يُعد الاهتمام المبكر بتنمية شخصية طفل ما قبل المدرسة بمختلف جوانبها وأبعادها، من المهام الأساسية التي يجب أن يعنى بها التربويون والقائمون على العملية التعليمية، لأن ذلك من أهم المعايير التي يُقاس بها رقي الأمم وتحضرها، فلا ينبغي أن يُترك الأطفال للنمو بصورة عشوائية دون تخطيط علمي دقيق ومنظم لأساليب تربيتهم ووسائل رعايتهم.
وفى بحثٍ لأستاذ أصول التربية المساعد بجامعة عمر المختار في ليبيا، فتوح محمود محمد فهيم، ناقش كيفية غرس القيم الأخلاقية وتشربها كمطلب تربوي في ضوء التصور الفكري لتربية الطفل في هذه المرحلة العمرية وذلك من زاوية نقدية؛ معتبرًا أن القيم الأخلاقية لا تفرض على الطفل وإنما تنبع من صميم الحياة التي يعيشها، مع فهم أهمية رياض الأطفال كحلقة وصل بين البيت والمدرسة.
أهداف تربية طفل ما قبل المدرسة
ويسعى المربّون والقائمون على مرحلة رياض الأطفال وتربية طفل ما قبل المدرسة إلى تحقيق بعض الأهداف، وهي:
- تدريبهم على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس، وخَلق دوافعهم الإيجابية للعمل.
- تنمية القدرات الإبداعية لدى الأطفال.
- تعويدهم حب الجماعة والعمل التعاوني.
- إمتاع الأطفال في جوٍّ من الحرية والحركة.
- إكساب الأطفال المعلومات والفوائد المتنوعة، باللعب والمرح.
- المساهمة في حلّ كثيرٍ من مشكلات الأطفال مثل: الخجل، والانطواء، والعدوان.
- إطلاق سراح الطّاقات المخزونة عند الأطفال وتفريغها بطريقة إيجابية.
- توطيد العلاقة بين الطفل ومعلميه خلال التفاعل معه بصورة فردية.
- تنمية القيم والآداب والسلوك المرغوب عند الأطفال، وتنمية الثقة بالنفس.
ويتمثل الدور التربوي لرياض الأطفال في مساعدة الطفل على:
- تعليمه احترام الحقوق والملكيات الخاصة والعامة.
- تنمية قدراته على حل المشكلات.
- تنمية شخصيته من النواحي الجسمية، والعقلية، والحركية، واللغوية، والانفعالية، والاجتماعية.
- التعبير عن نفسه بالرموز الكلامية.
- التعبير عن خيالاته وتطويرها.
- الاندماج مع الأقران.
خصائص مرحلة تربية طفل ما قبل المدرسة
وتتطلب هذه المرحلة من حياة الطفل شروطًا أساسية في المحيطين به، وتتمثل في معرفة اهتمامات الطفل وميوله وكفاءاته وقدراته وحاجياته ورغباته؛ حتى يتسنى لهم التعامل مع الطفل تعاملًا مُلائمًا يُساعده على نموه السليم، لذلك يجب أن تتسم مرحلة تربية طفل ما قبل المدرسة ببعض الخصائص، منها:
- مساعدة الطفل لكي يتعرف إلى أجزاء جسمه، واكتشاف قدراته الحركية وتعبيراته الجسدية المتنوعة.
- ومساعدته على ملاحظة الظواهر الاجتماعية والعلاقات السائدة بين أفراد مجتمعه، وتمكينه من غرس وتشرب الأساليب السلوكية والقيم.
- تشجيع ميول الأطفال التلقائية للاستطلاع لمعرفة المحيط، واكتشاف خصائصه ومميزاته، ونوع العلاقات التي تربط بين أفراده.
- الاستجابة لحاجات الطفل الجسدية والنفسية والاجتماعية والمعرفية.
لكن نجد أنّ العديد من المُعوقات والمشكلات المختلفة – تتجلى أغلبها في الفقر والتخلف والأمية والجهل وتقلص دور الأسرة- تدفع المحيطين إلى اتباع أساليب مختلفة في تربية أبنائهم، تتنوع بين التسلط والتساهل والتشدد، والحماية المفرطة أو التذبذب بين المواقف المختلفة.
وأمام هذه التأرجحات المختلفة نجد أننا لم نُحقق مفهوم التربية الإسلامية كتربية عملية، وبهذا لا قيمة لمعرفة نظرية أو إيمان لا يتبعه عمل بمقتضاه، وهناك عدد من الآيات القرآنية التي تؤكد هذه الخاصية، قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (البقرة: 44)، ومن ثمّ إذا وَضَح التصور الفكري لدى المحيطين بتربية الطفل في هذه المرحلة، كان الوعي التام بغرس القيم الأخلاقية من خلال الاستراتيجيات التالية:
- الربط بين العلم والعمل، وبين الإيمان والسلوك.
- التوعية والتحسس.
- المراقبة الذاتية، والأخذ بقواعد التربية الإيمانية الأساس فيما يتعلق بأصول الصحة النفسية.
- العلاقات الاجتماعية بين الأبناء والمحيطين بهم بالقدوة.
- تحقيق مبدأ العدل والمساواة في المحبة والمعاملة، دون تمييز بين الذكور والإناث.
- التوعية بسيكولوجية الطفل كاستراتيجية هادفة للمستقبل.
