مشكلتي مع زوجي منذ تزوجنا من عشر سنوات وأنا عروس جائتني مكالمات في بعض الليالي، والحقيقة إنه ما أعرف الرقم، وصار مشاكل بيني وبينه على هذا الموضوع ومن كثر ما حسيت بالقهر وأكدت له إنه الوحيد بحياتي؛ صدقني وما عاد فتح معاي الموضوع، بس حاسة إنه يفتعل المشاكل من أبسط الأمور ومستصغرني، هذا جانب.
الجانب الآخر الذي أعاني منه أني في هذه الفترة ضحيت من أجله وشايله أهله على راسي وقائمة بواجب الزوجية على أكمل وجه، وكاظمة الغيظ مع كل أهله رغم المواجع، ووصل بي الحال إني تنازلت عن كرامتي لما أهانتني أخته وتسلطت عليّ زوجة أخيه اللي كارهة أهله، وافتعلت معي المشاكل، ذقت الأمرين وأنا غريبة عن منطقتهم!
مشكلتي الأساسية من وقت وفاة أبيه، تجرأت أخته عليّ مرة وأهانتني وقالت ياريت ما جابك ولا تزوجك رغم أني والله أتعامل معها بكل ود، وأتغاضى عن قبح أفعالها وكلامها اللي طعمه سم، ومن ناحية أخرى يريدني زوجي أن أحسن في معاملتها ولكي صرت لا أستطيع، مستعدة الآن للطلاق ولا أعود للمكانة التي وضعوني فيها، إهانة وقلة احترام، وقالي نريدك خادمة لأمي، أنتِ فاشلة وضروري أتزوج عليكِ، من وقت وفاة أبيه زادت معاناتي لأن أمه قالت لي بالحرف الواحد ابني مش لاقي كيف (وضع جيد) ولا يريدك، وهنا أنا تحطمت وكسروني وانعدمت رغبتي في العيش معهم، ما الحل؟!
السائلة الكريمة: أهلا بك ضيفة عزيزة في المنتدى الإسلامي العالمي للتربية، ومنافذه على وسائل التواصل الاجتماعي.
توقفنا كثيرا عند رصدك لمكالمة بالخطأ كانت منذ عشر سنوات، فذكرك إياها الآن برغم مرور كل هذا الوقت مع توضيحك لزوجك حينها جهالتك بالمتصل، وعدم تحدثه في الأمر بعد ذلك، دليل على أن الأمر لم ينته بداخلك، وغالبا ما تترجمين كل سوء تصرف منه على أن الأمر لم ينته بداخله!
والحقيقة أنه إذا شك الزوج في زوجته فلن يبقيها في عصمته طوال عشر سنوات!
فيجب أن تتخلصي أولا من أثر ذلك الموقف في نفسك، حتى تستقبلي أية تصرفات غير مرضية من زوجك على ضوء الموقف الحادثة فيه هذه التصرفات، وليس على ضوء هذا الموقف القديم.
فكلنا عرضى لتصرفات الحمقى، أو الاتصالات الخاطئة، فهل ستنقلب حياة الأفراد ضنكا بسبب موقف عابر!
فلتستعيذي بالله من الشيطان الرجيم واطلبي العون من الله أن تُخرجي من أسر هذا الموقف المعطل لك ولحياتك.
أيضاً من اللافت للانتباه في رسالتك، ذكرك لتغير الحال عليك من أهله بعد وفاة والد زوجك، مما يعني لنا أنه كان شخصا كريما معك وكان سدًا أمام إساءتهم لك، فلتحملي له هذا المعروف بداخلك، ولتتحملي صغائر من حولك إكراما لكرمه لك يوما ما، ولتحملي لهم بعض العذر، فلعلهم مضطربون بسبب الوفاة، بالطبع لا مبرر لسوء الخلق إطلاقا، يهديهم الله لك، ويصلح حالك وحالهم،
السائلة الكريمة: إذا كنت في السابق تحسني إليهم فاستمري في إحسانك لهم، ليس لأنهم يستحقون، بل أنت من تستحقين المثوبة والأجر، نحن نعامل الناس في الله، وإذا كنت تجدين منهم مقابل في السابق فتتشجعين على عمل المزيد، والآن تجدين إيذاءً فتريدين التوقف، فهذا للأسف مما يدعو الناس له كثيرًا هذه الآونة، وكأن المثيب والمجزي هم الناس، متناسين الجزاء الأوفى من رب الناس، وأنه على قدر المشقة تكون المثوبة والأجر.
الله سبحانه وتعالى يريد لك مقاما آخر، وهو مقام الإحسان، كما جاء في الآيات: {الذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وّالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}، الله سبحانه وتعالى قدر لكل منا ابتلاء في الدنيا، يحط بهذا الابتلاء عنا خطايانا ويرفع بصبرنا عليه درجاتنا في الجنة، لعل هذا ابتلاءك في الدنيا ابنتنا الكريمة أن تخالطي أناسا يؤذونك ولا يحملون لك ودًا سابقًا، يحثنا الشرع على أفضلية من يخالط الناس ويصبر على أذاهم، هو خير ممن لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، كما يقول المولى عز وجل: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ}، أي: افعل المعروف في أهله وفي غير أهله.
كما يذكرنا المولى- عز وجل- بنتيجة إحساننا للخلق في قوله تعالى: {اِدْفَعْ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، فلن يضيع المعروف الذي تفعلينه ابتغاء وجه الله سدى، غدا ينقلب بإذن الله محبة.
