بين عالم امتلأ بخيالات الطفولة والصبا والبراءة وعدم تحمل المسؤولية، وعالم يحدوه القلق والترقب والأسرار يقف الآن طلاب الجامعة الجدد الناجحون في الثانوية العامة حيث يحدوهم الأمل والتصميم على الخروج من العالم الطفولي الصغير إلى عالم يحدوه المنافسة الحقيقة وعدم الاستسلام.
سيبدأ عام دراسي جديد ومرحلة جديدة في حياة هؤلاء الطلاب، ولزم عليهم الأخذ بالتخطيط السليم والتعرف على طبيعة المرحلة الجديدة ساعين إلى تحقيق أهدافهم من أجل حياة رغدة ومستقبل مُشرق وخدمة لوطن معطاء وأمة مجيدة.
ربما يرفع بعض الشباب في هذه المرحلة مبدأ “لن أعيش في جلباب أبي” مُتخليًا عن كل الصفات والأخلاقيات التي حرص أبويه على غرسها فيه خلال المراحل السابقة، وربما يظن بعض الآباء والأمهات أنّ أبناءهم صاروا رجالا بعدما التحقوا بالجامعة فتقل مراقبتهم لهم، أو توجيهاتهم الحكيمة، غير مدركين التباين الشاسع بين بيئة التعليم في المدارس وبيئة التعليم في الجامعات.
همسات في أذن طلاب الجامعة
لذا نسوق بعض الهمسات في أذن طلاب الجامعة قبل بدء العام الدراسي الجديد، فهم جيل يسارع لبلوغ المستقبل، ويحمل هم أمته والرقي بوطنه، ورسم صورة مشرقة لمستقبل هذا الوطن، فنقول لكل منهم:
- ارسم شخصيتك بأدب: الجامعة عالم مفتوح يستطيع الطالب التحرر كثيرًا من القيود التي كانت مفروضة عليه في التعليم ما قبل الجامعي وفي البيت، لذا وجب عليه أن يجعل معيار حريته تعاليم دينه، وحدود أخلاقه، وخوفه من الله سبحانه، وليعلم علم اليقين أنه بوصوله لهذه المرحلة السنية وبهذا التفوق الدراسي – أن الله تعالى قد حباه من الفطنة ورجاحة العقل ما يجعله يفهم الحقائق والمستجدات.
- تخير ما ينفعك وينفع وطنك: فكثير من الطلاب لا يختار ولا يرسم مستقبله ويرضخ لضغوط والديه في الالتحاق بالكلية التي يراها الأب مناسبة لا التي يرى الطالب نفسه فيها ويحبها لأن كثيرًا منهم لم يتعود اتخاذ القرار في الأمور الحاسمة في حياته بنفسه، إنما كان الاعتماد دائمًا على الأبوين أو أحدهما، وسيتطلب ذلك منك حُسن تحديد أهدافك، وتقديم أولوياتك، وحصر إمكانياتك، وتسديد الثغرات، والتخلص من السلبيات.
- اعرف نفسك: يظل دور الأبوين مهم في مراحل حياة أبنائهم، ومن ثم يجب أن نُربي أولادنا على جوانب المعرفة التي بدأت تتلاشى لمصلحة التكنولوجيا الحديثة والألعاب التي غزت بيوتنا وعقول أبنائنا على الأجهزة الذكية، فالافتقاد إلى مقومات دخول مجتمع المعرفة، يعني افتقاد الطلبة للمهارات والقيم ذات العلاقة بالأبعاد المعرفية، والوجدانية، والاجتماعية، والشخصية، التي يتطلبها دخول هذا المجتمع.
