لا شك أنّ المعلم الناجح هو عصب العملية التعليمية وعنصرها الفاعل، وبما أنّ العالم في القرن الحادي والعشرين يشهد تطورًا هائلًا في المعرفة والمعلوماتية وتكنولوجيا المعلومات، فإن المعلم يتطلب إعدادًا خاصًّا ومستمرًا يُنمي لديه رغبة التعلّم الذاتي والاطلاع على المستجدات التربوية وتطوراتها.
وللمعلم منزلة رفيعة عند المسلمين، ويكفي في بيان هذه المنزلة أنّ سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بيَّن أن الهدف من بعثته المباركة إنما هو التعليم، فقال فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: “إنَّ اللهَ لم يبعثني معنِّتًا ولا متعنِّتًا، ولكن بعثني معلِّمًا ميسِّرًا”.
ويقول الإمام الغزالي وهو يتحدث عن مكانة المعلم: “فأشرف الصناعات بعد النبوة إفادة العلم، وتهذيب نفوس الناس عن الأخلاق المذمومة، والمهلكة، وإرشادهم إلى الأخلاق المحمودة المسعدة، وهو المراد بالتعليم”.
سمات المعلم الناجح الأخلاقية
يُشكل المعلم الناجح العمود الفقري للنظام التعليمي، فهو الذي يتولى بناء العقول والقلوب، وتشكيل الأفكار والاتجاهات، ولن تنهض أمة خلا ميدانها من معلم قدير يتحمل تبعاتها، ويقوم بأداء متطلباتها، فالتعليم رسالة، والمعلمون هم ورثة رسالة الرسل، وعليه لا بُد من توافر سمات خاصة فيمن يقوم بهذه المهمة العظيمة ليكون عمله مثمرًا، ومنها:
- قوة الشخصية: وهي من مستلزمات الرسالة التعليمية، التي تكون سببًا في الإعانة على مواجهة المواقف الصعبة، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير” (رواه مسلم).
- حسن المظهر: فهناك علاقة وثيقة بين قوة الشخصية، والعناية بالمظهر، ولا بُد لكل مسلم أن يعتني بمظهره العام، ويحرص دائمًا أن يبدو في صورة طيبة، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- يهتم بهذا الأمر أيما اهتمام، يقول سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري – رضي الله عنهما-: “أتانا النبي – صلى الله عليه وسلم-، فرأى رجلًا شعثًا، قد تفرق شعره، فقال: أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره، ورأى رجلًا آخر عليه ثياب وسخة، فقال: أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه” (صحيح أبي داود).
- التفاؤل: وهو قوة نفسية تدفع صاحبها إلى مضاعفة الجهد، والمثابرة في العمل والاستمتاع بما يقدم دون ملل، أو كلل، أو يأس. كما أنه صفة يجب أن تكون موجودة في كل مسلم، حيث إن الدين يدعوه إلى أن يكون متفائلًا، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- يعمل على بعث روح التفاؤل، والأمل في نفوس أصحابه الكرام، وقال – صلى الله عليه وسلم- “عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ؛ إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له” (صحيح مسلم).
- الرفق، والرحمة، والشفقة: وهي صفات مهمة يجب أن يتصف بها كل إنسان، فكيف بمن يقوم بمهمة عظيمة خطيرة كمهنة التعليم، فلا بُد من أن يكون المعلم رفيقًا، رحيمًا، ذا شفقة على تلاميذه. قال الله – تعالى- في كتابه مخاطبًا رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159).
- وأوصى النبي – صلى الله عليه وسلم- المعلمين بالرحمة والشفقة على المتعلمين، والتوسعة لهم، فقال: “سيأتِيكمْ أقوامٌ يَطلُبونَ العِلمَ، فإذا رأيتُموهمْ فقُولُوا لهمْ: مرْحبًا بوصيَّةِ رسولِ اللهِ، وأفْتُوهمْ” (صحيح ابن ماجة).
- القدوة الصالحة: مما لا شك فيه أن حركات المعلم، وسكناته، وأسلوب حديثه، ومزاجه، وطريقة أكله وشربه، كل ذلك مراقب، ومحسوب عليه. يقول الإمام الغزالي – رحمه الله- وهو يتحدث عن الأمور التي يجب على المعلم أن يراعيها: “ومنها: ألا يخالف فعله قوله، بل لا يأمر بالشيء ما لم يكن هو أول عامل به”..
