صلة الرحم من أهم السلوكيات التي تعني بها التربية الاجتماعية والتي -أي التربية الاجتماعية- هي الأساس المتين الذي تشاد عليه حياة الأمم، والمقياس الذي تقاس به درجة تقدمها وحضارتها، بها تحيا وترقى وتحسن أحوال أفرادها وتقوى.
والتربية الاجتماعية تقتضي معرفة الواجبات ليقوم كل إنسان بما يجب عليه ويعامل كل شخص بما يستحقه؛ والقيام بالواجب دليل الحياة بل هو سعادة الحياة، ومن نظر إلى أعضائه ووظائفها رأى أن الراحة لها في إتمام واجباتها بغاية الدقة، وعلم أن المرض والألم إنما هما دليل على تقصير تلك الأعضاء عن القيام بوظائفها، وأدرك أن القيام بالواجب من مقتضيات الطبيعة وأن ا في القيام بالواجبات.
وتقتضي التربية الاجتماعية كذلك معرفة الآداب الاجتماعية والتمسك بأحسنها والأخذ بها، فهي الميزان الذي توزن به أخلاق الناس، فمن حاز منها نصيبا وافرا كان موضع التقدير والاحترام، ومن تهاون بها أو قصر فيها عرض نفسه للوم وعاش منبوذا، وصدق الله القائل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].
وقديما قال الشاعر:
من كان لا خير فيه يرتجى إن عاش أو مات على حد سوا.
أهمية صلة الرحم
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فقالَ اللَّهُ: مَن وصَلَكِ وصَلْتُهُ، ومَن قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ) وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حتَّى إذا فَرَغَ مِن خَلْقِهِ، قالتِ الرَّحِمُ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَهو لَكِ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَهلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ} [محمد: 22]. (رواه البخاري وأخرج مسلم الرواية الثانية).
كما أخرج البخاري والإِمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ).
ويدلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمار صلة الرحم في الدنيا والآخرة، فيروي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) أخرجه البخاري.
خطورة قطع الرحم
ويحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع الرحم فعن جُبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعٌ) (أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود) أي: قاطع رحم.
ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الواصل فيقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها) (رواه البخاري).
ويروي أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ علَى ذلكَ) رواه مسلم.
ولصلة الرحم أهمية خاصة يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين الولاء لله، فيقول عمرو بن العاص رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ -جِهارًا غيرَ سِرٍّ- يقولُ: ألا إنَّ آلَ أبِي -يَعْنِي فُلانًا- لَيْسُوا لي بأَوْلِياءَ، إنَّما ولِيِّيَ اللَّهُ وصالِحُ المُؤْمِنِينَ. وعند البخاري زيادة: ولَكِنْ لهمْ رَحِمٌ أبُلُّهَا ببَلَالِهَا. يَعْنِي أصِلُهَا بصِلَتِهَا.
ولأهميتها يذكرها صلى الله عليه وسلم في بشاراته فيروي الإِمام مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيراطُ، فاسْتَوْصُوا بأَهْلِها خَيْرًا، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا…).
والأرحام أولى في المعاملات؛ فعن سليمان بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقةُ على المسكين صدقةٌ ، وعلى القريبِ صدقتان : صدقةٌ وصِلَةٌ) أخرجه الترمذي.
وعن ميمونةَ، زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ: كانت لي جاريةٌ فأعتقتُها، فدخلَ عليَّ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ؛ فأخبرتُهُ، فقالَ: آجرَكِ اللَّهُ، أما إنَّكِ لو كنتِ أعطيتِها أخوالَكِ كانَ أعظَمَ لأجرِكِ. (صحيح أبي داود).
حدود صلة الرحم وقطيعتها
وصلة الرحم ليس لها حدود قاطعة؛ تكون بالكلام الطيب، ومواساة الفقير منهم، ورد السلام عليهم وابتدائهم بالسلام، وإعانتهم على الخير… كل هذا من صلة الرحم.
وقطيعة الرحم ليس لها حد أيضا، جفاؤهم الذي يعد خلاف المعتاد نوع من القطيعة، جفاؤهم من غير موجب شرعي وعدم الإنفاق على فقيرهم والإحسان إليه، وعدم الوقوف بجانب مظلومهم حتى ينصر في مظلمته ونحو ذلك قد يعد من القطيعة.
فالقطيعة أمر عرفي، والصلة أمر عرفي، فما هو معروف بين المسلمين الصلة والإحسان والاتصال والسلام وبذل المعروف يعد صلة، وما كان بين المسلمين يعد جفاء ويعد قطيعة فكذلك.
أما إن وصلوك وصلتهم وإن قطعوك قطعتهم لا، هذا ليس بصلة حتى الأجنبي إذا وصلك وأحسن إليك عليك المقابلة والمكافأة، لكن الرحم والقرابة لها حق وزيادة على هذا تصلهم وإن قطعوا، وتحسن إليهم، ترد عليهم السلام، تبدؤهم بالسلام، تدعوهم للوليمة، تجيب دعوتهم.
ولو قطعوك لأجل وحشة بينك وبينهم أو شحناء أو خصومات لا تقطعهم أنت، لكن لك أن تهجرهم ثلاثة أيام عند الوحشة والنزاع والخصومات لأجل حظ الدنيا، لك أن تهجرهم ثلاثة أيام فقط لا يزيد على ذلك لأن النبي ﷺ قال: (لا هِجرةَ فَوقَ ثلاثٍ)؛ فالواجب أنه يصله بعد الثلاث، ويعود على حاله الأولى بعد الثلاث ولا يهجر فوق ثلاث، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
الواجبات العملية المقترحة:
1- أن يعينهم فيما يحتاجونه من أعمال يقدر على أدائها.
2- أن يتعهدهم بالسؤال عنهم وعن أحوالهم.
3- أن يرتب لهم زيارة دورية.
4- أن يتواصل معهم أثناء السفر بالوسيلة المناسبة (هاتف – خطاب…).
5- أن يدعو لهم بظهر الغيب.
6- أن يتفقدهم عند الزكاة والصدقات والهدايا والهبات.
7- أن يطلب منهم الدعاء باستمرار.