أصدر الإمام الشهيد حسن البنا- رحمه الله- رسالة العقائد في عام 1933م، ليعالج الخلل الذي انتشر في المجتمع المصري من الخُزعبلات والشّطط الصوفي البعيد عن المنهج الإسلامي والأساطير والكرامات التي كانت تُرّوج بين الناس، حتى إنهم كانوا يُقدّسون قبور الأولياء ما أوجب بتصحيح مفاهيم العقيدة ووضعها في أطر الدين الحنيف، وتربية النفوس على صحيح الدين والبعد عن البدع.
مفهوم رسالة العقائد للإمام البنا
ويوضح الإمام البنا مفهوم رسالة العقائد من خلال تعريف كلمة العقائد التي هي الأمور التي يجب أن يُصدق بها القلب، وتطمئن إليها النفس، وتكون يقينًا لا يمازجه ريب ولا يخالطه شك.
والناس في قوة العقيدة وضعفها أقسام كثيرة بحسب وضوح الأدلة وتمكنها من نفوس كل قسم، فلو أن رجلا سمع بوجود بلد لم يره كاليمن مثلا من رجل آخر غير معروف بالكذب؛ فإنه يصدق بوجود هذا البلد ويعتقده. فإذا سمع هذا الخبر من عدة رجال زاد به ثقة، وإن كان لا يمنعه ذلك من أن يشك في اعتقاده إذا عرضت له الشبهات.
فإذا رأى صورته الفوتوغرافية زاد اعتقاده بوجوده، وأصبح الشك متعسرًا عليه أمام قوة هذا الدليل. فإذا سافر وبدت له أعلامه وبشائره زاد إيقانه وزال شكه. فإذا نزله ورآه رأى العين لم يعد هناك مجال للريبة، ورسخت في نفسه هذه العقيدة رسوخًا قويًّا حتى يكون من المستحيل رجوعه عنها، ولو أجمع الناس على خلافها؛ فإذا سار في طرقه وشوارعه ودرس شؤونه وأحواله ازداد به خبرة ومعرفة، وكان ذلك أمرًا موضحًا لاعتقاده زائدًا عليه.
إذا علمت هذا فاعلم أن الناس أمام العقائد الدينية أقسام كذلك؛ منهم من تلقاها واعتقدها عادة، وهذا لا يؤمن عليه من أن يتشكك إذا عرضت له الشبهات. ومنهم من نظر وفكر، فازداد إيمانه وقوي يقينه. ومنهم من أدام النظر وأعمل الفكر، واستعان بطاعة الله تعالى وامتثال أمره وإحسان عبادته؛ فأشرقت مصابيح الهداية في قلبه، فرأى بنور بصيرته ما أكمل إيمانه، وأتم يقينه، وثبت فؤاده: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ}] محمد: 17].
وكل العقائد يؤيدها العقل، ويثبتها النظر الصحيح، ولهذا شرف الله العقل بالخطاب، وجعله مناط التكليف، وندبه إلى البحث والنظر والتفكير، قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِى الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ]يونس: 101]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ}]ق: 6]، وذم الذين لا يتفكرون ولا ينظرون، فقال تعالى: وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ]يوسف: 105].
وطالب الخصوم بالدليل والبرهان حتى فيما هو ظاهر البطلان؛ تقديرًا للأدلة، وإظهارًا لشرف الحجة. وقد ورد في الحديث أن بلالًا جاء يؤذن النبي- صلى الله عليه وسلم- بصلاة الصبح، فرآه يبكي، فسأله عن سبب بكائه، فقال: “ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكى وقد أنزل الله على في هذه الليلة {إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِى الألْبَابِ} آل عمران: 190]؟”، ثم قال: “ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها”.
فالإسلام لم يحجر على الأفكار، ولم يحبس العقول، وإن أرشدها إلى التزام حدها، وعرّفها قلة علمها، وندبها إلى الاستزادة من معارفها، فقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} ]الإسراء: 85]، وقال تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} ]طه: 114].
