السؤال
نحن أمهات لأبناء لديهم مشاكل في النمو، وبرغم أن كل طفل له مشكلة مختلفة عن الآخر، إلا أن ما يجمعنا هو احتياجنا لمن يوجهنا لكيفية التعامل مع تأخر تطورهم على اختلاف حالاتهم، فقد أصبحت جلساتنا معًا تمدنا بطاقة سلبية من فرط ما تشكو كل أم، فكيف نستفيد من اجتماعنا هذا بحيث يكون إيجابيًا داعمًا أكثر ما يكون محبطًا؟!
ما هي الطرق الفعالة للتعامل مع تأخر تطور أطفالنا وكيفية رعايتهم في شتى الجوانب، حيث إن الجانب الصحي لمتابعتهم يستنفد طاقتنا؟!
وكيف نعرف احتياجاتهم وبعضهم ليس لديه القدرة على التعبير.. نخاف أن نظلمهم؟!
الرد
بداية، تأخر تطور الطفل هو عدم اكتسابه المهارات التي يجب أن تكتسب في عمر معين، ولا يعني هذا التأخر أن الطفل لن يكتسب المهارة مطلقًا، فكل مهارة منذ الميلاد لها مدة من الزمن يستغرقها الطفل حتى يتقنها، مع مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال، فالنمو التطوري يختلف من طفل لآخر، متى نقلق إذًا؟!
عندما يتخطى الطفل أقصى مدة مألوفة ولم يتعلم المهارة، هنا يجب أن يكون للأهل وقفة ومتابعة، وتبدأ رعاية الأطفال من حيث نموهم وتطورهم وهم أجنة، فبعض الأشعات المتطورة تتعرف على أنواع معينة من الخلل، والذي يمكن التدخل في علاجه أثناء الحمل، ثم في لحظة الميلاد، يعرض المولود على طبيب أطفال يفحصه جيدا ويتأكد من عمل الوظائف الحيوية بشكل كامل، هذه الفحوصات هدفها التدخل المبكر إذا ما تم اكتشاف شيء لا قدر الله، والاطمئنان على سلامة الطفل في شتى جوانبه، كما أنه أصبح لزامًا، عمل تحليل الغدة الدرقية في اليوم الرابع من ميلاد الطفل بأخذ عينة من كعب القدم وتحليلها، و نستشف مما سبق ضرورة الكشف المبكر عن أي خلل.
يستمر الأهل في رحلة متابعة نمو وتطور الرضيع (حركيا)، بداية من رد فعله عند تعرضه للضوء، وسماعه للأصوات بجانبه، وتحريك رأسه ورفعها من على السرير، ثم التقليب في الفترة ما بين 3 – 5 أشهر.
ثم الزحف في الفترة ما بين 6 – 9 مع العلم أن الزحف مرحلة غير أساسية في التطور، يتخطاها بعض الأطفال ويدخلون على مرحلة تعلم المشي.
وفي نفس عمر الستة أشهر يبدأ تعلم الجلوس، فلا يتعلمه من تلقاء نفسه، هو يبدي استعدادًا والأهل يضعون الوسائد من حوله، قد يتأخر البعض في تلك المرحلة، فنراقب التطور، إذا بلغ عمر السبعة شهور ولم يجلس نبدأ في مراجعة المختصين ولا داعي للذعر، يبدأ في تعلم الوقوف حول عمر العاشرة، ثم المشي في عمر الحادية عشر، حتى السنة وشهرين، كل هذا التأخر مقبول، فإذا لم يتطور، نراجع الطبيب، يتضح مما سبق طبيعة النمو الحركي لدى الطفل، يلزمنا في هذه المرحلة، وعي بطبيعة المرحلة، والفحص المبكر لأي علامات تبدو مقلقة، وتذكر مسألة الفروق الفردية، وتأدية ما علينا كأهل والدعاء لهم بالسلامة والعافية.
نوضح في عجالة (التطور اللغوي) لدى الطفل كيف يبدو حتى نعرف شكل التأخر كيف يكون:
- عند عمر السنة والنصف ينطق الطفل الطبيعي كلمات مبعثرة ولا يكوّن جملًا، فإن بلغ هذا العمر ولم ينطق بأي كلمة، فتلك علامة يجب التوقف عندها.
- عند عمر السنتين يتطور النمو ويردد الطفل جملًا من كلمتين، وعند الثالثة يستطيع تكوين جملة من ثلاث كلمات، قد لا يكون الكلام مفهومًا للعامة، ولكن مفهوم للأهل، فلا بأس هذا أمر طبيعي.
