الاستشارة
لو سمحتو انا بنتي عندها ست سنين وكانت هتدبح نفسها لولا ستر ربنا هيا قالتلي انا كنت هدبح نفسي ياماما، اتصدمت من الكلمة وحاولت اتكلم معاها بهدوء، قلت لها ليه؟ فقالت لي: علشان أنا وحشة، فبكيت لأني كنت لسه صارخة فيها من شوية وهي كمان حضنتي وبكت، قلتلها إزاي تفكري في حاجة زي كده؟ انتي عايزه تموتي وتسيبي ماما؟ أنا مش بعاملها بالضرب أنا بزعل منها وبصرخ فيها بس، المهم حاولت أهدأ وأتكلم معاها أكتر علشان أفهم إزاي فكرت في حاجة زي كده قالت لي: علشان أنا بحب ربنا وعايزة أشوفه!
أنا دايما في تربيتي لها مركزة على إنها تحب ربنا وبعده سيدنا محمد والقرآن، قبل بابا وماما، وأي حاجه في الدنيا، ولما بتقولي عايزة أشوف ربنا، بقول لها كلنا هنشوفه إن شاء الله لما نموت وندخل الجنة بس متخيلتش إن الموضوع ممكن يوصل لكده!
أنا مش عارفه أعمل إيه ولا أقول لها إيه وخصوصًا بعدما هدأتها وفضلت أفهم فيها إن دا مينفعش، بعد فترة قليلة من إنهاء الموضوع قالت لي بتذمر وزعل: يا ماما عايزة أشوفه، خايفة الموضوع يكبر في دماغها ومش عارفة هي ممكن تستوعب إيه في سنها دا؟!
الرد
ليس كل كلام الأطفال مقصود بعينه (هدبح نفسي)، لكن قد يكون ما وراءه بالفعل مقصودًا وهو تمنيها رؤية الله، ذلك الغيب الذي سمعت عنه منك كثيرًا، ليس الأطفال سواء في استقبال وتفسير كلامنا لهم، قد تكونين أفرطت في الحديث معها عن الله من زاوية ولم تعطيها تطبيقات عملية لحب الله.
من المهم قبل أن نركز على أي معلومة في كلامنا مع أبنائنا، أن نرجع إلى المختصين بقراءة كيفية تناول الموضوع الذي تريدين توجيه ابنتك فيه، وما المعلومات الملائمة لكل مرحلة.
بالبحث على الإنترنت بداية من موقعنا وغيره الكثير من المواقع، بالإضافة إلى فيديوهات على اليوتيوب، وغيرهم الكثير، ستحصلين على إجابة لأسئلتك وموضوع بحثك.
ما حكته ابنتك إذا كانت تعي ما تقول، أمر يستدعي التوقف والبحث في أسبابه، فإذا كانت هذه هي المرة الأولى وابنتك لا تعاني من أية اضطرابات نفسية لا قدر الله، سنعتبر الأمر في نطاق شغفها وحبها لرؤية الله الذي حدثتها عنه كثيرًا، أما إذا تكرر الأمر فيجب أن تراجعي استشاري نفسي على وجه السرعة.
جيد أنك في الأصل لا تعنفينها في التربية، وعلى هذا النسق يجب أن يكون توجيهنا لأبنائنا معظم الوقت، لا بأس إن لم نتمالك أنفسنا أحيانا، لكن الأصل أن نتقي الله فيهم ونحسن إليهم في توجيههم وأن تكون لحظات الانفعال والغضب هي الاستثناء لا الأصل.
من المهم أيضًا حينما نتحدث عن أخطاء أبنائنا ألا نصفهم بالسوء، فقول ابنتك (علشان أنا وحشة)، يفهم منه أنكم لا تفرقون أثناء توجيهها بين الخطأ والمخطئ، بمعنى آخر؛ الصحيح أن نصف سلوكها إذا ما أخطأت بأنه تصرف سيء، وليست هي السيئة، فأبناؤنا يبنون صورتهم عن ذواتهم من كلماتنا عنهم، فإذا وصمتِها بالسوء مرارًا وتكرارًا، فستصلها رسالة عن نفسها أنها سيئة بالفعل.
الأمر الآخر الذي نستشفه من رسالتك، أن ابنتك شخصية حساسة، والكلمات السلبية تؤثر في نفسها بشكل قوي، فإذا كانت كذلك، يجب علينا الحذر أكثر وأكثر في قاموس الكلمات التي تقال لها وقت التنبيه على أخطائها، كما يجب تدريبها على كيفية الرد على المسيء فلا يكون بالانكسار والغضب، بل بتعلم فنون الرد، مارسي معها حوارًا تدريبيًا لتتعلم ذلك الفن، ويقل تأثير حساسيتها المفرطة على نفسها وأفكارها.
