زوجي مريض بالوسواس القهري.. هل أطلب الطلاق؟
أنا متزوجة من شخص يعاني من الوسواس القهري وعشت معه 14 سنة من المعاناة ولي منه ولدان عشنا الاضطهاد، والآن أريد الطلاق؛ لأنه يحاول أن يهدم ما بنيته من مبادئ وأخلاق ويحاول فقط زرع الأفكار السلبية في عقول أولاده، هل الطلاق حل؟! مع أنني حاولت معه لسنين لكي يعالَج لكنه رفض وأنا لم أعد أطيق حياة العنف والحرمان منه، فما رأيكم بارك الله فيكم؟!
السائلة الكريمة: أهلا بك ضيفة كريمة على موقعنا أو منصاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي.
14 عامًا من المرض، وتحمل تبعاته! جعله الله في ميزان حسناتك وأعانك وخفف عنك وعن زوجك.
الوسواس القهري ليس مرضًا مزمنًا كي تستمري في هذه المعاناة بسببه سنينًا طويلة، نشفق عليك وعلى كثير من البيوت التي لا تحيا في سعادة، ويقعون في أسر مشكلات يظنون أن بقاءها في الحياة على التأبيد، وهي في الحقيقة غير ذلك!
بالاستعانة بالله واللجوء لأهل الاختصاص تُحل كثيرًا من المشكلات في مهدها، وتحيا البيوت في دفء وسعادة ومودة وسكينة ورحمة كما شاء الله للزواج القويم أن يكون: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
لا نعلم كيف مرت عليكِ هذه السنوات الطوال، وما الإجراءات التي اتخذتِها حيال تلك المشكلة، ولم اخترت الآن تعديل المسار؟!
إذا كان الطلاق مجديًا، فكان وقوعه في الماضي أكثر جدوى، حيث لم يكن للأطفال أن يتشربوا مزيدًا من الأفكار والأجواء السلبية المنغصة للحياة!
أما وقد تركت الأمور كل هذا الوقت، حتى أوشك الكبير على سن المراهقة- إن كنت قد أنجبتِهِ في أول سِنِيِّ زواجك- بما يعني أن الكبير كبر بالفعل وعايش ورأى على ما يبدو ما لا يروق لصبي في مثل سنه، فتأثر الولاد بظروف أبيهم قد حدث بالفعل.
فصبرًا بصبر، ننصحك بإعطاء زواجك فرصة أخرى، ولكن مع محاولات أخرى لتحسين الوضع بينكما، أعانك الله وسدد خطاك.
خذي عهدًا جديدًا مع الله، بينك وبين نفسك، أنك راضية، غير مستسلمة لاضطراب الزوج النفسي (أي أن حالته غير ميئوس من علاجها بإذن الله)، باذلة ما في وسعك لإصلاح ما فسد، والله وحده يرزقك الحيلة النافعة والطريقة الصائبة.
إذا نظرنا للزوج على أنه مبتلى وليس ظالمًا جبارًا، فتكون نظرة الإشفاق والعطف عليه والرحمة به أولى من نظرة الاتهام والتقصير.
المريض النفسي شخص حساس جدًا، حينما يتعرى بمرضه أمام زوجه وأبنائه، يرجو منهم نظرات الرحمة، لا نظرات الحدة، ينتظر منهم العون ولو بالصمت أحيانًا بدلًا من التوبيخ كثيرًا.
المفترض أن المريض إذا علم بفرصة لشفائه- كونه أول المعانين- من الطبيعي أن يهرع باحثًا عن التعافي ولا يتردد، وحينما لا يذهب، يجب أن نقف ونسأل ما الذي يمنعه؟!
إن تعري الجسد وكشفه أمام الآخرين مؤلم جدًا، كذلك التعري النفسي، فإذا عرض زوجك نفسه على طبيب قبل ذلك ولم تكن تجربته جيدة، فهذا مما يصعب دخوله في تجربة علاج جديدة، وإذا دخل في تجربة علاج يصطحب خبراته السلبية معه فتعطله عن المضي قدمًا في العلاج الجديد.
فيجب قبل أن نتهمه بأنه لا يريد العلاج، أن نسأله ما الذي يقلقك من تجربة العلاج، لا بد وأن تسمعين إجابة يكون معها بداية خيط الحل بإذن الله.