- النمو الاجتماعي من من الأمور المهمة كذلك، فتجب ملاحظة لغة عينه بتتبعه لأمه وللمقربين، ثم بعد التلفت بالعين، تأتي مرحلة الميل بالجسد نحو الآخرين، ثم التبسم للمعارف والخوف من الأغراب، فهذا أمر طبيعي ومن غير المحمود في تلك المرحلة تركه مع الأغراب بغير ضرورة.
- ثم تأتي مرحلة تفاعله مع الأطفال في مثل عمره تتزامن مع تعلمه للجلوس ورؤيته للمحيطين بشكل أفضل.
- التفاعل الاجتماعي الجيد دلالة كبيرة على خلوه من مرض التوحد، فلا تقل أهمية متابعة تطوره عن متابعة تطور حركته وكلامه.
- نأتي هنا إلى مهارة أخيرة، وهي (تطور نموه الإدراكي)، ويتضح ذلك من خلال اللعب، على أن يكون هذا اللعب مناسبًا لمرحلته العمرية، وأن يكون لعبًا تفاعليًا، ولعبًا بأدوات ومن غير أدوات، كما يستحب أن نترك للطفل القيادة في اختيار ما يلعب، فنعرض له مجموعة من الأشياء ويختار منها، مع ملاحظة الأهل لعمل حواس الطفل السابقة أثناء اللعب، فهو أمر في غاية الأهمية ويوضح تحسن تطور نمو الطفل من عدمه.
من جميع ما سبق يتبين لنا أن مخالطة الطفل أمر ضروري، ولا يجب أن تشغلنا المشاغل عن أداء ما استخلفنا فيه: “كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته”، لكن ماذا لو تبين لنا في أي مرحلة من المراحل أن طفلنا لديه مشكلة تأخر حقيقية في التطور، حينها علينا:
- الرضا بقدر الله أولًا وأخيرًا والتسليم بأن ليس لنا من الأمر شيء، و أن أقدار الله ماضية ماضية، فنقابلها ونحن مسَلِّمين راضين.
- الاعتراف وعدم إنكار المشكلة يسرع من اتخاذ الخطوات الواجبة في حق الطفل، من عرضه على طبيب أو متخصص، وقد عانى بعض الأهل من التطورات السيئة لحالة أبنائهم بسبب حالة الإنكار هذه.
- الاستعانة بالله وتذكر المثوبة والأجر حال الاصطبار، متذكرين قول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: (إذاابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ، فَصَبَرَ؛ عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ)، نفهم من هذا الحديث الصبر على البلاءات الشديدة ثوابه عظيم.
- المسارعة في أخذ الخطوات العملية للعلاج سواء بالذهاب لمختص المخ والأعصاب، أو العلاج الطبيعي، أو العلاج السلوكي، حسب كل تأخر وما يستدعيه، فعامل الوقت مهم.
- الطمأنينة طالما أخذنا بالأسباب، ويفعل الله ما يشاء، فالسكينة هذه مردودها عليكم كأهل وعلى الطفل أمر في غاية الأهمية.
- إحاطة أنفسنا بمجموعات دعم، وسؤال من سبقونا في هذا الأمر، فخبرات السابقين تختصر مسافات نفسية وزمنية.
- مشاركة جميع أفراد الأسرة في علاج الطفل، فبعض رحلات العلاج طويلة، فمن غير المناسب أن يتحمل فرد واحد المسئولية، ثم إذا اشتكى لم يجد معينًا، لأن أحدهم ببساطة لم يعتد على حمل المسئولية.
- الاشتراك في مشروع علاج مع أية جهة مختصة حتى لا تقف التكاليف المادية عائقًا أمام الاستمرارية.
- أن نحفز الشخص المسؤول عن متابعة حالة الطفل للتقديم على برامج دعم نفسي، والالتزام مع صحبة تهون الطريق، وتدارس كتاب الله تعالى، والسنن الإلهية، خصوصًا سنة الابتلاء.
- اليقين في أن الشافي هو الله، فسبحانه يشفي بسبب وبغير سبب.
