السؤال
أنا أم لأربعة أبناء متزوجة من 16 سنه والحمد لله علاقتنا أنا وزوجي جيدة، لكن من 5 سنوات سافر إلى السعودية ومن هنا بدأ البعد والمشاكل.
حين ينزل الإجازة لا بد وأن تحدث مشكلة، دخلت على صفحته لأتابع الصفحات المنضم لها فوجدته يتابع الكثير من مجموعات الزواج المسيار رغم أن أخلاقه جيدة، ويصلي ويعتكف في المسجد، ويذاكر لمعادلة كي يحسن من موقعه الوظيفي في العمل.. أنا مصدومة لأني لم أكن أشك فيه ولو ذرة.
اشتكيت له إني لا لم أعد قادرة على تحمل الأولاد وحدي، فكان يؤجل الأمر بحجة التحضير للمعادلة، وشراء شقة تمليك، لكنه قرر أخيرا أن يأخذنا معه هذه السنة، ولست أعرف هل تزوج بالفعل مسيارًا أم لا، لكي أشك أنه قد فعلها بنسبة 85%!
هل أواجهه وأحضر الكبار في العائلتين وأطلب الطلاق أم ماذا؟! خصوصا أني ولله الحمد بشهادة الجميع أراعيه في غيابه وأرعى البيت على أكمل وجه، وحينما يأتي لإجازة لا أقصر معه.. فما العمل؟!
الرد
السائلة الكريمة:
أعانك الله وهدى قلبك وشرح صدرك وأزاح عنك الهواجس والوساوس، فإنه باب مهلك للنفس ولا يسد هذا المدخل (الظن بزواجه) المزيد من البحث والتنقيب؛ بل يسده اللجوء إلى الله بأن يهدي قلبك ويريح بالك، ويذهب عنك الهواجس إن كانت كذلك، ويقر عينك بصلاح زوجك.
لا تستقيم الحياة بالظنون، وكذلك لا ننهيها بطلب الطلاق بناءً على ظنون أيضا؛ لا نقول لك تجاهلي مشاعرك، وكذبي ما رأته عينك من متابعته لتلك الصفحات.
ما نستطيع قوله أن ننصحك بألا تدخري جهدًا في أن تستعيدي الشكل الملائم لحياة أي زوجين طبيعيين في أقرب فرصة ممكنة؛ فالأصل أن يقيم الزوجان معًا، وكل مخالفة لهذا الأصل بلا داع حقيقي مؤداها مشاكل وظنون واحتياجات غير ملباة سواء كانت للزوج أو الزوجة، في مقابل ماذا؟!
شقة تمليك- كما يدعي الزوج- والتفرغ للمعادلة؟!
من حقك ومن حق زوجك أن تحلما بمزيد من الاستقرار ولكن ليس على حساب جودة حياتكما معًا؛ فراجعا أولوياتكما من جديد، ولا تدعي الشك في أمر زواجه هو محور إقناعه بضمك والأولاد إليه في الغربة، أو بعودته لبلده.
اجعلي حديثك معه عن حاجتك وحاجة الأبناء له، ورتبا للأمر بشكل غير ضاغط، بعيدًا عن الصراخ والانفعالات.
لا ننكر أن اشتراك الزوج في صفحات الزواج المسيار أمر يدعو للشك والحذر، ولكنه ليس دليلًا أبدًا على تورطه في ذلك، فكم تابع أحدهم صفحات عناوينها لا تليق بمبادئه وقيمه، ولكن كان له هدف غير موافقة المحتوى المكتوب، كالاطلاع والدراسة وعمل الأبحاث وغيرها من أسباب.
ما نقصده من ذلك أن نشير إلى أنه كما أن هناك مدعاة لسوء الظن فهناك أيضًا تفسير حسن كما بينا، خصوصاً إذا لم تجتمع شواهد أخرى تدل على ذلك.
أمر آخر مهم، برغم تقديرنا لغضبك و أن لك كل الحق في ذلك إلا أننا يجب علينا أن نفرق بين الشك في أنه أتى بأمر (محرم أم أمر أباحه البعض)؟!
