السؤال
أعمل مشرفة دور في إحدى المدارس، أتعامل مع جميع المراحل السنية، يربكني كثيرًا التعامل مع الطالب ذي السلوك العدواني، أحاول مرة باللطف، ومرة باستخدام أسلوب “ما بال أقوام” للنصح والتغيير، وتارة ألجأ للتعنيف.
أرسل مرارًا وتكرارًا للأهل حينما لا يجدي كلامي نفعًا مع هؤلاء الطلاب، ألتمس حرج الأهل من سلوك أبنائهم العدواني فأشفق عليهم، فأنوي ألا أدخلهم في المشكلات المرات القادمة من فرط حرجهم، ثم أتذكر أن أدوارنا مشتركة، فكيف يمكن التعامل مع مشاكل السلوك العدواني لدى الأطفال والمراهقين بطريقة فعالة؟!
الرد
بارك الله في مجهودك، وجعلك عونًا لأهل قد يكونوا فقدوا الحيلة، أو ليس لديهم خلفية تربوية كافية.
التربية علم مصحوب بمجموعة من الخبرات والتجارب التي تؤيد النظريات التربوية أو تنفيها، التربية لا تكون بالسليقة هكذا كما يفعل أكثر الآباء، فنرى ردود فعل الأبناء الغاضبة غير المنضبطة نتيجة لعدم التماس الأهل السبل التربوية، في تلك الحالة- حينما يغيب المنهج التربوي في المنزل- لا مفر إذًا من التعاون مع الأهل وتوجيههم يجزيك الله خيرًا.
بعض المدارس تنهج أكثر من منهج إزاء تلك المواقف، فيكون لديهم نشرة تربوية شهرية تساعد الأهل في كيفية التعامل مع مراحل أبنائهم المختلفة، كما أنه من المفيد عمل مقابلة مع أولياء الأمور أول العام، هدفها توضيح سياسة المدرسة في التعامل مع سلوكيات الطلاب غير المنضبطة، فينشأ حوار بين الأهل والمعلمين، فيحدث تبادل للخبرات.
كما توفر بعض المدارس مستشارًا تربويًا، وجوده لا يقل أهمية عن وجود طبيب المدرسة، فهذا يعمل على رعاية الجسد، وذاك يعمل على رعاية نفس وروح الطالب، فتكتمل المنظومة وفق رؤية منهجية وخلفية علمية، وبالبحث في منشأ السلوك العدواني، وجد أنه قد يكون منذ لحظات الطفل الأولى في الحياة، فالطفل يصرخ (شكل من أشكال السلوك العنيف)، حتى يحصل على ما يُطمئنه، وحسب الوقت الذي نتركه فيه يصرخ، نؤسس لدى الطفل ماهية السلوك المتبع حتى تقضى حوائجه.
فالأهل الذين لا يطيلون على أبنائهم الصراخ يزرعون فيهم احترام حاجاتهم بسرعة تلبيتها قدر الإمكان، بينما الذين يتبعون سياسة دعوا الطفل يبكي طالما أكل وشرب، يعملون بغير وعي منهم على خلق مشاعر غضب مبكرة لدى الطفل، تترجم لاحقًا فيما يسمى بالسلوك العدواني.
طالما الصغير بكى، فلا بد وأن لديه احتياج، أدنى مراتبه لدى الأهل، حاجته للأمان والونس، فأكثر الأهل لا يتفهمون الحاجات البعيدة عن المأكل والملبس والمشرب! إذًا نساهم بشكل مبكر في خلق أجواء تساعد على تنشئة طفل على سلوك منضبط أو سلوك عدواني.
رويدًا رويدًا، حينما يكبر الطفل وتكبر قدراته ويتعلم الكلام، يستطيع التعبير عن حاجته فتختفي مظاهر السلوك العدواني المسبب، ويبقى عامل ردة فعل الأهل تجاه تلبية متطلبات أبنائهم مؤثرًا في مستوى سلوكهم فإما يكون حجر عثرة في بناء الشخصية، أو يكون الأهل جدارًا يرتكن عليه الطفل يجد خلفه راحته وأمانه.