- الوقت هو الحياة: ينطلق الطالب بعدما يلتحق الجامعة في عالم الحرية المطلقة فلا رقيب عليه في حضور المحاضرات أو لا، كما تقل الرقابة في حدود العلاقات التي يكونها في الجامعة، أو في العودة إلى البيت، وهى عوامل قد تهدر الوقت، ولذا يجب ضرورة تثمين الوقت، فأكثر الطلاب الذين فشلوا ولا زالوا يفشلون هم ممن لم يفقهوا قيمة الوقت ولم يحرصوا على تنظيم شؤونهم الحياتية والتوفيق بينها وبين مواقيت مراجعاتهم لدروسهم.
- واجه المواقف بثبات ويقين: المجتمع الجامعي مختلف تمام الاختلاف عن المجتمع المدرسي وعن المجتمع الخارجي وأنه سيقابلك في حياتك الجامعية مواقف مُتباينة يحار أمامها العقل السوي، هذه المواقف تتطلب منك الحكمة والتروي وحُسن التصرف وعدم الانسياق وراءها، كما سيقابلك من أصناف الناس وسلوكياتهم ما لم تألفه فلا يخدعنك بريق صنيعهم، ولا تنجرف وراء معسول كلامهم، واستعِن بالله تعالى على كل ذلك، ولا يعيبك السؤال وأخذ المشورة ممن سبقوك من الثقات ومن هم أكبر منك سِنًّا.
- حاور بأدب: يظن طلاب الجامعة أنهم بالتحاقهم بالمرحلة الجامعية يحق لهم الحرية في التصرفات، وفرض الرأي على الآخر، لكن يجب أن يدركوا أن لغة الحوار الهادف هي سمة للتعايش الطيب فترة الجامعة، ونيل حب وتقدير الجميع سواء من الطلاب أو الأساتذة.
- احرص على التوازن في شخصيتك: فلا يطغى جانب على آخر، فكن قوي الجسم، مَتين الخُلُق، مُثقف الفكر، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مُجاهدًا لنفسك، حريصًا على وقتك، مُنظمًا في شؤونك، نافعًا لغيرك.
- احرص على المعرفة وإن كانت مشقة: فقد تشعر بقليل من الوحشة في طريق مكتبة كليتك الخاصة أو مكتبة الجامعة لقلة سالكيه، لكن لا داعٍ للقلق، فالزيارات الدائمة لمحيط المكتبات العامة والخاصة تمدك بمصادر معلومات غير محدودة.
- عالج قصورك: لمتابعة خط سيرك الدراسي سواء في تقدمه أو تراجعه، حاول الحفاظ على جميع أوراقك الامتحانية مع كل فصل دراسي، مرفقة بما تمكنت من حصاده من درجات في كل مرة، وتدوين ما واجهك من صعوبات ومُسبباتها. راقب تطورك وحاول تحسين أدائك كلما تطلب الأمر.
- لا تؤخر دروسك: يظن الطالب في الجامعة أنّ بمقدوره مذاكرة دروسه في آخر شهر قبيل الامتحانات، أو ربما ليلة الامتحان كما يفعل البعض، غير أنّ ذلك الروتين يحرمك التطور الفعلي؛ فلا داعٍ لتأجيل عملك الجامعي حتى ليلة الامتحان، بل استمتع بعام كامل من البحث وطرح التساؤلات الجدلية وقراءة أكثر من وجهة نظر عن كل فكرة يُلقيها أستاذك.
نصائح إلى طلاب الجامعة
بعد أن مرّ الصغير بالعديد من مراحل التعليم، وحجز لنفسه مقعدًا وسط طلاب الجامعة الذين كانوا بالأمس من الناجحين والمتفوقين في الثانوية العامة، وجب عليه الإنصات إلى هذه النصائح ليستمر في النجاح والتفوق:
- عليك الاجتهاد في هذه المرحلة التعليمية الجديدة، ووضع الاستراتيجيات، والحصول على ما يؤهلك لسوق العمل الواقعي والفعلي، والتفكير خارج الصندوق دون الالتزام بمقتضيات الوظائف، والتفكير في التطوير والارتقاء بالمستوى العملي.
