تُقاس قوة المجتمعات بقدر تماسك الأُسَر، والذي يُحدده مدى تماسك العلاقة بين الأفراد والتزامهم بسلوكيات وأخلاقيات الإسلام التي أوضحها القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة، خصوصًا بين الآباء والأبناء.
وأي خللٍ في الأسرة – نتيجة سوء التفاهم أو أسبابٍ أخرى- يأتي على حساب الأفراد والمجتمعات، لذا فإن حماية هذه المنظومة يحتاج إلى تربية حسنة، وغرس معاني الأخلاق في نفوس الآباء والأبناء، ومعرفة حقوق وواجبات كل فردٍ، وربطهم برباطٍ وثيقٍ من تعاليم الشرع الحنيف، للحفاظ على هذه الكينونة من الانهيار.
غير أنّ هذه المنظومة قد يعتريها الخلل، فيتخلّى كل فردٍ عن واجباته نحو الآخر، ولا يلتزم الجميع بأخلاق وتعاليم الدين، مما يُمهد الطريق إلى الصّدام الذي قد يصل في النهاية إلى حِمَمٍ بركانية تُهدد أركان الأسرة بالانفجار.
آثار سوء التفاهم بين الآباء والأبناء
العلاقة بين الآباء والأبناء تحتاج إلى كثيرٍ من تركيز الآباء أثناء التعامل مع أبنائهم خلال مراحل العمر المختلفة.
وقد تظهر بعض المشكلات، نتيجة سوء الفهم بين الآباء والأبناء، حيث يسعى كل منهم للحصول على حقوقه، وممارسة سلطته دون الالتفات إلى الآخر، فتظهر الاضطرابات العدوانية بينهم، ومن مظاهرها:
1. العزلة بين الآباء والأبناء وشعور كل واحد منهم بالوحدة رغم وجودهم في بيت واحد.
2. إهمال الآباء في السؤال عن أبنائهم وعن أحوالهم وتفقد شؤونهم.
3. انهماك كل واحد منهم في إيجاد محيط اجتماعي يتناسب مع آرائه.
4. انعدام القدوة وترسخ الانهزامية عند الآباء والأبناء.
5. قد يلجأ الأبناء إلى سلوكيات خاطئة مثل: التدخين، والمخدرات.
6. خلق مشاعر سلبية تجاه الوالدين، ما يتسبب في انهيار العلاقة بينهم.
وقد ينتج عن ذلك مخاطر تضع الأسرة في مهب الريح، فتذكر رولا خلف – الاستشارية التربوية – بعض المخاطر التي تنتج عن انعدام التواصل بين الآباء والأبناء، بقولها:
1- تفكك في العلاقات بين الأسرة الواحدة.
2- انتشار البغض والحقد بين الأفراد.
3- انعدام الثقة بين أفراد الأسرة.
4- انقطاع صلة الرحم في الكبر.
5- عدم إصغاء الأم والأب للطفل يجعله فريسة لأصحاب السوء، للتنفيس عما بداخله ما يؤدي إلى الضياع والانحراف.
6- يجعل الأسر متوترة ومشحونة دائما.
7- خلل وصدام وخصام بدلا من التفاهم والتودد والتكامل بين الأفراد.
8- عقوق الأبناء للآباء واتخاذهم وجهة معاكسة لما يتمناه الآباء ما يُؤدي إلى فشل في التربية الأسرية.
9- إقامة حواجز بين الآباء والأبناء، وهذا خطأ فادح يُفوّت على الآباء فرصة تتبع أبنائهم ومساعدتهم بما يعترضهم من صعاب وانعدام التوجيه التربوي.
10- فكرة اللوم والاتهام تفقد أفراد الأسرة روح حب المناقشة، فيتهرّبون من الحوار والاتصال معًا حتى لا يدخلوا في دوامة الاتهام واللوم (1).
أسباب سوء التفاهم بين الأبناء والآباء
ازداد سوء التفاهم بين الأبناء والآباء واتّسعت الفجوة بينهم في العصور الحديثة بشكل كبير، لابتعادهم عن بعضهم، وانشغالهم بالتكنولوجيا، فلا يستخدمون الحوار البناء الذي يُهدئ النفوس، ويُوصّل كل طرف فيه إلى ما يُريد، بل يلجأ الآباء لفرض سلطتهم على الأبناء بالقوة والعنف وأساليب الترهيب والخوف، وفي المقابل يلجأ الأبناء إلى التمرد على هذه السلطة، ومقاومتها، وعدم الرضوخ لها، فيشعرون بأنهم وصلوا للسن الذي يُؤهلهم لتحمل المسؤولية، واتخاذ القرارات دون تدخل الوالدين.
فيسعى كل طرف للوصول إلى حلٍّ، والعيش بسكينة وطمأنينة، إلا أنّ أساليبهم تكون مُستفزة وعنيفة، ولا يُتيحون لأنفسهم فرصة التفاهم والاتفاق، فيخشى الآباء هذا التمرد، ويمارسون كل قوة ممكنة لفرض أنفسهم وآرائهم، وتستمر الحياة في صراع دائم حتى يستطيع كل طرف فرض رأيه، ويقنع الطرف الآخر بأنه على خطأ، بحيث لا يكون لدى الآباء أدنى استعداد لفهم تصرفات أبنائهم، ومحاولة تصحيحها دون عنف وديكتاتورية، وفي المقابل لا يستطيع الأبناء فهم مدى خوف آبائهم عليهم، وعلى مستقبلهم.