سمات المعلم الناجح التربوية
أما سمات المعلم الناجح من الناحية التربوية فهي تتلخص في النقاط التالية:
- الكفاية العلمية: وهذه صفة لا غنى للمعلم عنها، فهي قوام مهنته، وركيزة عمله، فلا بُد للمعلم في أي مرحلة يدرِّس أن يكون على درجة مناسبة من إتقان تخصصه فيما يدرِّس من مقررات، وأن يكون متابعًا لما يستجد من دراسات، وقد أسند الإمام ابن عبد البر – رحمه الله- في جامع بيان العلم وفضله عن الإمام مالك – رحمه الله- قال: “لا ينبغي لأحد يكون عنده العلم أن يترك العلم”.
- الكفاية التربوية: إنَّ من أهم المقومات الأساسية لنجاح أي معلم هي كفايته التربوية، والمهنية، وعلى هذه الكفاية يتوقف نجاحه، أو فشله، فلا بُد من الجمع بين غزارة المادة، والقدرة الجيدة على توصيلها إلى التلاميذ بصورة صحيحة. لذلك لا بُد للمعلم من الإلمام بأمور عدة، من أهمهًا: الأساليب التربوية في التعامل مع المتعلم، والأساليب المختلفة، والوسائل التعليمية المعينة، ومهارة إدارة الصف، واستخدام أساليب التقويم المختلفة، ومهارة توظيف الأحداث الجارية، ومهارة التعامل مع المستويات المختلفة للتلاميذ، ومهارة دفع إيجابية التلميذ، وأساليب التعزيز المختلفة الإيجابية منها، والسلبية، ومراعاة الفروق الفردية في المتعلمين
- التعليم بانتهاز الفرص المناسبة: ولا بد للمعلم أن ينتهز المناسبة المشاكلة لما يريد تعليمه، فيربط بين المناسبة القائمة، والعلم الذي يريد بثه، وإذاعته، فيكون من ذلك للمخاطبين أبين الوضوح، وأفضل الفهم، وأقوى المعرفة بما يسمعون ويُلقى إليهم.
- التعليم بالقصص: إنَّ للقصة دورًا مهمًا في التربية من حيث تأثيرها النفسي، والعاطفي، وعرضها للحقائق في صورة مواقف يتفاعل معها المعلم تفاعلًا ينقله ليعيش في طياتها، أو ينقلها لتعيش في عقله، وقلبه، وخياله، وهي أسلوب من أساليب التربية العصرية. وقد ذكر القرآن الكريم العلة في إيراد القصص، قال الله تعالى: {وكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (هود: 120).
مهارات المعلم في العصر الحديث
وتوصلت الكتابات والدراسات العربية والغربية في العصر الحديث، إلى أن أهم المهارات التي يجب أن يكتسبها ويتحلى بها المعلم الناجح تتمثل في:
- حب مهنة التعليم وأداؤها كرسالة.
- احترام الطلاب والمساعدة في حل مشكلاتهم.
- استخدام الوسائل التعليمية بشكل جيّد وبأساليب علمية.
- الاستماع إلى الطلاب والتعامل الجيد معهم.
- الصحة الجسمية والعقلية.
- إعداد الدرس إعدادًا جيدًا.
- الدقة والنباهة.
- العناية بالمظهر الحسن.
- الذكاء المناسب لمهنة التعليم.
- الخُلق الحسن.
- القدرة على التحمل وضبط النفس.
- الابتكار والتجديد.
- احترام القوانين الدراسية.
- العدل بين الطلاب والموضوعية في معاملتهم.
- الصدق في القول والعمل، مع الذات ومع الآخرين.
- المرونة والمرح.
- الابتكار والتجديد.
- التخطيط الجيد لكافة الأنشطة.
- اليقظة الدائمة بالتعامل مع الطلاب.
- الطموح والتجدد والمثابرة في العمل.
- القيادة والثقة بالنفس والحزم مع التلاميذ.
- الاستقرار العاطفي.
- التمكن من المادة الدراسية.
- القدرة على التكيف مع الآخرين.
- التعاون مع الزملاء في العمل.
- الثقافة العالية.
- الإخلاص في العمل والحماس والدافعية له.
المعلم هو المحفز الأول للطلاب
ومهما قيل عن المؤثرات العامة والواسعة في العملية التربوية يبقى دور المعلم الناجح رئيسيًا في سد فجوات النقص في التخطيط أو الإدارة أو المتابعة؛ بل إنّ غياب أو نقص التواجد الجمعي لشركاء العملية التعليمية يجعل مجمل مهام التحفيز ملقاة على عاتق المعلم، والتحفيز من المعلم يعني أن كل عمل متميز يستحق الإشادة والتشجيع، حيث لا تعد العلامات المتقدمة وكلمة “ممتاز” أو “جيد” كافية وحدها كتحفيز، وإنما يجب أن يحوطها مجموعة من المكافآت التشجيعية كتخصيص مساحة على حائط الفصل لإبراز الأعمال المتميزة، أو القيام بإبلاغ أولياء الأمور بالتقدم الرائع لأبنائهم.