وحتى يدرك الأهل تفسير السلوك العدواني عليهم النظر في أسبابه:-
- فسوء الرعاية المنزلية للأبناء وتأخير تلبية متطلباتهم دون إبداء أسباب يقوي دعائم السلوك العدواني.
- كما أن التفرقة بين الأبناء دون إيضاح من الأهل لسبب العناية الزائدة لأحدهم عن الآخر، هو وقود أيضًا للسلوك العدواني، سئلت أعرابية: من أحب أبنائك إليك؟ قالت: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والمسافر حتى يعود، فإذا اضطر الأهل لتمييز أحد الأبناء فليذكروا السبب حتى لا يحرش الشيطان بين قلوبهم.
- كما تعتبر الصرامة الزائدة والتدليل الزائد أسبابًا قويةً لسلوك الأبناء العدواني، وإن كانت ترجمة العدوانية في الحالتين تختلف، ففي الصرامة تتوجه العدوانية أكثر للرفقاء، بينما في التدليل تجد من يجني ثمار ذلك الأهل أنفسهم إذا قرروا أن يمنعوا عن أبنائهم ميزات معينة، فتثور ثائرته لأنه لم يعتد على قول (لا).
كما أن هناك مجموعة من الأسباب ليست بسبب سوء تصرف الأهل منها:-
- الاضطرابات النفسية التي تحتاج إلى تشخيص من متخصص ولا نَصِمُ الطفل بذلك أبدًا مهما بدر منه.
- تسليط الضوء على التفوق الدراسي قد يُولِّد شعورًا بالإحباط وعدم الثقة بالنفس، وبالتالي يترجم إلى مجموعة تصرفات غاضبة نتيجة للإخفاق وعدم التفوق، وما ينبغي على الأهل في تلك المساحة، هو توفير أسباب التفوق، والتأكد من أداء الطفل ما عليه، أما النتائج فأسبابها كثيرة، فلا نركز على النتائج، خصوصًا إذا تبدى لنا أن الطفل قام بما عليه.
- غياب الأهل كثيرًا خارج المنزل يجعل الابن الأكبر يفرض سطوته وأحيانًا سيطرته على الطفل الأصغر، فيحدث نتيجة لذلك رد فعل غاضب عدواني من الطفل الأصغر، والحل يكمن في حسن متابعة الأهل لأبنائهم وإيجاد وسائل فعالة للمتابعة، تُبعد الكبير عن فرض سيطرته على إخوته، فمهما بلغ من رشد، فلن يصل في تصرفه مع الصغير مثلما يتصرف الأهل أنفسهم.
- بعض البيئات تحقر من شأن الإناث تسفه من قدراتهن، ولا يُسمع للفتاة في تلك البيئات صوت ولا رأي، وغيرها من التصرفات التي تكبت الفتيات، فيتولد منهن سلوك عدواني تجاه المجتمع بصفة عامة والذكور بصفة خاصة، ويمتد غضب بعضهن باتهام الإسلام بأنه ميز الرجل على المرأة، ويتساءل الأهل بعد ذلك: لماذا تنفر ابنتي من الدين؟!
- على ذكر الذكور والإناث، لا ننس أثر الهرمونات على اختلاف مزاج الأبناء، خصوصًا فيما بين سن العاشرة والثانية عشر من عمرهم، تساهم البيئة المحيطة بالحد من أثر تلك الهرمونات أو بمضاعفة نتائجها على أبنائنا، وذلك بتقبل أبنائنا، واحترام المرحلة التي يمرون بها، وإدراكنا وإدراكهم لما يحدث في ثنايا جسدهم بأنه سبب من أسباب انفعالاتهم الزائدة أحيانًا، فلا نصرخ على صراخهم، بل نقابله بالتفهم، ثم نناقش أسلوبهم غير المناسب لاحقًا.
- الضرب والصوت العالي والنقد واستخدام الألفاظ النابية والتهديد المستمر والمقارنة بالأقران = وقود لمستصغر الشرر، وإن شئت سمِّها (مدمرات السلوك والشخصية)، فالحذرَ الحذرَ من الوقوع في شرك المدمرات.
