السلام عليكم..
أنا امرأة متزوجة من سبع سنين، رزقني الله بولد وبنت، كان زوجي في البداية مهتمًا بي وبعلاقتنا، لكن بعد أول إنجاب بدأ يتغير!
بدأ زوجي يُدخل في حياته علاقات نسائية أخرى، وكان زوجي يتأسف حين يرى الحزن ظاهرًا على وجهي؛ لكن الآن صارت هذه العلاقات أمرًا طبيعيًا في حياته، حتى أن أهله صاروا يكذبونني لأنهم غير مقتنعين ولا متصورين أن ابنهم يفعل هذه المحرمات!
هذه العلاقات النسائية صارت تؤثر على البيت، ويتغير جوّه بنسبة 360 درجة للأسوأ، ومع أقل خلاف بيننا يهجرني بالشهر أو الشهرين وينام في غرفة منفصلة، وحين أحاول المبادرة بالكلام معه؛ يتهمني بأن أسلوبي في الحديث سيئ، بل ومؤخرا صار يضربني كثيرًا! على أي مشكلة تستحق أو لا تستحق!
لا يوجد بيننا حوار هادئ، كلامه كله صراخ وعراك، وحين أواجهه بأنه يتحدث مع إحدى النساء؛ يضربني؛ مما يجعلني أصل أنا أيضًا لحالة كبيرة من الغضب، وبسبب ذلك كسّرت كثيرًا من لوازم المطبخ! وأنا الآن في بيت أهلي منذ أسبوع؛ لأنه هجرني وقاطعني منذ ثلاثة أشهر!
لا أدرى ماذا أفعل! ولا أستطيع اتخاذ أي قرار، هل أطلب الطلاق أم أرجع البيت مرة أخرى، رغم أن هذه الأمور صارت تؤثر بشكل سلبي كبير على الأولاد؟ نفسيتي صارت تحت الصفر، وصرت لا أحسن التعامل مع أولادي ولا أريد العودة لهذا الوضع مرة أخرى، ولا أريد اتخاذ قرار قد يُضر بأولادي! ماذا أفعل؟!
السائلة الكريمة:
جعل الله الزواج سكن ومودة ورحمة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21)، فالأصل أن نجتهد ونعمل على أن نحيا في مودة ورحمة وسكينة لا عراك وخناق وعلو في الأصوات وهجر في الفراش وغضب عند الأهل وترك للبيت!
أعانك الله على بلوغ هذه السكينة المرجوة من الزواج والوصول إلى الحالة التي عايشتِها مع زوجك أول زواجكما، وهنا مربط الفرس أول الزواج.
يدخل كل طرف في العلاقة ولديه تصورات عن شكل الحياة الزوجية، سواءً كانت هذه الصورة نمطية كما يعيشها أكثر الناس، أو صورة حالمة بحياة مثالية خالية من الصعوبات، ويبدو أن زوجك عاش وهم الحياة المثالية حتى إذا ما أتى أول مولود لكم، وانصرف الاهتمام عنه للطفل انزعج وبحث عن بدائل لا ترضي الله بدلًا من أن يجتهد هو الآخر ويكون عونًا لك على البحث في أسباب تردي العلاقة بينكما.
كما ترتبك كثير من الأمهات الجدد ولا يستطعن التوفيق بين المهام المختلفة التي ألقيت على عاتقهن- أعانهن الله-، فالبيت والزوج والطفل باحتياجاته، يشكل ضغطا على الأم ما لم تجدد نيتها في مثوبة الله لها على هذا الوقت والجهد المبذول.
فعن أسماء بنت يزيد الأنصارية- رضي الله عنها- أنها أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك- واعلم نفس لك الفداء- أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات ومقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضي شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرض، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد فى سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: “هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟” فالتفت النبي- صلى الله عليه وسلم- إليها ثم قال: “انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله”، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً.” رواه البيهقي (1).
فلما نجدد نيتنا في أفعالنا ييسر الله لنا التوفيق بين المهام المختلفة ويفتح الله لك مغاليق القلوب بينك وبين زوجك ويعينك على ما استخلفك فيه من شئون بيتك.
وهنا نذكر الرجل بأن المهام والمسئولية مشتركة فلا تقع المهام على كتف الزوجة وحدها، فكان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، فإذا أراد الزوج زوجة ودودة بشوشة، أعانها في شئون المنزل قدر المستطاع حتى تكون له بين يديه كما يحب أن تكون.
السائلة الكريمة:
البحث في أسباب تردي الوضع بينكما هو السبيل للوصول للعلاج الناجع المناسب، أصلح الله ذات بينكم وصرف عنكم كيد الشيطان: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، وبينت السنة الصحيحة حرص الشيطان على التفريق بين الأحبة، ولا سيما الزوجان، فعن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ» رواه مسلم.