نأتي إلى الأمر الأهم، وهو كيف نعرف ابنتنا على الله بالصورة الصحيحة فتؤمن بوجوده، وترجو لقياه بشكل سوي، لا يكون ذلك بالكلام فقط، فمعرفة الله بحق تكون من خلال التعرف على أسمائه وصفاته، ونوجز لك ثلاثة وسائل، ونؤكد على أهمية تعلم كيف نعلم أبناءنا، فإن لم نستطع فنسأل المتخصصين:
- أولًا: نربط تعلم أسماء الله وصفاته من خلال الأشياء في البيئة من حولنا، فمثلًا نشير إلى عصفورة، ونسأل ابنتنا أي اسم من أسماء الله تتذكرينه حينما تشاهدين عصفورا؟ ستحصلين على إجابات مختلفة، حسب المعلومات التي لديها، فمثلا تقول أتذكر أن الله هو الرزاق، أن الله هو الخالق، استرسلي معاها في ذكر الأسماء التي تذكرك أيضًا بالله حينما ترين طائرًا أو عصفورًا، وعللي لها سبب اختيارك لهذا الاسم من أسماء الله.
هذه طريقة عملية، تجعل الطفل يتعرف على الله، ليس بحفظ أسمائه وترديدها أنه يحبه من غير أن يعرف أن من أحب الله سمع كلامه، وسبحانه لا يرضى أن نؤذي أنفسنا أبدًا، فحفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية، يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}، أخبريها بذلك في ثنايا حديثك وبالقدر الذي تستوعبه. - ثانيًا: نربط الأشياء من حولنا بقصص للصالحين أو العلماء أو الأنبياء، فنقول لها مثلًا: أي الأنبياء تتذكريه حينما ترين البحر؟ هذه الطريقة تسمى (التربية العكسية الحوارية)، المعلم يسأل والمتعلم يجيب، هذا يفيد في معرفة المربي بمستوى المعلومات التي لدى النشء ويكمل عليها، فالبحر يذكرنا بنبي الله موسى، ونبي الله يونس، كيف كان الله بهما رحيمًا، أنجاهم من هلاك محقق، فنتطرق من خلال تلك القصص إلى أسماء الله وصفاته.
- ثالثًا: السياحة الإيمانية؛ ونعني بها التدبر في الكون المحيط، نخطيء أحيانًا حينما نقطع على أبنائنا لحظات صمتهم، ونظن أن بهم سوءًا أو مكروهًا، بينما كثيرًا ما يكون صمتهم تأملًا لمعنى أو فكرة، فما قبل سن السابعة، هي مرحلة النمو العقلي والإدراك، فلنسمح بهذا الصمت ثم نناقش الطفل لاحقًا. يعتبر وقت السيارة وقتًا ملائمًا لممارسة عبادة التدبر، حتمًا ستتعرضون لمشاهد في الطريق، كانت هذه المشاهد في الطبيعة أو عن الخلق، فإذا رأيتم فقيرًا مثلًا، اجعلي ابنتكِ تتحدث وتخرج ما في رأسها من أفكار، واربطيها بالله، سبحانه الغني لا تنفعه عبادتنا ولا تضره معصيتنا، ومع ذلك حث الأغنياء من البشر على التصدق للفقراء ويثيبهم على ذلك، فالمال مال الله وهو الذي يأمر عباده كيف يتصرفون فيه، أيضًا الغني- سبحانه- يعطي هذا ويعطي ذاك ولا ينقص في ملكه شيئًا. هذه الوسيلة تجعل الله عزوجل محور تفكير أبنائنا، ويصبح وجود الله في حياتهم حقيقة، وتنعم بالتواصل مع خالقها عبر التعلم عنه، وتأمل سننه، فتدرك بالوقت أن السبيل لرؤيته، العمل بما جاء به، هنا نكون قد عالجنا فكرة بتعلم فكرة بديلة، وليس فقط بنهر تصرفها.
تحكي إحدى الأمهات أن ابنها ذا الثلاثة أعوام مضى ليلة بأكملها يسألها عن الله وهي تجيبه بقدر ما يفهم، ولم ينم حتى هدأت أسئلته، في الصباح حينما أراد قضاء حاجته بكى، فلما تكلمت معه، علمت أنه أدرك أن الله يراه حقًا، فاستحى أن يراه عريانًا، طفل عمره حول الثالثة كان هذا إدراكه عن الله!
أحيانًا نستهين بعقول أبنائنا ونتصورهم صغارًا أقل من سنهم بكثير، ولو منحناهم المزيد من الوقت والاهتمام لاكتشفنا كنوزًا في مخيلتهم، ولصححنا مفاهيم خاطئة قبل فوات الأوان.
بارك الله لك في ابنتك ورزقها حبًا لله حقيقيًا وأعانكِ على تربيتها تربية نافعة صحيحة.