آليات غرس وتشرب القيم عند الطفل
أما عن آليات غرس القيم الأخلاقية في مرحلة طفل ما قبل المدرسة فهي تتمثل في التالي:
- النموذج أو القدوة: فالوالدان هما قدوة الطفل ومنبع القيم الأول لديه، يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه” (صحيح ابن حبان)، ومن الضروري أن يكونا نموذجين صالحين يتمثلان تلك القيم في سلوكهما.
- التقليد: وتلك آلية مهمة في نمو الطفل ونضجه، فعن طريق تقليد الحركات الصحيحة يتعلم الطفل المشي ويكتسب المهارات، اللغوية والمعارف والسلوكيات الاجتماعية المقبولة، وسلوكيات النمط الجنسي الذي ينتمي إليه، والعادات الصحية السليمة وغيرها.
- النصح والإرشاد: فالنصيحة لها أثرها النفسي الكبير في نفس الطفل عندما تصدر من شخص تربطه به علاقة المودة والاحترام والتقدير، كالوالدين، والمربين، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يُباشر أسلوب النصح والإرشاد للمسلمين في أمور دينهم ودنياهم، ولا بُد من التيسير واللين في النصح والإرشاد والابتعاد عن التصنيف والذم.
- الثواب والعقاب: يكافئ الوالدان طفلهما حينما يقوم بالسلوك المرغوب فيه، أو معاقبتهم على السلوك السيئ، وعليهما أن يناسبا بين حجم المكافأة والسلوك المرغوب؛ حتى لا تتحول المكافأة إلى غاية يسعى إليها الطفل من دون الالتفات إلى سلامة السلوك المقبول.
- الممارسة والتدريب العملي: وهذا مدخل مهم إلى تعلم وغرس القيم والفضائل وآداب السلوك الاجتماعي، وهي أساس التربية السلوكية الصحيحة، وقد استخدم الإسلامُ التدريبَ العملي أسلوبًا من أساليب التربية؛ لغرس واكتساب القيم والعادات السلوكية الفاضلة، فقد أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم- المسلمين أن يأخذوا عنه كيفية أداء العبادات.
- القصص: للقصة أثر نفسي عميق، وبخاصة إذا ما وُضِعَت في إطار مُشوّق يشد الانتباه ويُؤثر في العواطف والوجدان، فيتفاعل معها الطفل ويتقمص بعض شخصياتها، وبهذا يستشعر انفعالاتها ويرتبط نفسيًّا بالمواقف التي تُواجهها، وهذا ما يثير فيه النوازع الخيرة، وينعكس في سلوكه وتصرفاته.
- قلة الحرمان العاطفي والجنوح: لم يعد هناك شك بشأن العلاقة بين الحرمان العاطفي والانحراف، حيث أثبتت العديد من الدراسات مدى تَكرار التصرفات غير المتكيفة في مؤسسات رعاية الأطفال (المحرومين عاطفيًّا)، كما أنّ الممارسة العملية تُظهر أنّ معظم الجانحين والمتشردين يعانون من أحد أشكال الحرمان الدائم أو المحدد بفترة زمنية من حياتهم.
ومن الأمور التي تُجنب الأسرة المسلمة ظاهرة الحرمان العاطفي للطفل:
- إشاعة مبدأ التعاطف والتسامح والأخوة والتكافل والتعاون بين أفراد المجتمع الإسلامي، والحث على ما يزيد من هذه الروابط.
- تشريعات قانونية تحمي الطفل وحقوقه في الإسلام بصورة عامة، وتوفر سورًا من الرعاية والاهتمام به.
- الإعداد النفسي والاجتماعي للزواج في الإسلام لا تبدأ من فترة الخطوبة بل تبدأ من فترة الطفولة.
- تشريعات اقتصادية تكفل حياة كريمة لليتيم في المجتمع الإسلامي؛ لينمو سليمًا معافًى من أي انحراف نفسي أو اجتماعي.
تغذية الطفل وحمايته قبل مرحلة المدرسة
وعلى المربين وأولياء الأمور تغذية طفل ما قبل المدرسة وحمايته من الأخطار، ذلك لأن هذه المرحلة يحاول فيها الطفل الاستقلالية، وتجربة كل شيء يظهر أمامه ما يعرضه لإصابات كثيرة، بل ربما يتعرض للوفاة بسبب الغرق أو الحرق أو التسمم، أو حوادث السيارات، لذا لا بد من مراقبته جيدًا.
ولأن هذه المرحلة يبني فيها العادات، فلا بد من الاهتمام بتغذية الطفل، وتعويده على تناول كل مفيد، وإبعاده بقدر الإمكان عن الأطعمة الجاهزة والتي تحتوي على سكريات ومكسبات طعم، حتى لا يتضرر جسمه الصغير، ويجب تقديم الأطعمة الطبيعية، خصوصًا الفواكه والخضروات، والأطعمة التي تجهزها الأم في المنزل، والتركيز على الطعام الغني بالكالسيوم والحديد والفيتامينات، وجميع العناصر التي يحتاج إليها جسم الطفل لينمو بشكل طبيعي.
المصادر:
- خصائص النمو الطبيعية للطفل قبل المدرسة .
- سعد مرسي وكوثر كوجك: تربية الطفل قبل المدرسة، ص 189.
- يحيى درويش: دور الحضانة من الألف إلى الياء، ص 50.