وتنقسم العقائد الإسلامية إلى أربعة أقسام رئيسة، الأول وهو الإلهيات ويبحث فيما يتعلق بالإله سبحانه وتعالى من حيث صفاته وأسمائه وأفعاله، ويلحق بها ما يستلزمه اعتقاده من العبد لمولاه، والثاني: النبوات ويبحث في كل ما يتعلق بالأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، من حيث صفاتهم وعصمتهم ومهمتهم والحاجة إلى رسالتهم، والثالث: الروحانيات ويبحث فيما يتعلق بالعالم غير المادي كالملائكة عليهم السلام، والجن، والروح، والسمعيات ويبحث فيما يتعلق بالحياة البرزخية، والحياة الأخروية: كأحوال القبر، وعلامات القيامة، والبعث، والموقف، والحساب، والجزاء.
ذات الله تعالى وأسماؤه في رسالة العقائد
وفصّل الإمام البنا في رسالة العقائد مفهوم ذات الله تعالى وأسماءه الحسنى، فأكد أنّ ذات الله تبارك وتعالى أكبر من أن تحيط بها العقول البشرية، أو تدركها الأفكار الإنسانية؛ لأنها مهما بلغت من العلو والإدراك محدودة القوة محصورة القدرة، ولكن يكفي أن نتذكر أن عقولنا من أكبرها إلى أصغرها تنتفع بكثير من الأشياء ولا تعلم حقائقها؛ فالكهرباء والمغناطيس وغيرها قوى نستخدمها وننتفع بها، ولا نعلم شيئًا من حقيقتها، ولا يستطيع أكبر عالم الآن أن يفيدنا عنها بشيء، على أن معرفة حقائق الأشياء وذواتها لا يفيدنا بشيء، ويكفينا أن نعرف من خواصها ما يعود بالفائدة علينا.
فإذا كان هذا شأننا في الأمور التي نلمسها ونحسها؛ فما بالنا بذات الله- تبارك وتعالى- وقد ضل أقوام تكلموا في ذات الله تبارك وتعالى؛ فكان كلامهم سببًا لضلالهم وفتنتهم واختلافهم؛ لأنهم يتكلمون فيما لا يدركون تحديده، ولا يقدرون على معرفة كُنهِه.
ولهذا نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن التفكر في ذات الله، وأمر بالتفكر في مخلوقاته. عن ابن عباس أنّ قومًا تفكروا في الله- عز وجل-، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “تفكروا في خلق الله، ولا تتفكروا في الله؛ فإنكم لن تقدروا قدره”. وليس ذلك حجرًا على حرية الفكر، ولا جمودًا في البحث، ولا تضييقًا على العقل، ولكنه عصمة له من التردي في مهاوي الضلالة، وإبعاد له عن معالجة أبحاث لم تتوفر له وسائل بحثها، ولا تحتمل قوته مهما عظمت علاجها، وهذه هي طريقة الصالحين من عباد الله العارفين بعظمة ذاته وجلال قدره.
إن الخالق المتصرف- جل وعلا- تعرف إلى خلقه بأسماء وصفات تليق بجلاله، يحسن بالمؤمن حفظها تبركًا بها، وتلذذًا بذكرها، وتعظيمًا لقدرها. وإليك الحديث الصحيح الذي جمعها؛ فنعم المعلم حديث المعلم، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعم المرشد والهادي لسان الوحي ومشكاة النبوة.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من حفظها دخل الجنة، إن الله وتر يحب الوتر”، وفي رواية “من أحصاها”. ورواه الترمذي وزاد فعد الأسماء الكريمة، وهي:
وجمهور المسلمين على أنه لا يصح أن نطلق على الله- تبارك وتعالى- اسمًا أو وصفًا لم يَرد به الشرع بقصد اتخاذه اسمًا له- تعالى-، وإن كان يشعر بالكمال؛ فلا يصح أن نقول: “مهندس الكون الأعظم”، ولا أن نقول مثلا: “المدير العام لشؤون الخلق”، على أن تكون هذه أسماء أو صفات له- تعالى- يصطلح عليها، ويتفق على إطلاقها عليه- تعالى- ولكنها إن جاءت في عرض الكلام لبيان تصرفه- تعالى- من باب التقريب للأفهام؛ فالأولى العدول عن ذلك تأدبًا مع الحق تبارك وتعالى.