- احرص على تعلّم كل ما هو جديد، ومطلوب للإعداد لما بعد الجامعة، ولا تجعل سقف طموحاتك الانتهاء من الجامعة للعمل في أي شيء.
- لا تنظر إلى الجامعة على أنها ميدان للهو والتسلية وإضاعة الوقت مع الأصدقاء تحت الأشجار وبين المقاهي!
- حافظ على نظافة جامعتك، ولا تترك مخلفات طعامك وشرابك في الممرات والقاعات وتحت المقاعد.
- اذهب إلى جامعتك وتفقّد كليتك التي ستلتحق بها، واجمع عنها المعلومات التي تُفيدك في التخطيط للتفوق، واقرأ عن سير العلماء التي تخرجوا فيها.
- حاول أن تكتسب المهارات المطلوبة في سوق العمل بالنسبة للمجال الذي تدرسه، قبل التخرج من الجامعة، لتوفر على نفسه فترة كبيرة من التدريب والبحث عن وظيفة مناسبة.
رسائل إلى الآباء
ورغم أهمية هذه الهمسات والنصائح في تشكيل وعي طلاب الجامعة قبل دخولهم هذه المرحلة الجديدة، فإن الآباء عليهم دور محوري في هذا الميدان:
- فيجب عليهم غرس معاني المسؤولية في أبنائهم، وأن يُدركوا أن هناك تحديات نفسية واجتماعية كبيرة تواجه الطالب، ما بين تساؤل يجول بخاطره عما إذا كان مؤهلًا لهذه المرحلة وكيف يتأقلم معها ويتفوق فيها ويصل إلى هدفه، فلا بُد من حُسن التعامل معه وتوجيهه التوجيه الصواب بالرفق واللين.
- وعلى أولياء الأمور أن يربوا أولادهم على جوانب المعرفة التي بدأت تتلاشى لمصلحة التكنولوجيا الحديثة والألعاب التي غزت البيوت والعقول، فالافتقاد إلى مقومات دخول مجتمع المعرفة، يعني افتقاد الطلبة للمهارات والقيم ذات العلاقة بالأبعاد المعرفية، والوجدانية، والاجتماعية، والشخصية، التي يتطلبها دخول هذا المجتمع، كما يعني أن العملية التعليمية في وادٍ، والتربية في وادٍ آخر، مع أن التربية سبقت التعليم على أساس ألا فائدة ولا قيمة لهذا التعليم من دون تربية ومهارات وقيم وثقافة عامة.
- ولا بُد من أن نعاون الطالب على تحديد هدف لبلوغه، فأكثر الطلاب يدرسون لتحصيل شهادة الإجازة، ولا يهمهم أي مسلك تأتيهم عن طريقه تلك الإجازة، ولو قمنا ببحث ميداني في الوسط الطلابي نسألهم عن طبيعة أهدافهم لصدمنا واقع وجود قلة قليلة قد سطرت أهدافها مسبقًا.
- كما أنه من الضروري تثمين الوقت، فأكثر الطلاب الذين فشلوا وما زالوا يفشلون هم ممّن لم يفقهوا قيمة الوقت ولم يحرصوا على تنظيم شؤونهم الحياتية والتوفيق بينها وبين مواقيت مراجعاتهم لدروسهم.
- تحفيزهم على المعرفة وزيادة الوعي الثقافي عن طريق تقدير أهمية المكتبة العامة وغيرها من المكتبات، وقد نصادف الكثير من الطلبة في المكتبات عاكفين على كتب، لكن القليل منهم يعرف طرق القراءة، وكيفية الاستفادة من الكتاب في أقصر وقت ممكن.
- تحريضهم على ضبط مهارات التعلم والتفكير والاهتمام ببعض الأمور الفنية مثل: الاعتناء بتحسين الخط، فمن المحزن حقًا أن نرى أنّ أكثر الطلبة لا يجيدون الكتابة الصحيحة.
المصادر
- همسة لطلابنا على أبواب الجامعة
- أبناؤنا على أعتاب الجامعة