلى ذلك، قد تحتوي البرامج والألعاب غير القانونية على فيروسات متنوعة تشوش العمل السليم للحاسوب.
- تجنب المنتديات المشبوهة والمعروفة بالمنتديات السُّفلية؛ والتي عادة ما يجتمع فيها مخترقو الأنظمة.
- تجنب خاصية التخزين التلقائي للمعلومات الشخصية على الحواسيب التي لا تخصك حال استخدامها، والقيام بعملية مسح الملفات Cookies بين فترة وأخرى.
- تجنب الاحتفاظ بالصور والمعلومات الشخصية على جهاز الحاسوب، واستخدام عوضًا لذلك ذاكرة التخزين الحمولة “الفلاشة”.
- فصل كاميرا الويب حال عدم استخدامها، واستخدام كلمات سر للملفات الحساسة، وتجنب الرد على رسائل البريد الإلكتروني المشبوهة.
إن تحقيق عالم افتراضي آمن للأبناء مسؤولية الأسرة والمدرسة والمعلمين، ويمكن العمل على ذلك من خلال تصميم وإعداد برنامج إلكتروني متكامل؛ لتوعية المتعلم بقواعد الأمن والسلامة عند التعامل مع شبكة الإنترنت في مجال التربية والتعليم، وتوعية المعلم بتوخي الحذر بالمواقع الإلكترونية، التي يرشدون طلابهم للتعلم منها، وتوجيه المتعلم لتجنب التعامل مع المنتديات المشبوهة، والتأكد من أن الموقع الذي يرتاده للتعلم منه يمتلك عنوانًا فعليًّا لا وهميًّا.
وعلى المتعلم أن يتجنب العروض الترويجية غير المعروفة الواردة عبر بريده الإلكتروني، ولا بد من نشر ثقافة أمن الإنترنت لدى الجميع، في المجتمع كبارًا وصغارًا شبابًا وشيوخًا ذكورًا وإناثًا، واستخدام ميزة الخصوصية في المتصفح لحظر المواقع غير المرغوب فيها، واستخدام برامج التحكم ومراقبة التصفح؛ التي تحظر وتمنع المواد الإباحية والمسيئة والخطرة على طلابنا.
المصادر والمراجع:
- دراسة: عالم افتراضي آمن لتربية وتعليم وتدريس آمن، للأستاذ الدكتور حسام الدين محمد مازن.
- كيف نحمي أبناءنا من المواقع الاباحية؟.
- كيف تحمي أطفالك.. من «غزو» المواد الإباحية؟.
- كيف نحمي أطفالنا من مخاطر الإنترنت؟.
- 5 معايير لحماية الأطفال من الابتزاز الالكتروني.