وينصح دائمًا بالتركيز على الإشادة بالمجهود المبذول أكثر من الصفات الشخصية والذكاء، لأن ذلك سوف يدفع الطلاب، حتى الأذكياء منهم، إلى الاستمرار في العمل وبذل الجهد بشكل أفضل، وذلك بدلًا من التركيز على ذكائهم فقط.
أيضًا الأهداف طويلة الأجل تحتاج إلى دوافع قصيرة الأجل، فيمكن للمعلم مساعدة الطلاب في وضع أهداف سريعة التحقيق، ثم القيام بتهنئتهم والاحتفال بنجاحهم عندما يحققون تلك الأهداف.
كما أنّ قيام الطلاب ببعض الوظائف في الفصل يمنحهم الشعور بالمسؤولية، ويعمل على بناء علاقة قوية بينهم وبين رفاقهم وبين الفصل بأكمله – أيضًا- فإنه يمكن تفويض الطلاب في أداء مهمات بسيطة مثل تسجيل الحضور، مسح السبورة وتنظيم الجلوس. كما أنه يمكن إعطاؤهم مهامًا أكثر جاذبية مثل العمل في مدونة الفصل ورعاية الحيوانات الأليفة أو العلاقات مع ضيوف الفصل.
مكانة المعلم
المعلمون هم سراج العباد وعماد البلاد، ويجب على طلابهم الدعاء لهم والثناء عليهم واحترامهم لتكبدهم المشقة معهم، خصوصًا إذا كان ذلك في حق المعلم الناجح الذي يتسم بصفات عديدة إيجابية، وهذا الأدب جاء ما يُدلل عليه في كتاب الله – سبحانه وتعالى- فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11).
إن ذكر الإيمان مع العلم في الإسلام يُبين أن المعلم ذو رسالة، وبخاصة أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم- يقول: “إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير، حتى النملة في جحرها والحوت في البحر” (صحيح الترمذي).
ولقد جمع القرآن الكريم بين دفتيه الكثير من الآيات التي تحض على العلم والسعي له، والاستزادة منه، فالعلم ركيزة من ركائز الإيمان بالله تعالى، وكلَّما ازداد المسلم علمًا ازداد إيمانه، ومن ثم قرن أهل العلم به سبحانه قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18).
وبيَّن الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره أنّ هذه خصوصية عظيمة للعلماء؛ لاقتران شهادتهم بشهادة الله جلَّ جلاله، وشهادةِ الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام.
بل إن الرسالة المحمدية بدأت بفعل أمر هو: {اِقْرَأْ}، فكانت أول غيث الرسالة أن: {اقرأ باسمِ ربِّكَ الَّذي خلَق* خلَقَ الإنسانَ من علَق* اقرأ وربُّكَ الأكرم* الَّذي علَّمَ بالقلَم* علَّم الإنسانَ ما لم يعلم} (العلق: 1-5).
ويعزز المولى سبحانه مكانة المعلم والعلم بقوله: {أَمَّنْ هو قانتٌ آناءَ اللَّيلِ ساجدًا وقائمًا يَحذَرُ الآخرةَ ويَرجو رحمةَ ربِّهِ قلْ هل يستوي الَّذين يعلمونَ والَّذين لا يعلمونَ إنَّما يَتَذكَّرُ أولوا الألباب} (الزمر39). فاحترام العلماء ورعاية حقوقهم توفيق وهداية، وإهمال ذلك خذلان وعقوق وخسران.
ولا بد من الاهتمام بالمصدر الاقتصادي للمعلم، لأنه يُؤثر على غيره من الجوانب الاجتماعية، وبالتالي على مهنة التعليم بشتى مدخلاتها ومخرجاتها، سيما أنّ كثيرًا من الشباب عزفوا عن الالتحاق بمهنة التعليم لفترة طويلة نتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات العربية والإسلامية وبخاصة في العقدين الأخيرين.
المصادر:
- أهم صفات المعلم الناجح
- السمات المهنية والسمات الشخصية للمعلم المثالي
- 5 من أهم صفات المعلم الناجح