أنا في مشكلة كبيرة، زوجي رمى عليّ يمين الطلاق، وأخذ ولدي مني، وضربني حتى كسر ذراعي، وكل ذلك على أتفه الأسباب في البيت، وأمام الأولاد يشتمني ويضربني، وكرّهني إلى الأولاد، لدرجة أنهم لا يريدون أن يرونني أو يجلسوا معي!
لا أدري ماذا أفعل؟! أحتاج المساعدة، أنا خائفة على أولادي وهو لا يريد الصلح.
نشعر بأسى بالغ حينما تصلنا مثل هذه الرسائل ونحن في عصر امتلأ بالمعلومات والوسائل التي تنفي الجهالة وسوء الخلق، ما أصبح أحد معذورًا في استعمال العنف ضد الزوجة بدعوى أن هذا مما يصلحها، وأصبحت الزوجة غير معذورة بقبولها هذا العنف الذي يبدو أنه ليس بجديد عليك، فطرق معالجته باكرًا وتحسين الحياة بين الزوجين أصبحت لا تخفى على أحد.
فالدورات التثقيفية، والمستشارون المتخصصون، والشيوخ الأفاضل موجودون ملء السمع والبصر، ييسرون على الناس حياتهم ويجلون الغشاوة عن العيون والأبصار.
أختنا الفاضلة: أعانك الله على حالك، ودبر لك أمرك، وقدر لك الخير حيث كان ورضّاكِ به، وشفاكِ وعافاكِ.
كنا نود أن تراسلينا باكرًا قبل أن يسوء الحال ونصل إلى هذه النقطة، ولكن قدر الله وما شاء فعل، أما وأنه طلقك طلقة، فقد يراجعك بعدها، عليك اللجوء إلى الله والإلحاح في الدعاء أن يقدر لكِ الخير.
أرسلت لنا سبب الإهانة التي تعرضت لها، وهو سبب يبدو تافهًا فعلًا، وإن كان زوجك ممن تُستثار حفيظتهم سريعًا هكذا ويغضب على أبسط الأمور، فكان لا بد من وقفة وإعادة النظر في استمرار هذا الزواج على هذه الشاكلة!
من الإنصاف أن نسمع الطرفين حتى نحكم على المشكلة من جميع الزوايا، أما والمتاح لنا التفاصيل التي ذكرتِها فقط، ورواية الزوج لدينا معدومة، فنسألك أن تراجعي معاملتك مع الزوج، هل كانت على ما يرام؟! هل كنت تتقين الله فيه، وهو لا يُرجى مع حاله نفعٌ؟! هل علمت ما يغضبه في المطلق وتحاشيتِ أن تغضبيه، ومع ذلك يغضب؟!
إجابتك على هذه الأسئلة توضح لك جوانب التقصير إن وُجدت، وحقيقة شخصية الزوج إن أغشي عليك بسبب العشرة وإرادة تربية الأبناء، بين والدين غير متفقين ظنًا أن في ذلك الخير للأبناء.
كل مشكلة بين طرفين، يتحمل كلا الطرفين نسبة من الخطأ، قد تختلف نسبة الخطأ لدى أحدهما فيتحمل القدر الأكبر ويقع عليه معظم اللوم، في نفس الوقت يكون لدى الطرف الآخر حيلة لتقليل الخسائر، وعدم تصعيد الموقف ليصل إلى حد تصعب معه الحلول العادية!
نذكر لك بعض الحيل:
- التزام الصمت وعدم رد الكلمة بالكلمة.
- سرعة تلبية حاجة الزوج ما دام ذلك في الإمكان حتى تتجنبي إغضابه.
- القول الحسن في المطلق، ووقت الخلاف، يذيب الجمود في العلاقة، أمرنا أن نقول للناس حسنا، وأولى الناس بالقول الحسن ذوي القربى.
- اجعلي زوجك أولوية حياتك (اهتماماته، طلباته، حاجياته)، يشعره ذلك بالاهتمام والرضا، فيرفع عنك الأذى إذا ما حدث منك شيءٌ نتيجة ظرف ضاغط، .فقد رأى منك خيرًا كثيرًا يشفع لك ضيقًا ألم بك!
- التعامل مع الزوج بالفضل، وكذا الزوجة معاملتها بالفضل، سلوك يخضع الجميع لرداء الود والسكينة، والفضل هو ما زاد عن الواجب بحب وبغير انتظار مقابل، حسبة لله وفقط، من باب الإحسان: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فالمعاملة بالفضل وبالمعروف، وبتقوى الله فيمن نعامله؛ تملأ خزان العلاقة بما يشفع إذا ما اضطربت الأمور، وتغيرت الأحوال!
