ابنتي ذات الأربعة سنوات شقيه وحركية جدًا، ونحن نعيش في قرية وهى تخرج تلعب في الشارع طوال اليوم وإذا أحببت أن أدخلها إلى البيت تظل تبكي وتقاومني وترفض ترك اللعب والعودة إلى البيت، وأظل أفاوضها وأسترضيها للدخول، وكل المقربين منا يقولون أنني أظهر أمامها كأني ذات شخصية ضعيفة، وهذا يجعل منها شخصية أقوى مني بحيث لن تكون تحت سيطرتي فيما بعد إذا كَبُرَت على هذا الحال، والأغلبية ينصحونني بأن أستخدم الضرب لتهدئة حركتها وشقاوتها، بينما البعض يرى أنه لا داعى للضرب وأن التربية الحديثة ترى في الضرب وسيلة لإخراج إنسان خائف وجبان، فماذا أفعل؟!
عالميا كل 100 طفل، منهم 10 أطفال لديهم فرط حركة، ونصف هؤلاء يكون فرط الحركة عندهم أمرًا طبيعيًا ويختفي مع تقدم العمر، وأكثر الأطفال ما بين الثانية والرابعة- أي في مثل سن ابنتك- لديهم فرط حركة؛ لأنه سن الاستكشاف، فهم يتعرفون على العالم من حولهم من خلال الحركة.
في ضوء المعلومات السابقة يتعين علينا أن نوضح لكِ أيتها السائلة الكريمة، متى نعتبر أن الطفل لديه فرط حركة مرضي، أو طبيعي؟
وذلك من خلال الإشارة إلى مجموعة من الصفات التي لدى الطفل الصحيح والطفل العليل، ففرط الحركة الطبيعي يكون فيه الطفل:-
- يتحرك من أجل الاستكشاف، لكن في نفس الوقت إذا طلبنا منه المكث أنصت وتوقف عن الحركة.
- الطفل الحركي الطبيعي هو طفل اجتماعي يحب مخالطة الناس والضحك معهم، وليس طفلًا منزويًا.
- أحيانًا تكون الحركة المفرطة نتيجة قلة النوم، فالطفل إذا لم يحظَ بمستوى نوم جيد من حيث عدد الساعات وجودة النوم؛ تجده يعاني من القلق الشديد، ويتحرك حركات كثيرة جيئة وذهابًا، كما الكبار الذين يرتفع لديهم مستوى القلق لسبب ما، تجدهم يتحركون كثيرًا، كشكل من أشكال تقليل التوتر، فإذا ضبطنا ساعات نومه تحسنت حالته، فهذا طفل طبيعي.
- كذلك بعض الأمراض قد تسبب كثرة الحركة، كالخلل في هرمون الغدة الدرقية، فإذا ما تم علاجه؛ قلت الشكوى، فلا نعتبر الحركة الزائدة لديه أمرًا مَرضيًا.
- عدم الانتظام في الوجبات الغذائية واستبدالها بالحلوى بشكل مكثف، تساعد على زيادة حركة الطفل بشكل ملحوظ، والحل في تناول وجبات صحية متوازنة.
- الطفل الملول، صفة الملل تجعله يُكثر التحرك ما بين الأنشطة المختلفة، فمعرفة ما يحب وتوفيره له يجعله يقلل من التنقل السريع من بين الأنشطة، فنحتاج إلى تجربة أنشطة مختلفة وألعاب جديدة حتى نصل إلى اللعبة التي تشد انتباهه ويمكث عليها وقتًا أطول.
إذًا، كل ما سبق هي صفات للطفل الحركي الطبيعي، أما الطفل الذي يعاني من فرط الحركة المرضي فتتضح فيه بعض الأمور:
- بجانب الحركة المفرطة يعاني من التشتت، فلا يستطيع التركيز مع كلامك، أو متابعة شرح المعلمة، ولا نحكم على الطفل بأنه يحتاج إلى علاج إلا بعد عرضه على أخصائي تعديل سلوك.
- إذا طلبنا منه التوقف عن الحركة لا يتوقف أبدًا، حتى لو أجبرناه على التوقف فإنه يظل يحرك جسده.
- إذا كان جالسًا تجد جسده يتحرك، يحرك رأسه كثيرًا، يحرك رجله، ينحني …إلخ.
- ليس لديه تواصل اجتماعي جيد.
- تجده عنيفًا، يضرب من حوله كثيرًا بشكل ملفت، مهما نبهته لا يتوقف.
وبعد أن بينا الفرق بين الطفل الحركي الذي يحتاج إلى تعديل سلوك لدى أخصائي، والطفل الحركي الطبيعي، نشير إلى طرق تربوية للتعامل مع الطفل الحركي، حتى نساعده في تحسين سلوكه:
- التعزيز اللفظي، فنثني عليه إذا ما أتى بسلوك جيد، كإنهاء واجباته بسرعة، أو الاستجابة للتعليمات… إلخ.