يقول الاستشاري الأسري – جمال فيصل الطويل -: إن التي يقدمها الآباء من توفير المسكن والملبس والتعليم بالمدارس وألعاب التسلية لا تغني عن وجود الوالدين الدائم مع الأبناء من الجلوس معهم وحمايتهم بالتحاور والتشاور معهم، ومحاولة معرفة ما يجول في أفكارهم ومساعدتهم في حل مشكلاتهم الخاصة وتشجيعهم والتقرب والتودد إليهم دون فرض الرأي.
ويرى أنّ السبب في توتر العلاقة وازدياد الفجوة بين الأبناء والآباء يعود إلى:
1. عدم تفهم الأب طبيعة الابن ومعرفة ماذا يريد.
2. القسوة الزائدة في غير محلها.
3. الازدواجية في التربية بين الزوج والزوجة.
4. الانشغال بالتكنولوجيا والإنترنت والموبايل والتلفاز.
5. عدم تفهم الصفات الوراثية للابن وخصائص كل مرحلة عمرية.
6. فارق السن وجهل الأب بطرق التربية السليمة.
7. انشغال الكثير من الآباء عن الأبناء.
كيف العلاج؟
إن العلاقة بين الآباء والأبناء يجب أن تكون مبنية على المحبة والود والاحترام، حتى لا ينشأ سوء التفاهم والفجوة بين الأجيال، لعدم وجود رابط ودٍّ أو حوار هادفٍ يزيد من التواصل ويهدي من التوتر والأزمات.
وفجوة الجيل ليست بالأمر الصعب، ويمكن تجاوزها وعلاجها عن طريق هذه الحلول:
1. الإنصات للأبناء وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أنفسهم دون مقاطعة.
2. التفهم والاستيعاب، وبخاصةً إذا كان الأبناء في مرحلة المراهقة، التي قد يصدر عنها بعد التصرفات السخيفة بعض الشيء.
3. الانفتاح وتقبل التغيرات، فالعالم اليوم مختلف عما كان عليه في السابق عندما كان الوالدين في مرحلة المراهقة.
4. التفاعل مع الأبناء، فَضغوط الحياة تصبح أصعب على الوالدين يومًا بعد يومٍ، وهذا قد يدفعهما إلى قلة التواصل مع أبنائهم.
5. تقديم الدعم والحب باستمرار، حيث يحتاج الإنسان منذ الطفولة وحتى البلوغ إلى الشعور بالحب وأنه يتمتع بأهمية لدى والديه وكينونة خاصة.
6. الحل الوسط، فعند حدوث خلاف مع الأبناء، يمكن اللجوء إلى حل وسط، وبدلاً من إجبارهم على رأي الوالدين، يمكن إنجاز الأمور بإغرائهم بمكافأة يحصلون عليها حال تلبية مطالب الأبوين.
7. تبديل الأدوار، ففي بعض الأحيان يُمكن اللجوء إلى تبديل الأدوار بين الآباء والأبناء، فعندما لا يستطيع الابن تقبل ما يُريده الوالد، يُمكن البحث عن طريقة تجعل من الأبناء تفهم مخاوف الأبوين، وأن الدافع لتصرفات الأبوين هو الحب للأبناء والخوف على مستقبلهم.
ورغم أنّ علماء التربية والاجتماع وعلم النفس وضعوا كثيرًا من الأسس الناجحة، لمواجهة سوء التفاهم بين الآباء والأبناء، إلا أنها أحيانا قد لا تُجدي مع البعض، لذا لا حرج في اللجوء إلى طرف ثالث ذو ثقة وحكمة، للتوصل إلى حل للمشكلة.
أخيرا
إن احترام الآراء والحوار والنقاش، هو السبيل للتربية الصالحة، وإزالة سوء التفاهم واللبس بين الآباء والأبناء، كما يجب على أي طرف الاعتراف بالخطأ، دون خجلٍ أو مكابرة، سواء كان ذلك من الأب أو الابن، يقول الدكتور محمد بولوز: “العناية بإقامة الدين في الأسرة وصرح الأخلاق والحياة الجادة المنتجة لجميع أفرادها، مثل: التّذكير بالصلوات الخمس، ومرافقة الأبناء إلى المسجد، وبذل النصح في اللباس وعموم الآداب، وتحفيظ القرآن للأبناء، ومراجعة الدروس معهم، وتوريث الخبرات من الأشياء المهمة التي تشيع الحب والود بين أفراد الأسرة” (2).
المصادر
1- رولا خلف، مقال بعنوان: مخاطر انعدام التواصل بين الآباء والأبناء، صحيفة الغد الأردنية، بتاريخ 13 مايو 2012م.
2 – تحقيق بعنوان “التواصل الأسري.. المشكلة والحل” في موقع المسلم.