- في المقابل من محفزات السلوك الإيجابي، الحب والحنان وزرع الثقة واحترام حاجات الأبناء وتلبية المستطاع منها أو تأخيره وفق جدول حسب الأولويات واحترام حقهم في التعبير والتنفيس عن غضبهم أحيانًا.
إذًا، السلوك العدواني هو نتاج عوامل نفسية بيولوجية بيئية، وتحسين كل عامل منها يصب في مصلحة الطفل ويغير من سلوكه العدواني، ويكمن العلاج في:-
- إدراك الأهل لقيمة العلوم التربوية والرجوع لأهل الاختصاص.
- التعاون بين المدرسة والبيت، من خلال النشرات التربوية، وملاحظة تحسن سلوك الطلاب أولًا بأول وتعزيزهم إذا ما تحسنوا وإبلاغ الأهل بذلك، فكما أشركنا الأهل في ملاحظاتنا السلبية، واجب على المؤسسة التربوية دعم تحسن الطالب وإخبار الأهل بذلك، سيكون أثر ذلك جليًا في تعزيز ثقة الأهل بأبنائهم مجددًا، وتعزيز ثقة الطفل أيضًا بنفسه.
- رفع شعار (الاحترام) وأنه لا يتعارض مع توجيه أبنائنا، ولنا في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القدوة والأسوة، فحينما أراد أن يعلم الصغار آداب الطعام قال: “يا غلام سم الله”، نداء فيه لطف، وحينما جاءه شاب يطلب منه- صلى الله عليه وسلم- أن يأذن له بالزنا؛ انظر إلى ردة فعل الحبيب المصطفى كما جاء في حديث أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: (إن فتى شابًا أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء).
ماذا لو جاء فتى وسألك هذا السؤال أو قال لأبيه أو قال لأمه ذلك؛ لعلت الأصوات وتطايرت الصحف، وسمع من لم يسمع بذلك! فأين نحن من رسول الله قدوتنا؟! إذًا، حتى نحصل على نتائج إيجابية ويتحسن سلوك أبنائنا العدواني، علينا أن:-
- نسمعهم وذلك في أجواء أسرية دافئة من خلال “لقاء الأسرة الأسبوعي”.
- نتفهم حاجاتهم النفسية والبيولوجية ونلبيها قدر المستطاع.
- نوفر لهم البيئة الآمنة التي يتحدثون فيها عن مشاعر الغضب والضيق والتبرم من بعض تصرفاتنا دون أن نصمهم بسوء الأدب.
- لا نترك الصغار يبكون لفترات طويلة.
- لا نترك أبناءنا يواجهون الصعاب بمفردهم، ادعمهم وشجع خطواتهم الصغيرة واستمع لتحدياتهم ولا تحقر منها مهما بدت لك المشاكل تافهة.
- عدم تغيير البيئة المحيطة فجأة، خصوصًا في السن الصغيرة.
- التعامل مع السلوك العدواني بهدوء.
- تذكر أننا قدوة لأبنائنا، وهم مرايا يعكسون فيها تصرفاتنا في الحياة معهم ومع المواقف الشبيهة.
- وضع قوانين تنظم التعامل وقت الاختلاف: “لا لمد الأيدي، لا ألفاظ نابية”، فليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء، كما قال المصطفى- صلى الله عليه وسلم.
- كن مرنًا مع أبنائك قدر المستطاع طالما الأمر بعيدًا عن تقصيرهم في العبادات.
وأخيرًا، ندعو الله أن يلهمنا حسن التصرف مع أبنائنا في مدارسنا وبيوتنا، فبناء الفرد المسلم غاية يبذل من أجلها كل ثمين، ونتذكر ونحن نقوم السلوك أن هدفنا الإصلاح وليس الانتقام، فكلنا راعٍ وكلنا مسئول عن رعيته، فإن عاملنا الله فيهم، يقينًا سنجني جيلًا مميزًا يحمل لنا معروفًا أن صبرنا على عوجه، وقومناه وفق منهج رشيد.