- نساعده في تنظيم حركته من خلال روتين يعتاد عليه:
- تتعدد في هذا الروتين الأنشطة بين أنشطة حركية وأنشطة تفاعلية (كالتلوين والفك والتركيب)، وننصح أن يتضمن الروتين فترة راحة، نلتزم بها ومع الوقت سيتعلم أن هناك وقتًا للعب ووقتًا للراحة.
- الرياضة مهمة وضرورية للطفل الحركي، فهي مجال شرعي لتفريغ الطاقة بجانب فوائدها في بناء الشخصية.
- حينما ندرك أننا مختلفون؛ منا الحركي ومنا الهادئ بطبعه، فنقبل أن هذه فطرة الخلائق (مختلفون)، فنصبر على مجهود مضاعف نبذله مع هذا الطفل، ونعلم أن الله رزقه هذه الطاقة، وهي رزق يجب علينا استثماره فيما ينفعه في حياته المستقبلية، فليست كل الوظائف لأناس يمكثون على المكاتب، ثمة عشرات الوظائف تستفيد من هؤلاء- الذين يعانون من فرط الحركة.
- إذا بلغ فرط الحركة درجة التشتت، فعلينا أن نقلل المثيرات من حول الطفل، فنغلق النافذة وقت المذاكرة مثلًا، ونغلق الهاتف والتلفاز وغيرها من المشتتات، كما يفضل أن تكون وجهة المنضدة للحائط تقليلًا للمثيرات من حوله.
- تهيئة البيئة المحيطة للطفل؛ فإذا كان لديكم ساحة تنطلق فيها ابنتكم، فذلك من محاسن القدر، تخيلي معاناة أهل لديهم طفل يعاني من فرط الحركة، وبيتهم لا يتسع لحركته! تلك الساحة التي يصعب عليك إدخال ابنتك منها هي حلم عشرات الأمهات لتفريغ طاقة أبنائهم.
يحتاج الأمر منك إلى تدريبها على فكرة الروتين، وتحديد وقت للعب بالخارج بشكل مسبق، ولمساعدتها في معرفة الوقت، يمكن أن ترتدي ساعة نضبطها لها، وتتعلم أن وقت اللعب انتهى حينما ترن؛ فالطفل قابل للتشكيل بشكل كبير في هذه المرحلة، المهم ألا نستخدم الضرب لإرغام الطفل، فالضرب والصراخ، دائمًا ما يقابلون بالعند من الأطفال، بالإضافة إلى تشويه نفوسهم.
- يلجأ بعض الأهل إلى شراء ألعاب تساعد من لديهم نشاط حركي زائد في تفريغه في البيت من خلال ألعاب، كالأرجوحة والنطاطة وغيرهما من الألعاب المفيدة، فإذا اتسع بيتكم لشئ من هذا، حتما سيقلل خروجها للساحة خارج المنزل لأنها وجدت الوسيلة المناسبة لحركتها في المنزل.
- من المهم أيضا أن نبتعد كل البعد عن مقارنة الطفل ذي الحركة المفرطة بأقرانه، فطاقته ليست بيده، هكذا خُلق، ولا تُحدد الخيرية في الأطفال بالهدوء ودوام الطاعة! المقارنة في كل الأحوال من الأخطاء التربوية الفادحة
- من الذكاء الاستفادة من الطفل ذي الحركة المفرطة وإدخاله في برامج تصقل شخصيته، ورياضات تخرج أحسن ما فيه.
- لا تجعلوا كلام الناس عن كثرة حركة أبنائكم ضاغطًا عليكم، يتحمل عاقبته أبناؤكم بالزجر والتوبيخ كأقل الأضرار الناتجة عن الضغط المجتمعي، تعلموا أن توقفوا الناس عند حدودها بأدب، إذا ما علق أحدهم على تصرفات ابنتكم، اطلبوا منه الدعاء، لها ولمن مثلها، واشملوا أبناءكم في دعائكم، بدلًا من صب جام غضبكم عليهم.
السائلة الكريمة، نعلم جيدًا ماذا يعني أن لديك طفلًا كثيير الحركة، هو أمر مرهق جدًا، أعانك الله وألهمك حسن التصرف دائمًا، ونذكرك أن تستمعي بحركة طفلتك حولك مع تهذيب سلوكها قطعًا، فأكثر الأطفال هؤلاء برغم أنهم متعِبون، إلا أنهم أذكياء مبهِجون لمن حولهم، بارعون متميزون في المستقبل القريب، فاحتضني ابنتك كثيرًا، الاحتضان سيهدئ من حركتها ويشعرها بالقبول ويجدد مخزون حبك لها، بأنها طفلة جبلت على هذا وغدًا تكبر.
أعانك الله وأقر عينك بها فتاة صالحة نافعة، اللهم آمين.