فالزواج المسيار جائز إذا توفرت فيه أركان العقد الصحيح، من حضور ولي المرأة أو من ينوب عنه، وشاهدي عدل، وصيغة دالة على العقد.
نعم النتيجة واحدة وهي (الغضب)، لكن إن أتى محرمًا تكون خسارة دنيوية وأخروية، فهوني على نفسك بتذكر ذلك المعنى.
نعلم أن الأمر وإن حدث بشكل أكثر وضوحا “كالتعدد” هو ما لا تقبله نفسية المرأة أيضا بسهولة، وهو أمر شديد على أغلب النساء، وتختلف فيه ردود الأفعال من غضب يصل إلى الطلاق وبعضهن يهدأ بعد حين ويرضى بالأمر الواقع.
فهوني على نفسك إنها حتى الآن مجرد ظنون ولا داعٍ لإشراك الأهل، اجمعي جهدك في إعادة الاستقرار إلى بيتك كما كانت العلاقة بينكما قبل السفر وتحدثي معه بالمنطق عن المكاسب والخسائر من السفر حتى تصلا إلى نقطة مشتركة في الحوار تبنون عليها خطوات عملية لاستعادة الوضع السابق كأن تسافري له في نصف العام أو كلما تيسرت لكم الظروف.
قد يتهمك الزوج بأنك تفسدين عليه خططه الخاصة بشراء شقة، أخبريه بأنك تتمنين مثله لكن إذا أتت على حساب العلاقة بينك وبينه، وبالتالي بينه وبين أبنائه، فستكون حينها مكسبًا وهميًا.
كما ننصحك بسد المنافذ على الشيطان بعدم تتبعه وانتهاك عوراته، فطالما ألقى الله عليه ستره حتى الآن، فلا يجوز لك التفتيش من ورائه، قال تعالى في سورة الحجرات: {وَلَا تَجَسَّسُوا}،
وقال الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع عورته يفضحه ولو في جوف رحله) رواه الترمذي.
فالسبيل هو إصلاح ذات بينكما خصوصًا أن للزوج رصيدًا لديك؛ وإن باءت المحاولات بالفشل صارحيه بظنونك واختاري كلماتك وأسلوبك حتى لا ينقلب الأمر هجومًا عليك.
والحل الأخير دائمًا، هو ما بدأتِ به (التفكير في الطلاق)، فكما أن الحياة بالشك قد تصل بصاحبها لجحيم؛ فالطلاق غير المدروس أيضًا قد يصل بطالبه إلى عذابات لم يكن لأن يتخيلها.
رزقك الله الحكمة والروية والبصيرة ولملم شعاث قلبك وألهمك رشدك وجعل زوجك قرة عين لك كما كان.
كما ندعو لك أن يجزيك الله خيرًا على حسن رعايته ورعاية بيته وأولاده فحسن تبعل الزوجة لزوجها جزاؤه عظيم، فداومي على ما أنت عليه واستعيني بالله، وإذا احتجت للحديث مع مختص لتخفيف الضغط النفسي عليك فلا تتواني حتى تعيدي اتزانك وهدوءك النفسي فلا تتخذي قرارات تندمين عليها.
فائدة أخيرة من رسالتك:-
لعل غيرك ممن يشجعن الزوج على السفر لجلب المال يدركن بسؤالك هذا جانبًا مؤلمًا ومآلًا سيئًا من مآلات ُبعد الزوجين عن بعضهما بلا ضرورة ملحة؛ فالأصل في الأسرة أن يعيش الزوج والزوجة تحت سقف واحد، حتى لا يجعلوا للشيطان عليهم سبيلا، وفي الضرورات القصوى يسمح بالسفر على ألا يكون ذلك هو الأصل أبدًا.
هدى الله رجال المسلمين لرعاية زوجاتهن كما يحب ربنا ويرضى، ورزقهم اتباع وصية الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- في آخر ما قال في حجة الوداع: “ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوان عندكم”.