نعلم أن الأمور بينكما وصلت لمنحنى غير لطيف، لكن إذا اخترت الإبقاء على الزواج، فيجب أن تتغير أمورٌ كثيرة كما أسلفنا، وليكن اللين مذهبك معه حتى يقتنع بالعلاج، أو تلجأي لمساعدة الأهل إن كانوا يعرفون حالته،
كما يجب أن تتجنبي ربط موضوع العلاج بالاستمرار في الزواج، وهذه نقطة غاية في الأهمية، فكل أسلوب عنيف لن تجني أمامه سوى مزيدًا من العناد!
وحتى تدركي ما يمر به زوجك، وتعينيه على التخلص منه بشكل جاد، يجب أن يكون لديك بعض المعرفة بماهية هذا المرض وطرق علاجه، ونعرج هنا سريعا على بعض المعلومات التي تفيدك بإذن الله، لكن لا غنى عن الاطلاع وستجدين الساحة تعج بالخير الكثير.
بدايةً، يجب أن نفرق بين وسواس الشيطان والوسواس القهري، فالشيطان عادة ما يوسوس للإنسان بفعل أشياء محببة للنفس كأن يفكر في الطعام أثناء الصلاة مثلًا، أما الوسواس القهري فيدعوك لفعل أشياء لا تحبها؛ كتكرار غسل الأيدي، وتكرار التكبير في أول الصلاة بشكل مبالغ فيه، وورود بعض الأفكار الخاطئة بأن الزوج طلق زوجته مثلا فبالتالي هو يعيش معها في الحرام، وهو لم يطلقها أصلا بل هي مجرد فكرة قهرية، إلى غيرها من الأفكار والتصرفات القهرية غير المحببة!
إذا فالوسواس القهري هو فكرة ملحة خاطئة، قد يتبعها سلوك قهري أو لا يتبعها، ويخطئ الشخص أحيانًا بذهابه للشيخ بسبب الخلط بين وسواس الشيطان والوسواس القهري، يطلب الشيخ من المريض أن يستغفر، فيذهب المريض ويستغفر ثم يعود ليجد نفسه يكرر نفس الأفعال، هذا لأن الشيخ ليس هو الجهة المنوط بها مساعدة صاحب الوسواس القهري، فإما يلجأ لأخصائي نفسي أو طبيب نفسي.
عادة الطبيب سيعطي عقاقير، تتحسن معها الحالة ويختلف وقت التحسن حسب شدة الأعراض، هذه العقاقير تعمل على إيقاف الأفكار مصدر السلوك القهري، لكنها توقف أيضًا جميع الأفكار (كالأفكار الإبداعية، فيصبح الشخص منطفئًا غير مبدع غير فعال في الحياة)، وكثيرًا إذا ما توقف العلاج تحدث الانتكاسة.
لذا قد يكون من الأفضل لبعض الحالات ممارسة أنواع علاجات معرفية، أو معرفية انفعالية، وفي هذه النوعية من العلاجات يلجأ الأخصائيون لتدريب المصاب على القضاء على إلحاح الفكرة على عقله بالأساس، وبالتالي قطع السلوك القهري.
فيدربه على:
1- قطع الفكرة،
2- عدم الاستجابة السلوكية للفكرة،
3- صرف الانتباه لشيء محبب؛ كتذكر الجنة، وتذكر النبي- صلى الله عليه وسلم-، وتذكر الله؛ فينشغل بشيء محبب للنفس يصرفه عن إتيان هذا السلوك القهري.
كما يتضمن العلاج المعرفي الانفعالي العمل على مساحة الأفكار والشعور المصاحب للفكرة، فيستخدم المعالج جلسات التأمل والاسترخاء، التي يذهب فيها المريض إلى المشاعر الدفينة، فيفهم نفسه أكثر، ويبدأ في تفسير مرضه (لماذا أصبت به؟!) كما يتعلم التحكم في الانفعالات القلبية التي تحدث له أثناء ورود الفكرة، فيبدأ في تهدئة نفسه بأنها مجرد أفكار.