فالتفريق بين الزوج والزوجة غاية يرجوها شياطين الإنس والجن، وعلى العاقل ألا ييسر لهم السبيل، ويكون ذلك بعدة أمور، منها:
- الصبر على البلاء أولًا واحتساب محاولتك الإصلاح عند الله، فما أسهل هدم البيوت، وما أصعب الاصطبار.
- كما نوصيك بالدعاء بأن يصلح الله ذات بينكم، واظبي على هذا الدعاء القرآني: {رَبَّـنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ اَعْيُنٍ}، وبحوله وقوته يرزقك الله قرة العين.
- كما نوصيك بألا تدخري جهدًا في إصلاح أركان البيت المهترئ، وذلك باستعادة روح الزواج الأولى من حرص كل طرف على إخراج أجمل ما لديه لإسعاد الطرف الآخر.
- ويستدعي هذا الإصلاح من الزوجة مجهودًا أكبر في تنظيم شئون البيت، والتوفيق بين المهام المختلفة، وطلب العون من الزوج في مهام محددة يتم الاتفاق عليها في جو من الود وبأسلوب لائق فلا نأمر ولا نحتد في الكلام.
- كما نوصيك بالقراءة والاستماع لفيديوهات تدعم أفكارًا متوازنة للسعادة الزوجية، وإشراك زوجك في مشاهدة المناسب منها حتى يفهم مواضع مسئولياته كزوج وأب فيحدث التوازن في العلاقة.
هذه الحلول المقترحة تتطلب وجودكم في بيت الزوجية تحت سقف واحد، بينما أنت الآن في بيت الوالد وكأنك تيسرين على زوجك أن يستميل الأخريات بغير رقيب ولا وجع ضمير!ولا ننصح بذلك طالما لم تبيتي النية في الطلاق، فإن علم أهلك بتفاصيل الخلاف بينكما فليأخذ الوالد على الزوج تعهدًا بعدم التعرض بالضرب نهائيًا ويكون هذا شرطًا واضحًا للرجوع.
وبغير دخول في تفاصيل علاقات الزوج الآثمة والمحرمة ينصحه الوالد بصيانة بيته، والتوبة عما كان والعزم على ألا يعود لهذه العلاقات ثانية، وحينما قال الشارع: ما اجتمع رجل وامرأة إلا وثالثهما الشيطان؛ كان يعلم ضعف النفس البشرية، والعاقل من اتعظ بغيره، فكم من بدأ بتلطف وانتهى الأمر إلى علاقات تغضب الله.
يفضل قبل هذه الجلسة أن يتواصل الوالد مع أهل الزوج ممن لهم عليه كلمة ويوضح لهم مآلات فعل الزوج ويطلب منهم التدخل الرشيد بزجره ونهيه وتذكيره باجتناب ما حرم الله.
ولا يفضل وجودك في أيٍّ من هذه الجلسات حتى لا يحدث تطاول من أحدكما على الآخر ونحن نحاول الإصلاح، فيكفي أن تنقلي للوالد شروطك للرجوع والعيش بما يرضي الله، ويتكفل الوالد بإتمام الأمر، فإن التمس من الزوج نية في الإصلاح، واستخرت الله في إكمال حياتك معه؛ استطعتِ العودة إلى بيت زوجك وفتح صفحة جديدة تعاملين الله فيه، تؤدين ما عليكِ وتسألين الذي لكِ.
توقعي أن تسمعي من زوجك شكاوى وملاحظات، خذيها بعين الاعتبار؛ فهذا يحدث بطبيعة الحال حينما تتفاقم المشكلات ويكون عند كل طرف ما يبرر سوء فعله، أو بصيغة أخرى يكون لدى كل طرف جوانب تقصير أدت إلى اتساع الفجوة وكبر الخلاف، فخذي شكواه بعين الاعتبار وراجعي فيها نفسك لعل عنده ما يستحق إعادة النظر فيه.
ونذكرك بحسن إدارة غضبك، فعلمنا الشرع أن نتوضأ، وأن نغير هيئتنا، فإن كنت قائمة تجلسين، وإن كنت جالسة تقفين، كما أن الصلاة تطفئ الغضب، اركعي بين يدي الله وبُثي إليه همومك؛ فذلك خيرٌ من أن تعلني غضبك كما وصفتِ في سؤالك؛ وهذا سيعلم أطفالك حسن إدارة الغضب.
أعانكِ الله على رأب الصدع الذي حدث، والله وحده يجعل من بعد العسر يسرًا، ومن بعد الضيق فرجًا، رزقك الله السكينة وألّف بين قلوبكم وصرف عنكم كيد الشيطان وجمع بينكم على خير.