لدى طفلان في مرحلة التعليم الأولى، الكبير 10 سنوات والصغير 6 سنوات، هما طيبان وودودان ويحبان الناس ومؤدبان وذكيان، لكنهما فوضويان، وهذه الفوضوية لا تشمل فقط البيئة المحيطة بهما، لكني وجدتها تتمدد لتؤثر على تفكيرهما واستذكارهما وعلاقاتهما بالمدرسة والعملية التعليمية ككل، حتى إنهما رغم ما يظهر عليهما من علامات الذكاء الواضح سواء كان ذكاء تحليليًّا أو ذكاء اجتماعيًّا في التعامل على الناس، فالفوضى التي تسود حياتهما قد توشك أن تأتي على كل المكاسب التي حباهما الله بها!
السؤال: رغم علمي بطبيعة المشكلة وتأثيراتها، فإنني لا أعرف بالضبط الحل الصحيح والمنظم والسريع لعلاج الحالة؟ فهل يُمكن أن تساعدوني كموقع تربوي بمجموعة حلول منظمة وعملية ومجربة ومنطقية، لتلك المشكلة التي تؤرّق حياتي كأم تشعر أن لديها كنز يتسرب من بين يديها وهي عاجزة عن فعل شيء يوقف ذلك؟
الإجابة:
تذكرت حين قراءة مشكلتك مشهدًا في عيادة طبيب، الأوراق والكتب تعلو مكتبه بشكل عشوائي، لا يلبث أن يمسك ورقة حتى تنهار بقية الأوراق من فوقها وتهوي على الأرض!
أتخيل إشفاقك على وضع أبنائك الفوضوي بعين الواقع، مع إخبارك عن تميزهم، ويختصر مشهد الطبيب هذا ما قد يكون عليه مستقبل الأبناء إذا لم نبذل ما في الوسع.
عادة ما نغرسه في الطفل الأكبر، ييسر علينا عملية التربية مع بقية إخوته.
وفي التربية لا نقول قد فات الأوان، فنجتهد مع الصغير ومع الكبير، وأيهما تشرب الصفات الجديدة من النظام والترتيب تسبب في غيرة حسنة، وقلده الآخر، فاستبشري خيرًا.
بعض القواعد التي تتبعها الأم وكذلك الأب ومع الاستمرار عليها ستؤتي أكلها بإذن الله:
- ترديد كلمات النظام مثل (كل شيء له مكان يأتي منه ويعود إليه)، (ما يتم إنجازه في عشر دقائق لا يتأخر عن عشر دقائق)، فترديد هذه العبارات مع تدريبهما على التنظيم، يؤكد المعاني لديهما، ويريان قدوة عملية تغنيهما عن ألف كلمة.
- التدرج: تدرّجي في تعديل السلوك، وابدئي بالأوْلى، فضبط وتنظيم الأشياء الخاصة بهم أولى من تنظيم غرفة المعيشة، فيبدآن من خلال جدول فيه خانة لتنظيم السرير، ووضع الطبق في الحوض، ووضع الحذاء في مكانه، فمثلا نلاحظ ونقيّم ونقوّم ونشجع طيلة أسبوع، ونغض الطرف تمامًا عن باقي أشكال الفوضى. وفي نهاية الأسبوع نحيي تقدمهم ونلفت النظر بحب عن جوانب التقصير، ثم نزيد خانات النظام لاحقًا، وهكذا.
- القوانين الصارمة: فحينما نؤكد على بعض القوانين الخاصة بالتنظيم، ويجدون عدم التهاون فيها، تصل إليهما رسالة الجدية.
ويا حبذا لو أشركناهما في وضع القوانين، هذا ما ييسر عملية التنفيذ، ويجعلنا نتفهم لماذا هما فوضويان، لعلنا نكتشف أن ثمة خطأ في تصميم المنزل لم يضع في الاعتبار حرية حركتهما.
أو لعلك تكتشفين أنك بحاجة إلى مزيدٍ من الصناديق لوضع ألعابهما، والحوار معهما يكشف لك عن أسباب الفوضى لديهما.
- الحرية: القوانين مهمة ولازمة في عملية التربية، كما أن الحرية مهمة، فامنحيهما أوقاتًا بلا رقابة.
تحكي أم عن اكتشافها حب ابنها لتقطيع الورق، فأصبحت تجمع الأوراق المطلوب التخلص منها وتترك طفلها ينهم ويتلذذ بتقطيع الأوراق غير المهمة، في نظرية تُعرف باسم التكرار السلبي، حتى إذا ما قطع أوراقًا كثيرة غير مهمة، تجنبنا أن يُفسد أوراقنا المهمة.
ويشعر حينها الطفل بالحرية، فلا يحتاج لأن يختبئ أسفل المكتب، كي ينهم مما حرمناه منه (كتقطيع الورق كما في المثال).
ماذا لو طفلك يحب التلوين مثلًا، وتخافين من نتائجه الكارثية؟
عليك إشباع رغبته، ولكن مع تأمين المكان، ولو ضاق المنزل بمهارة الأطفال وهوايتهم، يمكن أن نرتب يومًا مخصوصًا لذلك خارج المنزل (في حديقة عامة/ أو في النادي)، يلونون بألوان المياه، ويلعبون حرب الألوان، فيتكون لديهم أن هذه الأماكن هي المناسبة لتلك الأنشطة، وليس المنزل، ولا نكون قد حرمناهم من عيش مراحل طفولتهم خوفًا على المنزل!
النظام سلوك يُعلّم، ولا يُولد طفل متعلم بطبعه، ويوجد طفل لديه استعداد للتعلم، ونحن مَن ننميه أو نطمسه.
ولا شك حينما ندخل مفهوم النظام في حياة الأطفال، ونؤكد عليه، ونعززه، سينعكس ذلك على تفكيرهم، وبالتالي مستواهم الدراسي.
- التعلم من خلال اللعب: فإدخال أي مفهوم عن طريق اللعب، يُعد من أيسر الدروب، فبدلًا من أن نقول للطفل نظم المكعبات، نقول جمّع اللون الأحمر معًا، واللون الأصفر معًا، وهكذا، فسيجد متعة وحماسة أفضل من لو قلت جمع المكعبات!
أخبري طفليك أن يرتبا كتبهما من الأطول للأقصر، ومن الأكبر للأصغر، بدلًا من طلب ترتيب الكتب فقط، سيتحمسان لأنها في صورة لعب.
تسابقي معهما، وأخبريهما أنك سترتبين المطبخ، وهما سيرتبان حجرتهما، وسنرى من منا يسبق، ستدب الحماسة في قلبهما، وستجدين في تدريبهما متعة.
دعيهما يتأملان بداية سورة التكوير: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ) ويستنتجان كيف أن الله نظم الآيات بحيث تسير من الأعلى ارتفاعًا حتى الأدنى ما يسهل لنا حفظها إذا ما تخيلناها.
اجعليهما يرسمان مفردات الآيات، حديثهما عن عظمة البديع الخالق، خلق الكون في نظام معين، وهذا درس لنا، فيجب ألا نحيا في عبث!
وبذلك نكون قد علمناهما وأدخلنا لهما مفهوم النظام، من خلال ترديد بعض العبارات التي تشجع على النظام، واستحضار مشهد الأب القدوة والأم القدوة، ووضع القوانين الجادة، وإتاحة أوقات وأمكنة يمكنهما فيها اللهو المحدث لبعض الفوضى، كما نكون مارسنا معهما التعلم من خلال اللعب، فيحصل المراد بإذن رب العباد، وكما يقولون (أخلصوا النوايا؛ ترشدوا الحيل).