نعرف أن المعروف لا يُفرض من أحد على أحد، ولكن في نفس الوقت من الذكاء إذا طلب منك زوجك شيئًا يخص أهله أن تقابلي ذلك بالإيجاب والقبول وافعلي بعد ذلك ما في استطاعتك، أي: أريحيه بالقول واختاري الفعل المناسب لك ولطاقتك، فالرجل مهما رأى عيوبًا في أهله يصعب عليه الاعتراف بها أمام زوجه، فلا تجعليه طرفًا في الصراع، بل عليك أن تكسبي وده بإكرامك لهم، وحينما يرى منك خيرًا تجاههم لن يتحمل من تلقاء نفسه إيذاءهم لك، بل ربما يرد غيبتك من وراء ظهرك.
ولتجعلي أولوياتك في الإصلاح زوجك ثم ليأتي أهله في المرحلة الثانية، وإذا كان كسب زوجك بوابته أهله فاستعيني بالله وجددي نيتك، وبإذن الله سيفتح الله لك مغاليق القلوب، وإليك بعض النقاط المعينة بإذن الله.
أولًا: اشغلي نفسك بالخير كحفظ القرآن وحضور دروس العلم، فلهذا الانشغال أكثر من فائدة، انشغالك بالخير سيعينك على تزكية نفسك، وعدم إهدار وقتك في القيل والقال وسيعلم الجميع أنك مشغولة مما يقلل الاحتكاك بينك وبين أهله.
ثانيًا: خذي قرارًا بفتح صفحة جديدة: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ}، ولتكن بداية هذه الصفحة الجديدة بالتهادي: (تهادوا تحابوا) أو دعوتهم عندك في البيت، لا تتحدثون في مشكلات، مقابلة فيها حفاوة وإكرام.
ثالثًا: إذا لم تستطيعي التجاوز بسهولة فثمة قاعدة مهمة في العلاقات تحدثت عنها بالفعل، وهي إنزالك لمن يؤذيك درجة، لكن ربما طبقتِها بشكل غير مناسب، فأحد أشكال إنزال غيرك درجة يكون في مناداته باسمه مثلا من غير تدليل، بل ثمة صورة أخرى ليس فيها قطعا للرحم، يذكر أحد المتحدثين في العلاقات شكلًا من أشكال إنزال من يؤذيك درجة (ألا تذكري هذا الشخص في دعائك)، لا نرجو حدوث ذلك، لكن ما نقصده بدلًا من فعل المقاطعة تستطيعن عمل بعض الأشياء التي قد تريحك بغير مقاطعة، ولو لبعض الوقت، وهو ما يسمى بالصمت العقابي، أفعال لا تؤاخذين عليها اجتماعيا وتريحك بشكل عملي.
رابعًا: تعلمي وضع الحدود وعدم قبول الإهانة، فغضك الطرف عن الإهانة أحيانا، قد يشعر الآخر بقبولك لها، تعلمي أن تلزمي من أمامك حده بأدب وهدوء، فإن أدّى تبسّطك مع أهله إلى استباحة حرمتك، والاستهانة بك:
- فأقلعي عن التبسّط.
- وأعيدي ترتيب المسافات بينك وبينهم.
- وليكن الكلام على قدر الحاجة مع من يقصد إهانتك.
- فهذا ليس هذا من الكِبر المُحرّم، إنما هو صيانة للحشمة، وحفظٌ للكرامة.
- وإن أدى الأمر لقيامك من المجلس، كأدنى درجات التبرم والضيق، فلتفعلي حتى تصل الرسالة، ولكن انسحبي بهدووووء شديد.
- وكما نذكرك بوضع الحدود وعدم قبول الإهانة، نذكرك أيضا بخلق التغافل، فما زال التغافل من شيم الكرام، فلا تقف عند كل سلوك منهم، فأحيانا يغيظ من يتعمد الإيذاء إهمالك لفعله وعدم الوقوف على صغائر الأمور.
خامسًا: ركزي في حديثك مع زوجك على نيتك الطيبة تجاه أهله، وأبلغيه بكل هدوء الذي يؤذيك منهم، واحرصي أن تتحدثي عنهم كونكم عائلة واحدة، وليسوا أعداءً، فمن المستغرب في رسالتك، قولك (وأنا غريبة عن منطقتهم)! سيدتي الفاضلة، بعد عشر سنوات من زواجك تتحدثين عن كونك غريبة وسط أهل زوجك! هذا مما يعني الكثير، فالعائلات بعد الزواج تنصهر، الانصهار في اللغة معناه تحول المادة من الصلابة إلى السيولة، يزول بالزواج الجمود في العلاقات، فيصير أهل الزوج أهلك، وموطن إقامتهم موطنك، والعكس بالعكس، من المفترض أيضا أن يصير أهلك أهلا لزوجك، فهذه العلاقة تسمى مصاهرة، علاقة ذوبان في الآخر، قد تحتاجين فقط إلى تغيير نظرتك للأمور، وإقبالك على أهل زوجك كونهم أهلك، فإن كان شعورك بعد كل سنين الزواج هذه أنك غريبة عن منطقتهم، فهذا شعور معطِّل، جددي نظرتك للأمور وغيري المسميات في عقلك، حتمًا سيختلف تقبلك لبعض الأمور عن ذي قبل.
هداك الله لما فيه صلاح أمرك، وغفر للمسيئين في حقك، وأبدلك الله من بعد الضيق فرجًا، وفتح بينك وبينهم بالخير وهو خير الفاتحين.
وختامًا نذكرك بأن الله يحب المحسنين، فأحسني إليهم، يأتونك نادمين معتذرين بتوفيق الله وعونه.