أنا متزوج منذ ستة أعوام، ولدي ثلاثة أبناء، أعمل بمهنة حرة وزوجتي موظفة، أعيش مع أهل زوجتي ويسكن أهلي في منطقة بعيدة عنا.
مشكلتي تكمن في زوجتي، فهي عنيدة جدًا، تريد أن تعيش وَفق هواها، ولا تحسن إلى عائلتي ولا تهتم بهم حتى بسؤال الهاتف، تظن أن أهلي يعترضون على زواجي منها بسبب الفارق الشكلي بيننا، والحقيقة أنهم كانوا سعداء لأنهم يحبونني ويثقون في اختياراتي، أشعر أنها تحاول أن تفرق بيني وبين أهلي لمّا علمت رضاهم عني، تتعمد إغضابي وتهددني بالطلاق وقد رفعت ضدي بالفعل دعوى طلاق لأسباب تافهة جدا، ورغم ذلك اعتذرت لها وطلبت منها السماح حرصًا على بيتي، تأخذ قرارات مهمة دون الرجوع إليّ وأحيانًا بالمخالفة لرأيي، تخرج من البيت دون إذني، تتصرف أحيانًا وكأنه ليس لها زوج، حتى حقوقي الشرعية لا تعطيني إياها، تنفر مني وتهجر الفراش في الخصام لتنام مع الأولاد، لا تتزين لي في البيت، زوجتي تعتقد أن راتبها يغنيها عن زوجها، بالرغم من أني أنفق عليها بسخاء مما يمكنها من الادخار كثيرًا من مالها الخاص خفية دون أن تخبرني، ومع ذلك أنا أساعدها في البيت وأعتني بأولادي ولا أبخل عليها أو على والديها.
أسباب الخلاف بيننا كثيرة وتافهة، وأحيانًا بسبب تذكرنا للماضي. أشعر أن زواجي فاشل ولا يوجد بيننا تفاهم، وشخصياتنا مختلفة تمامًا، زوجتي تعتقد أنها أحسن مني تفكيرًا وعلمًا، ولكي أكون منصفًا فأنا أدخن وأغضب كثيرًا. وهي تفعل المستحيل لتربية أبنائي وتعتني بهم جيدًا، وهذا من أكثر أسباب تمسكي بها لأنّ مصلحتهم فوق أي اعتبار. لكن حقوقي كزوج ضائعة وكثيرًا ما تسيء إليّ فأكلمها ولا ترد ثم تعود فتهددني بالطلاق رغم أنني لم أعد أطيقها ولا أتحملها، مما أثار غضبي بشدة مؤخرًا وتلفظت بألفاظ نابية لا أحبها ثم عدت فاستغفرت.
الآن هي اقترحت عليّ الزواج بأخرى وأنا أفكر بالفعل بالزواج بأخرى أو هجرها تمامًا والعودة لأهلي الذين هم في أمسّ الحاجة إليّ، مع العلم أنها وحيدة ولا يوجد من يساعدها في تربية الأبناء، أنا إنسان مسالم متسامح أنسى الإيذاء وأحب الخير للجميع وهذا ما يجعل البعض يستغل طيبتي هذه وهذا عيبي، فماذا أفعل؟
الإجابة:
نأسف معك أخي السائل بسبب كثير من التفاصيل المزعجة التي وردت في رسالتك، ويبدو لنا أن علاقتك بزوجتك فيها من التشابك والتعقيد ما يحتاج إلى تفنيد، فكلما وضعنا يدنا على جزء وظننا أنه السبب وراء هذا الحال بينكما تبين لنا بعدًا آخر، لكن القاسم المشترك بين كل ما ذكرت أن علاقتكما تفتقر إلى أبسط أشكال المودة، ولا يوجد في ثنايا الكلام ما يوضح كيف يملأ خزان الحب بينكما، والأهم من هذا وذاك هو افتقادكما لقيمة الاحترام في المعاملة، فكثير من البيوت قد تستمر بالاحترام حتى وإن افتقد الحب، وأكثر ما يهدد بقاء البيوت واستقرارها هو عدم الاحترام والندية في التعامل.
عليك أولًا أن تُفرق بين ما تتوهمه وما هو حقيقي، فكل ما تظنه عن زوجتك تحتاج إلى تفنيده ثم مناقشتها فيه والتعبير عنه في وقت مناسب، لأنّ بعض ما ذكرت قد يكون من وساوس الشيطان ولا أساس له من الصحّة، لكن يدفعك للاعتقاد به ربما كما قلت بعض الذكريات السيئة بينكما أو بعض الأفكار غير الصحيحة داخلك. وأحيانًا مجرد إشراك الآخر فيما يجول بداخلنا وحقيقة ما نشعر به وتوضيح ما نحتاجه منه يكون بداية الحل، ومن ثم فلا يصح منك الكتمان أو افتراض معرفة الآخر.