أشرنا فيما سبق إلى أسس عامة في التعامل مع الطفل المتأخر في التطور، وإليكم بعض النقاط العملية المتخصصة أكثر وأكثر:
- النظر إلى مهارات الطفل الحالية وتقسيمها إلى نقاط قوة ونقاط ضعف، هذا المسلك يشبه المثل القائل النظر إلى نصف الكوب الملئان، ففيه hعتراف مهم بأن الضعف جزء من حالة الطفل، وليس كل الحالة>
- الاستفادة من نقاط القوة وتطويرها، يعتبر سلاحًا مهمًا في دعم تطور الطفل نفسيًا وعمليًا، فلا نسعى لعلاج تأخر كلامه مثلًا، ونهمل مهارته الحركية، بل نعمل على التوازي.
- من المهم معرفة خطة العلاج بصورة كلية، لكن حين التنفيذ علينا تتبع الأمر خطوة بخطوة، التمهل وإتقان الخطوة الحالية أولى من التلهف على الانتقال إلى ما بعدها.
- من الخطأ أن يكون هدفنا اللحاق بمن في مثل سنه، المهم أن نركز على تطوره وعدم مقارنته بالآخرين.
- عدم التأخر في الاستعانة بالأجهزة التعويضية فكثيرًا ما تساعد في تطور تحسن الحالة، ابحثوا كثيرًا عن آخر ما توصل إليه الطب في مجال حاجة أبنائكم.
- تعد القراءة كنزًا في الوصول إلى معارف مهمة ونقل تجارب السابقين، فكونوا أصحاب همم تنفعون أنفسكم وغيركم.
- قد ننس في خضم المسئوليات تعزيز تطور الطفل، اسألوا المختصين عن وسائل تعزيز التطور المناسبة.
وإليكم إشارات سريعة لخطوات عملية مع التعامل مع نقص مهارات بعينها:
أولًا: المهارات الحركية: الاستعانة بالأجهزة التعويضية المناسبة، ولا ضرورة دائمًا للشراء فقد أصبحت مواقع تبادل السلع منتشرة حتى لا تثقلوا على أنفسكم.
ثانيًا: مهارة التطور اللغوي: استخدام التواصل الغير لفظي، والتحدث مع الطفل بكلمات موجزة مكررة، ولفت انتباه الطفل باستعمال اسمه في أول الجملة، ومنحه الوقت الكافي للاستيعاب والتنفيذ، وتسمية الأشياء بأسمائها كل مرة وعدم الاستسلام للإشارة عليها فقط.. وثمة قاعدة مهمة في تعزيز تطور اللغة تنبه إلى ضرورة استخدام أدوات الاستفهام التي تعطي إجابات مفتوحة لا مغلقة (فبدلًا من أن تقول: هل أعجبك الطعام؟ اسأله مثلًا: ما رأيك في الأرز؟ ستحصل حينها على حوار بدلًا من الإجابة بكلمة واحدة).
ثالثًا: مهارة التطور الاجتماعي: اصطحبه في الخارج حتى وإن كان من أصحاب الإعاقات المعقدة، فالاختلاط بالمجتمع يكسر رهبة داخلكم ككبار مسئولون، كما ييسر للطفل حياة أقرب للحياة الطبيعية، وفي بعض حالات التأخر يوصي فيها الطبيب بالدمج وبعضها لا ينفعه، اتباع توصيات الطبيب يجنبنا الوقوع في تطورات سيئة.
رابعًا: تطور مهاراته الذاتية: كأن يأكل بمفرده، ويرتب حجرته، وغيرهما، وقد يحتاج الطفل لتقديم نموذج، ثم تقسيمه لخطوات يسيرة، وتركه يمارس في حضور الكبار، ثم الانسحاب لنقطة أبعد في كل مرة، مع تقديم الدعم والمكافئة.
هذه إضاءات ولمحات سريعة، والساحة تمتلئ بتفاصيل أكثر لتناسب كل حالة، ولا يسعنا إلا أن نذكّر من ابتُلي بطفل من ذوي القدرات الخاصة أن الله قد اختصه بباب مختلف فيه المثوبة والأجر، فليكن على يقين أنه سبحانه إذا كلف أعان، وأننا إذا أخلصنا النوايا أرشدنا الله الحيل، فكم من أمهات لأبطال بدأوا حياتهم متأخرين عن أقرانهم، ثم سبقوهم بل تجاوزهم في أحيان كثيرة، حينما ترك الأهل الحزن والوهن، وعلموا أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، فكلها ألطاف الله تجري على خلقه، ولا نملك إلا أن نقول: رضينا يارب.
أعانكم الله جميعا وسدد خطاكم، وجزاكم الجزاء الأوفى.