ابن أختي في السادسة من عمره وعندما قَدّمت أمه له السندويتشات لكي يأكلها؛ رفض أكلها، وقال إن السندويتشات تبكي وتتوسل إليه ألا يأكلها؛ وأختي منزعجة جدًا من أن يمتنع ابنها عن الأكل كلية إذا استمر في هذا التفكير، فما الحل؟
قبل أن نجيبك ما الحل، علينا أن نوضح أن الطفل دون السابعة لا يستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال، وهو إما يقلد أطفالا حوله، أو يشاهد كرتون (الرسوم المتحركة) ويردد ما فيه، أو أنه طفل ذكي خياله واسع، ويرفض الطعام بهذه الطريقة.
وفي كل الأحوال علينا ألا ننزعج ونقطع عليه طريقته، بل ننسجم معه، وقد نجيبه بنفس الطريقة ، ونقول مثلا: (أسمعها تقول أود أن أسبح في أمعائك يا صديقي)، ولا يعد هذا كذبا، بل مجارة لخياله، ونزولا لمستوى حواره وفهمه.
يقول أينشتاين: (القدرة على التخيل أهم بكثير من المعرفة)، تخيلي لو رفض الطعام بقول: (لا أريد أن آكل)، ربما يحدث بين الأم والطفل شد وجذب، بينما مجاراته تجعل الحوار ممتعا، وتذهب بخيال الطفل لأبعد مما قال، فيحدث له نماء لغوي وفكري وينمو إبداعه ويتطور.
قد نحرص كأهل على تزويد أبنائنا بالمعرفة، بينما لا نهتم لتنمية خياله والتفاعل معه، بل نقلق لأجل إجاباتهم المبدعة، ويخاف بعض الأهل ويترجمون هذا النوع من التواصل، بتواصل أبنائهم روحيا مع كائنات غيبية حينما يشاهدونهم يتحدثون مع الدمى، ويتكلمون مع أنفسهم.
طالما الطفل طبيعي في العموم، فهذه التصرفات تترجم في مساحة الخيال، الخيال وفقط ولا داعي للخوف والقلق، بل علينا أن ننمي خياله وذلك من خلال:-
- القصص: لا يفضل أن نحكي قصص المعجزات والأبطال الخوارق قبل هذا السن، لعدم تفريقهم بين الحقيقة والخيال، فكم من أطفال تأثروا بما يشاهدون من قصص بطولات وهمية، وقلدوهم وعرضوا حياتهم وحياة الآخرين للخطر، فانتقاء المحتوى الذي يشاهدونه أمر في غاية الأهمية.
- اللعب: من خلال الألعاب التفاعلية، كلعبة الطبخ- على سبيل المثال- ويفضل أن تكون بأدوات حقيقية حجمها مناسب للطفل، فالمحاكاة من خلال اللعب، تظهر جوانب خفية في شخصية الطفل، لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال اللعب، كما أن اللعب بالدمى وتشخيصها بأسماء أسرته وأصدقائه، يساهم في فهم علاقته بالأشخاص من حوله، ومشاعره نحوهم ويعالج أية تراكمات نفسية لديه.
- التفاعل مع الطبيعة: الانطلاق في البراح ينمي خياله، ويدخل مفردات مختلفة لدى الطفل، فاصطحاب الأبناء في الطرقات والحدائق أفضل لهم ألف مرة من بقائهم يشاهدون كارتونا خياليا بعيدًا كل البعد عن واقع يفيدهم.
- الرسم: سواء طلبنا منه أن يعبر عن شيء محدد، أو تركنا له حرية التعبير عما يجول في خاطره، ستفاجئين بتفكير الطفل وتصوراته عن الآخرين، ثمة علم يعمل على تحاليل رسوم الأطفال من فرط أهميتها.
يضرب أحدهم مثالا عن أهمية الخيال؛ فيكي أن رجلا قام بتجربة على مجموعة من الأطفال يستعدون لمباراة وقسمهم على ثلاث مجموعات:
- مجموعة تدربت قبل المباراة،
- ومجموعة لم تفعل شيئًا،
- ومجموعة أخذت تتخيل المباراة وأحداثها،
فوجدوا أن نتائج المجموعة الأولى والمجموعة الثالثة متقاربة في النتائج، الذين تدربوا بالفعل كالذين تخيلوا سير أحداث المباراة،
بالطبع لا ندعو للارتكان للخيال وترك العمل، بقدر ما نوضح أثره:
- الخيال هو حب استطلاع عقلي، فكما نسمح للطفل في العبث بالأشياء أحيانا لأنه يستكشف، كذلك نطلق لعقله الخيال يستكشف قدراته، وننسجم معه وندعمه ونشجعه.
- الخيال يخفف التوتر الناتج من أعباء الحياة،
- يدرب الاستشاريون النفسيون عملائهم أحيانا على نسج قصة من وحي خيالهم، يستحضر تلك القصة حين تعرضه للخوف أو التوتر، كإحدى الحيل النفسية الحديثة لتهدئة التوتر الناتج عن ضغوطات الحياة، كأن يتخيل نفسه جالسا في مكان طبيعي، يستمع لشيء محبب، من حوله أزهار وثمار معينة، وهكذا.
- لا ننس أن كثيرًا من النجاحات والأحداث المبهجة التي تحدث في المستقبل تكون نتيجة لخيالات وأحلام الصبا.
نختم كلامنا بأن نضع بين أيديكم محاذير علينا أن نتجنبها حيال تعاملنا مع خيال أبنائنا:
- يجب ألا نقاطعهم،
- ولا نسخر منهم،
- أو الدهشة بطريقة تجعلهم يفقدون الثقة فينا.
كما يجب علينا أن:
- نجاريهم،
- ونفهم دوافعهم،
- ونستفيد من تمتعهم بالخيال في كل نافع مثل فهم معاني القرآن،
- وأن نحرص على ألا يسترسل الطفل في الخيال معظم الوقت بدافع الهروب من الواقع؛ فحينها يصبح الخيال مشكلة تحتاج إلى معالجة،
- وكلما كبر نبدأ في التأكيد على الفرق بين الحقيقة والخيال، وندخل تدريجيا مفهوم الصدق، ولا نصف ما يقوله في هذه المرحلة أثناء الخيال أنه كذب.
حفظ الله على أطفالنا دينهم وعقولهم وأعاننا على حسن رعايتهم على الوجه الذي يرضيه عنا.