ويذكر البعض أن لكل اسم من أسماء الله تعالى خواصًّا وأسرارًا تتعلق به على إفاضة فيها أو إيجاز، وقد يغالى البعض فيتجاوز هذا القدر إلى زعم أن لكل اسم خادمًا روحانيّا يخدم من يواظب على الذكر به وهكذا. والذي أعلمه في هذا وَفَوْقَ كُلِّ ذي عِلْمٍ عَلِيمٌ] يوسف: 76] أن أسماء الله تعالى ألفاظ مشرفة، لها فضل على سائر الكلام، وفيها بركة، وفي ذكرها ثواب عظيم، وأن الإنسان إذا واظب على ذكر الله تعالى طهرت نفسه، وصفَتْ روحه، سيما إذا كان ذكره بحضور قلب وفهم للمعنى، أما ما زاد على ذلك فلم يرد في كتاب ولا سنة. وقد نهينا عن الغلو في دين الله تعالى والزيادة فيه، وحسبنا الاقتصار على ما ورد.
وورد ذكر اسم الله الأعظم في أحاديث كثيرة، منها قوله- صلى الله عليه وسلم-: “اسم الله الأعظم الذي إذا دُعى به أجاب، وإذا سُئل به أعطى: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”. و”اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ]البقرة: 163]، وفاتحة آل عمران {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ]آل عمران: 2]”.
وعن أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سمع رجلا يقول: “اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام”، فقال: “لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعى به أجاب”.
صفات الله تبارك وتعالى
ويرصد الإمام البنا من خلال رسالة العقائد صفات الله تبارك وتعالى في نظر العقل السليم، ومجمل الصفات في القرآن، والفرق بين صفات الله سبحانه وصفات المخلوقين.
يقول الإمام البنا: إذا نظرت إلى هذا الكون وما فيه من بدائع الحكم، وغرائب المخلوق، ودقيق الصنع، وكبير الأحكام، مع العظمة والاتساع، والتناسق والإبداع، والتجدد والاختراع؛ لخرجت من كل ذلك من غير أن يأتيك دليل أو برهان أو وحي أو قرآن بهذه العقيدة النظرية السهلة؛ وهي أن لهذا الكون خالقًا صانعًا موجدًا، وأن هذا الصانع لا بد أن يكون عظيمًا فوق ما يتصور العقل البشرى الضعيف من العظمة، وقادرًا فوق ما يفهم الإنسان من معاني القدرة، وحيًّا بأكمل معاني الحياة، وأنه مستغن عن كل هذه المخلوقات؛ لأنه كان قبل أن تكون، وعليمًا بأوسع حدود العلم، وإنه فوق نواميس هذا الكون لأنه واضعها، وإنه قبل هذه الموجودات لأنه خالقها، وبعدها لأنه الذي سيحكم عليها بالعدم.
فهذا الهواء الذي نستنشقه مركب من عدة عناصر؛ منها جزآن هامان: جزء صالح لتنفس الإنسان، ويسمى باصطلاح الكيميائيين الأكسجين، وجزء ضار به ويسمى الكربون.
ومن دقاق الارتباط بين وحدات هذا الوجود المعجز أن هذا الجزء الضار بالإنسان يتنفسه النبات وهو نافع له؛ ففي الوقت الذي يكون الإنسان فيه يستنشق الأكسجين ويطرد الكربون يكون النبات يعمل عكس هذه العملية؛ فيستنشق الكربون ويطرد الأكسجين. فانظر إلى الرابطة التعاونية بين الإنسان والنبات في شيء هو أهم عناصر الحياة عندهما وهو التنفس، وقل لي بعد ذلك: هل يفعل هذا في هذا الكون العظيم غير عظيم قادر، واسع العلم دقيق الحكمة؟!