هذا في الأحوال الطبيعية، وفي العلاقات السوية، فإذا كان زوجك سهل المعشر في البداية، والغضب أمر جديد عليه؛ فنسألك: ما الذي تغيّر فأوصل الأمور إلى هذا الحد؟!
لعلك تجدين بعض الخلل وتقفين على بعض الأسباب التي يمكن تقويمها من طرفك إذا انصلح الحال وعادت المياة إلى مجاريها، وإذا تيقنت بأن الخطأ من لدنك قليل، وطبع الزوج صعب، ويهين ويضرب على أبسط الأشياء، فنسألك إذا لماذا تبقين على علاقة فيها هذا الكم من الأذى وقد شرع الله الطلاق لمثل هذا وغيره: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ}.
كثير من النساء يبقين على علاقات مؤذية، بدعوى الأبناء، حتى يتربوا بين أب وأم في أجواء أسرية، لكن بالله ما هذه الأجواء التي يشب فيها أبناء يرون استباحة جسد الأم هكذا؟!، ستتشوه نفسية الأبناء قطعًا، وإما يرفضون الزواج في المستقبل، وإما يفعلون مثل ما كان يفعل الأب، وتستمر دائرة العنف بلا توقف!
سلمي أمرك لله، ولا تتعجلي الصلح أو الرجوع، فإن لم يشعر زوجك بالندم على ما حدث، ويشعر هو بحاجته للرجوع ورأب الصدع، وعاد لأنك من طلبت الصلح، فسيعود وتتكرر المآسي، لأنه لم يجد من يردعه، الصلح يكون بشروط، وتكون جلسة بها رجال يأخذون عليك وعليه عهود، فنحن لا نريد حياة فقط يكون فيها ما يكون، بل نريد بيتًا مسلمًا، يملؤه الود والرحمة والسكينة، فإن رأيت نية منه للانصلاح، وندم حقيقي، واعتراف بالخطأ، فامضي في الصلح، وإن بدا مكابرًا معاندًا غلاطًا، فتخوفي من تكرار المشكلات!
كم من بيوت انصلح حالها، لما عاش طرفا العلاقة حالة التهديد هذه، لما رأوا مر الفراق، وتمزيق الأبناء بين أب وأم كل يعيش بطريقته، فاختاروا أن يعودوا راشدين، مدركين قيمة كل طرف في العلاقة، فاعلين ما عليهم، سائلين الله أن يرزقهم ويوفقهم، فكثيرًا ما يكمن الخير في الشر، وتأتي المنحة في ثوب المحنة، ترين اليمين الواقع عليك شرًا، وفي حقيقته يقينًا كل الخير، إما أذى صرفه الله عنك، أو مرحلة تفكر يعيد فيها الكل حساباته!
استعيني بالصبر والصلاة والدعاء، والزمي الهدوء، وانتظري منه خطوة، وأدخلي وساطات عاقلة تعرف ما تقول، حتى تتمكني من رؤية أبنائك، فهذا حق أصيل لك، سواء عادت الحياة إلى مجراها، أو لم تعد، المهم أن تحسني اختيار الوسيط، فالعناد ورفع الصوت واستخدام الألفاظ البذيئة، لن يجني مُرّه سوى الأبناء، مزيدًا من الخوف والتشتت وعدم الاستقرار والحيرة بين معرفة من المذنب ومن صاحب الحق، فضعي أبناءك نصب عينيك وأنت تحاولين الصلح وإدخال وساطة!
يقولون في المثل (تنام نار تصبح رمادًا)، كناية عن كل صراع في بدايته يكون مشتعلًا متأججًا ثم يهدأ، وعامل الوقت مهم لذوبان الخلافات، المهم كيف نقضي هذا الوقت حتي ينصلح الحال؟
نمضيه في تأمل شكل العلاقة فيما فات (ما لنا وما علينا)، وتصور الوضع فيما هو آت (ما نقبل به وما لن نقبل به مجددًا)، نستعين بالله داعين ومستغفرين، نسمع لكل ناصح أمين يضع مصلحة الجميع نصب عينيه، نشغل أنفسنا بالخير عملًا وتعلمًا، فالانشغال يهون عليك صعوبة المرحلة.
نسأل الله أن يقدر لكِ الخير حيث كان ثم يُرضّيكِ به، وأن يهدي لكِ زوجكِ ويجمع بينكما على خير.