زوجي رجل ذو وظيفة مرموقة، وصيت عالٍ بين الناس، ودخل مرتفع أضفى على حياتنا سعة مادية وحياتية كبيرة، حتى إنك لا تكاد تسمع عن بيتنا الفسيح وحياتنا البهيجة إلا وتتمنى أن يرزقك الله مثل ما رزقنا.
لكن المشكلة الكبرى أن زوجي لا يهتم بالبيت إلا من الناحية المادية وحسب، فهو بمثابة وزير للمالية في بيتنا يُدبر لنا احتياجاتنا ويُفرغ جيوبه المنتفخة في يدي أواخر كل شهر، ويمنح ويعطي الأبناء من عطاءاته ومنحه الكثير ما يجعلهم لا يشعرون بأي نقص مادي أو احتياجات أو كماليات قد يرونها عند بعض أقرانهم.
لكنه للأسف في المقابل، لا يهتم بمشكلات أولاده ولا يهتم بحسن تربيتهم وتوجيههم التوجيه الصحيح، فكل ما يخص الأبناء في هذا الجانب في المرتبة الأخيرة بالنظر إلى مشاغله الوظيفية الأخرى، حتى اختل ميزان التربية عند الأبناء، وأصبحوا يتفلتون مِنّي تفلتًا كبيرًا لا أستطيع مقاومته.
الإجابة:
مفتاح تغيّر أي زوج من أي ناحية هو تقبله، وتجاوز النقص الذي ترينه، ثم الشكر والتقدير والاعتراف بجهده وتعبه، التركيز على ما يحسنه ويستطيعه، لا نقول هذا لأننا لا نريد منه أكثر من ذلك بل نقوله عندما نريد منه ما هو أكثر، هكذا تستجلبين حاجتك في مشاركته هموم الأولاد. لن يجري تحصيل ذلك بالشجار أو الإلحاح في الطلب أو الاتهام بالتقصير.
ثاني مفتاح لمشكلتك هو استجلاب الرضا واستشعار النعمة، لا توجد حياة إلا وبها نقص في جانب ما، البعض قد يُيئسه الشيطان فيتمنى لو كان عنده ما سلب حتى لو سلب ما رزق، يسعى لكمال لن يأتي، يقول لو أوتيت كذا لصار كل شيء على ما يرام، ينقصني فقط كذا، وفي حالتك كفاية زوجك لبيته واحتياجات أولاده هذه نعمة كبيرة. لا يتماشى معها القول بأنه: (لا يهتم بالبيت إلا من الناحية المادية)، بل هو يهتم ويفعل الكثير وربما فقط تحتاجين منه المزيد في جانب معين. يجب أن تغيري قناعاتك أو طريقة حكمك على الأمر.
ولا شك أنّ مسؤولية البيت ونجاحه لا تتم إلا بالتشارك بين الزوجين، فهو له دور مهم مع الأبناء لكن أساس وظيفته التي خلقها الله لأجله هي خارج البيت لاستجلاب الرزق وهذه وظيفة ليست بالهينة بل شاقة ومسؤولية عظيمة، تمامًا كمسؤوليات الأم العظيمة داخل بيتها، نقول هذا لنوضح أنه مطلوب من زوجك تحسين بسيط لا تعديل كبير، لأنه ستظل المهمة الأكبر على عاتقك أنت في متابعة ومراقبة ومحاولة حل تحديات الأبناء التربوية على الأقل نتيجة تواجدك لفترات طويلة معهم. ناهيك عن القدرات التي وضعها الله في الأم من صبر وقوة تحمل وقدرة الاهتمام بالتفاصيل وغيرها من السمات التي لا يملكها الأب. توضيح هذا مهم لكي تضعي حجم التغيير المطلوب من زوجك في موضعه.
ينقلنا هذا إلى ضرورة أن تحددي نوعية المشاركة التي تتمنينها من زوجك، حتى تصبحين على علم بطبيعة ما تحتاجينه لأنه أحيانًا يكون غير واضح لنا ما نحتاجه في الوقت الذي ننتظر أن يفهمه شريك حياتنا. وكذلك لأنه قد يجتهد في هذا الجانب لكن نتيجة عدم وضوح ما تحتاجينه بالضبط قد لا تتمكنين حينها من تقدير محاولاته مما قد لا يشجعه على الاستمرار.
وعلى أقل تقدير فوجود الأب في حد ذاته حتى لو لم يكن فاعلًا مع أولاده رابطٌ لكثير من تصرفاتهم، ومحقق للاستقرار النفسي وملجمٌ لهم حتى لو لم يتدخل كثيرًا، وبخاصة لو كان هذا في إطار من الاحترام بين الأبوين وتقدير كل منهما لجهود الآخر، ما ينعكس فورًا على الأبناء وسلوكياتهم واستقرارهم بشكل أفضل بكثير من أجواء التوتر وإبداء الانتقاد باستمرار من أحد الطرفين للآخر.
أما عن كيفية خلق اهتمام لدى زوجك بجانب التربية، فيمكنك بذكاء أن تُشركيه في الأمر كأن تطلبي منه أن يقيم أسلوبك مع الأولاد في بعض الأمور، فيجعله ذلك أكثر تركيزًا واهتمامًا، يمكنك أن تثني على أبسط مشاركاته التربوية حتى لو لم تكن متكررة فتخبريه عن سعادتك بإنصاته للأولاد أو إدلائه برأيه في إحدى مشكلاتهم أو ملاطفتهم، هذا أدعى أن يستمر ويزيد من تصرفاته هذه، يُمكنك في وقت مناسب أن تطلبي مشورته وتحكي له عن بعض – وليس كل- همومك تجاه الأولاد وتسأليه عما يجب فعله. وحاولي دومًا إطلاعه على تفاصيل حياتهم بجانبيها الجيد وغير الجيد، لا تُطلعيه على السلبي منها فقط.
اطلبي منه مهامًا بسيطة ومحددة كاصطحابهم للمسجد أو الاجتماع بهم في وقت الغذاء أو جلسة أسبوعية واستمري لفترة ثم مع الوقت أضيفي مطلبًا آخر صغيرًا، أخبريه أيضًا عن حب الأولاد له وتأثرهم به واجعليه يشعر أنه يستطيع أن يؤثر بهم بكلمة ما قد يستغرق منك مئات الكلمات. دعي الأولاد يعبرون له عن سعادتهم بوجوده وسطهم وعوّديهم استقبال والدهم عند العودة من العمل والجلوس معه قليلًا بعدها فأجواء البيت وما فيها من مرح وود أدعى لجلب اهتمامه وتركيزه مع الاحتياجات التربوية بجانب المادية.
وبشكل عام اجتهدي أن تخلقي محاضن تربوية متعددة كالمسجد ودروس العلم والعائلة الكبيرة وربما وجود شيخ معلم في حياتهم بحيث تعينك كلها في تحقيق أهدافك معهم. وعليك بكثرة الدعاء فالله هو المستعان والهادي والموفق.