ومن أجل أن تجد الوقت المناسب لهذه المصارحة الهادئة- وهي أمر ضروري- عليك أن تمهد لها لفترة بطرق عدة، كأن تسأل نفسك عن حقيقة ما تحتاجه زوجتك منك، فقد ذكرت أنك تغدق عليها وتلبي احتياجاتها ومع ذلك لا تغير هي من معاملتها، إذ ربما ليس هذا ما تحتاجه زوجتك.
ذكرت أيضًا أنك كثير الغضب، والغضب من أكثر الصفات التي تغطي على أي شيء حسن حولها، وهو يفقد المرأة الشعور بالأمان، وكما قلت فإن زوجتك امرأة عاملة، لديها مالها الخاص، إذن لا بد من أن يوفر وجودك في حياتها شيئًا أكثر بكثير من مجرد توفير المال لها.
من الواضح كذلك أن زوجتك تشعر جيدًا بعدم رضاك عنها، وبأنها غير جديرة بسد خانة الزوجة، وقد ذكرت فارقًا شكليًّا بينكما في بداية حديثك، واعتقاد برفض أهلك لها، كل هذا قد يكون سبب الإحباط وفقدان الأمل في علاقتكما، ما يُؤكد هذا اقتراحها عليك الزواج بأخرى. واعلم أخي السائل أنه لا يوجد امرأة طبيعية تسعد بكونها زوجة فاشلة، ولا يوجد امرأة على الفطرة تتخلى عن حاجتها لزوجها مهما امتلكت من أسباب أخرى للقوة، ومن ثم فزوجتك حتمًا ليست سعيدة ولا راضية بهذا الوضع.
في حين يمكنك أن تتودد لها بالكلام الطيب، وتكثر من الثناء عليها ومدحها، ومدح شكلها، وتتوقف عن انتقادها، وتصبر على أخطائها، حتى لو لم يكن هذا حقيقة ما تشعر به، أملًا في إصلاحها وإعادة الثقة بنفسها مرة أخرى، إذ لا يتخيل أن تشعر امرأة بالأمان والود والاهتمام ثم تطلب من زوجها الزواج بأخرى!
وتذكّر أن المرأة إذا أحبت وهبت وأعطت، فيمكنك أن تركز لفترة على كيفية كسب قلبها، والتعبير لها عن الحب بالطريقة التي تفهمها، نعم لا مبرر أبدًا لعصيان الزوج ولا مبرر لمنعه من حقوقه الزوجية، ولا طائل مطلقًا من التعامل بندية أو عناد مع الزوج، ولو كانت الزوجة هي السائلة لكان لها رد يناسب حجم ما ترتكب من أخطاء، لأنها بذلك قد أدخلت علاقتكما في دائرة مفرغة، فحرمانك حقوقك الأساسية يسبب لك غضبًا يدفعك لسوء معاملتها ومن ثم يرسخ هذا سلوكها السيء معك، وهكذا دواليك، ويتعارض كل هذا مع ما يحث عليه حديث رسول الله: (لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).
لكن الأمر يتطلب أن يقرر طرف كسر هذه الدائرة بالتخلي المرحلي عن النظر والمطالبة بحقوقه، والانشغال بتأدية حقوق الآخر ومخاطبة وده، وبما أنك من أرسلت لتسأل وبما أن مصلحة الأبناء أولوية قصوى لديك، فنحن ننصحك أن تجعل محاولة الإصلاح في المرتبة الأولى، فالهروب والهدم ما أسهلهما لكن لا ضمانة للراحة بعدهما، وتقدم كذلك لزوجتك ما يجعل الإصلاح هدفًا لها هي الأخرى، وننصح وقتها باللجوء لأصحاب الحكمة والمشورة لمساعدتكما، والبشرى لكما من الله بالتوفيق، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا …}.
ونذكرك أخي السائل أنه ليس من طبيعة الأمور أن يمتلك أحدٌ طرف الحق كاملًا، بل دائمًا ما تقع المسؤولية على الطرفين، ودائمًا ما قد تجد في الطرف الآخر ما يعينك على الاستمرار شريطة أن تقرر أن تغير طريقة نظرتك للأمور، فقد قال رسول الله: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر).
إن لم يكن كل ما فات مجديًا؛ فيمكنك أن تسلك مسلكًا آخر كالزواج بأخرى، ولا نوافقك الرأي مطلقًا في ما تفكر فيه من عودة لأهلك وترك أبنائك، ولا نجد هذا يستقيم مع ما ظهر منك من اهتمام بأبنائك وحسن رعايتهم، ولا نجده يستقيم مع حديث رسول الله: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، نعم قد يكون أهلك في حاجة إليك لكنك محاسب أمام الله عمن تعول وهم أبناؤك، فلا تؤاخذهم بجريرة أمهم.