على سبيل المثال، بعض الذين يعانون من أفكار وسواسية يتهمون أنفسهم بأنهم خرجوا عن الملة لأنهم سبوا الذات الإلهية، فحينما يتعلمون تقنيات العلاج ويبدأون في تطبيقها يدركون بأنها مجرد أفكار تأتيهم قهرًا، وهذا لا يعني أبدًا أنهم خرجوا عن الدين فعلًا، وبالتالي تتحسن عباداتهم وصلتهم بالدين شيئًا فشيئًا.
في السابق كان ورود هذه الفكرة سببًا لشعورهم أن صلاتهم غير نافعة، كيف أصلي وأنا أسب الذات الإلهية؟! فيتوقفون عن أداء الشعائر ويعيشون في جحيم أنهم خرجوا عن الدين! لكن بالتدريب يتم مواجهة هذه الأفكار بمثلها بحيث لا ينتج عن هذه المواجهة إلا السلوكات الحسنة الإيجابية.
كما يتعلم المريض في العلاج المعرفي الانفعالي التنبؤ بأنه قادم على فكرة قهرية، ويتعلم كيف يتعامل معها لكي يدافعها في مهدها.
إذًا مجالات شفاء زوجك ما زالت قائمة سواء بالعقاقير أو بالعلاج المعرفي الانفعالي بإذن الله، لكن المهم أن تجدي الطريقة للأخذ بيده حبًا وإشفاقًا عليه، وتذكري قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ)، فما بالك لو كان هذا الرجل زوجك أبو أولادك، حبيبك يوما ما.. ألا يستحق الأمر أن نبذل فيه جهدًا إضافيًا، مستعينة بالله وحده فهو الذي بيده شفاء زوجك وصلاح حالكم، واستقامة بيتكم.
وحتى تمام الشفاء بحول الله وقوته، يوصي المتخصصون بعدم نكأ جراح المريض في موضع وسواسه، فإذا كان ممن لا يحب أن يستخدم أحد (أشياءه الشخصية) على سبيل المثال، فاحترمي ذلك، وعلمي أبناءك أن يحترموا ذلك، لأن الانتهاك سبب الوساوس لديه، يرفع من مستوى قلقه، وبالتالي يدخل في دائرة السلوك القهري.
كذلك نوصيك بعدم متابعته بصريًا أثناء أدائه السلوك القهري حتى لا تتعرضي للغضب والضغط، فإذا كان بإمكانك ترك المكان دون إشعاره بأنك تركتِه لهذا السبب يكون أفضل لك وله.
أختنا الفاضلة:
نعلم تمامًا أن من يرافق أي مريض (سواء كان مريضًا بمرض نفسي أو عضوي)، ينال كثيرًا من الضغوط، لذا وأنت تحرصين على علاجه، نوصيكِ بنفسك خيرًا، وذلك بـــ:
- أن يكون لك وقتك الخاص تفعلين فيه ما يروق لك بعيدًا عن زوجك وأبنائك.
- أن تتعلمي مهارة جديدة، فالتعلم يجدد الروح ويصرف الذهن عن التفكير في مشاكل الحياة.
- تعلم إدارة الغضب وذلك بالتدريب على تقنيات التنفس الصحيح (تجدينها على الإنترنت)، فالتنفس الصحيح يعيد توازن النفس، وينفس عن الغضب أولًا بأول.
- الصلاة والدعاء، ملجأنا في كل نائبة، فمناجاة الله شافية كافية، وحده يعلم حالك، ويرفع عنك ما أهمك.
كما نوصيك بإكمال ما بدأت من غرس قيم في الأبناء وإذا كان تدخل الأب في هذه المرحلة يفسد ما فعلت، فأجلي النقاشات مع أبنائك في حال عدم وجوده.
كذلك من المهم صرف انتباه الأبناء عن متابعة المشكلة وتركيزهم على شئونهم (مذاكرتهم وعبادتهم )، وللرياضة دور مهم وأساسي- قدر استطاعتكم- في شغل وقتهم بما يفيد، وكذلك التنفيس عن الضغوط التي قد يتعرضون لها، كونهم تأثروا بحالة أبيهم.
وأخيرًا، نرجو أن يمن الله على زوجك بالشفاء، ويجعل دعمك له وحرصك على تحسن حالته في ميزان حسناتك، فما أجمل أن يكون صنيعك في الدنيا البناء لا الهدم، وهذا ما اختصك الله به دون غيرك، فسبحانه إذا كلف أعان.