والإنسان يأكل الطعام وهو يتركب من عدة عناصر نباتية أو حيوانية يقسمها العلماء إلى مواد زلالية أو نشوية أو دهنية مثلا؛ فترى أن الريق يهضم بعض المواد النشوية، ويذيب المواد السكرية ونحوها مما يقبل الذوبان، والمعدة يهضم عصيرها المواد الزلالية كاللحم وغيره، والصفراء المنفرزة من الكبد تهضم الدهنيات، وتجزئها إلى أجزاء دقيقة يمكن امتصاصها، ثم يأتي البنكرياس بعد ذلك فيفرز أربع عصارات تتولى كل واحدة منها تتميم الهضم في عنصر من العناصر الثلاثة النشوية أو الزلالية أو الدهنية، والرابعة تحول اللبن إلى جبن.
وقد أفاض القرآن في ذلك، وفى لفت الأنظار إلى هذه الحكم البارعة والأسرار العالية؛ قال الله تعالى في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِى بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الروم: 20-24).
وأشارت آيات القرآن الكريم إلى بعض الصفات الواجبة لله تعالى، التي يقتضيها كمال الألوهية، فقال تعالى في سورة الرعد: (اللهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِى الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغَيْرُ صِنْوَانٍ يُّسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ في الأُكُلِ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد: 1-4].
وقال تعالى في سورة المؤمنون: (وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ * وَهُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ في الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ]المؤمنون: 78-80]. فكل هذه الآيات تنبئ بوجود الله- تبارك وتعالى-، وتستدل عليه بما ترى من تصرفاته في شؤون هذا الكون العجيب.
والذي يجب أن يتفطن إليه المؤمن أن المعنى الذي يقصد باللفظ في صفات الله تبارك وتعالى يختلف اختلافا كليا عن المعنى يقصد بهذا اللفظ عينه في صفات المخلوقين، فنقول: الله والعلم صفة لله تعالى، ونقول فلان عالم والعلم صفة لفلان من الناس، فهل ما يقصد بلفظة العلم في التركيبين واحد؟ حاشا أن يكون كذلك، وإنما علم الله تبارك وتعالى علم لا يتناهى كماله ولا يعد علم المخلوقين شيئا إلى جانبه، وكذلك الحياة، وكذلك السمع، وكذلك البصر، وكذلك الكلام، وكذلك القدرة والإرادة، فهذه كلها مدلولات الألفاظ فيها تختلف عن مدلولاتها في حق الخلق من حيث الكمال والكيفية اختلافا كليا.
ويعمد علماء العقائد إلى إثبات صفات الله تبارك وتعالى بأدلة عقلية، وأقيسة منطقية، ونحن نقول: إن ذلك حسن، لأن العقل أساس المعرفة، ومناط التكليف، وحتى لا يكون في نفس أحد أثر من آثار الشبهات و الأباطيل، ولكن الأمر أوضح من ذلك، ووجود الخالق تبارك وتعالى وإثبات صفات الكمال المطلق له صار في حكم البديهيات التي لا يحتاج إلى إثباتها دليل أو برهان.
لقد كتب الإمام البنا رسالة “العقائد” لتصحيح المفاهيم والعقيدة لدى المسلمين في فترة انتشرت فيها الخزعبلات والتمسح في قبور الأولياء، مما كان له أثر كبير في فهم صحيح الدين وتربية الناس على العقيدة السليمة.
المصادر والمراجع:
- الإمام حسن البنا: رسالة العقائد.
- سعيد حوى: كتاب الله، ص 108، 109.
- أبو المثنى: الرد على الدكتور قيس آل شيخ مبارك فيما قرره على طلابه في جامعة الملك فيصل بالأحساء في مذكرة (العقيدة والأخلاق).
- موقع عليم: خواص أسماء الله الحسنى.
- الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني: الله أهل الثناء والمجد، ص 551-553.