تعتمد العملية التعليمية على وسائل مختلفة يستخدمها المربّون في توصيل المعاني للطلاب وفق المناسب لكل فئة، وفي هذا الإطار نسوق رسائل إلى المعلم تكشف عن أهمية النقاش والحوار في التفاعل مع التلاميذ، والوصول في النهاية إلى جوانب التعلم المعرفية الأساسية.
والمناقشة من الطُّرق الفعالة التي تضمن اشتراك المتعلمين في الدرس اشتراكًا إيجابيًّا، فهي تجعلهم يواجهون المشكلات التي يعرضها الدرس ويشتركون في تحديدها ويُبدون الآراء بشأنها أو يقترحون لها الحلول وما إلى ذلك من العمليات التي تعد تدريبًا لهم على عمليات التفكير السليم.
وهى من جهة أخرى تجعل الصلة قائمة بين المعلم والتلاميذ طوال الوقت ما يساعد المعلم على معالجة الدرس معالجة تتلاءم ومستويات التلاميذ وخبراتهم السابقة، ومن الواضح أنه حين تنقطع هذه الصلة يصبح المعلم في واد والتلاميذ في وادِ آخر ما يعرض جهد المعلم للضياع.
رسائل إلى المعلم
نُوجه في موضوعنا، مجموعة رسائل إلى المعلم الذي يُريد اتباع أسلوب النقاش الناجح مع تلاميذه، لمساعدتهم على توجيه تفكيرهم باستمرار وتركيز انتباههم في نقاط الدرس ومراحله المتتالية.
ومن الواضح – كذلك- أن هذه الطريقة تساعد المعلم على تقويم مستويات التلاميذ طوال عملية التدريس، فكل سؤال يوجهه المعلم يعد بمثابة اختبار للتلميذ، كما أنّ إجابات التلاميذ تكشف عن مدى نجاح المعلم في تحقيق الأهداف المرجوة، ومن ثمّ ففي المناقشة تقويم لكل من المعلم والمتعلم.
إنّ نجاح استخدام هذه الطريقة كأسلوب للتدريس يقتضي أن يكون المعلم على درجة كبيرة من الخبرة والمرونة والقدرة على التغيير، سيّما أن الأسئلة التي تُوجه إلى التلاميذ قد تكون غير جيدة الصياغة والتحديد بحيث تشجع على التخمين، ويكون التوصل إلى إجابات صحيحة عنها من وجهة نظر المعلم مرجعه إلى الصدفة أكثر منه إلى الفهم والإدراك الصحيحين لما تتطلبه الإجابة عن السؤال من جوانب تعلم معرفية.
وقد يغالي المعلم في توجيه الأسئلة ويكثر منها فيتشتت انتباه التلاميذ، وقد يحدث مع المعلم غير المحنك أن يفقد سيطرته على النظام في الفصل فتكثر الضوضاء والإجابات الجماعية والمقاطعة ما يحد من فاعلية هذه الطريقة المهمة.
لذا، ينبغي الالتزام بنظام ثابت لإدارة المناقشة، فكل مَن يريد الإجابة عن سؤال ما عليه أن يستأذن أولًا حتى لا تسير الأمور فوضى وإنما يكون للمعلم دوره الواجب في توجيه سيرها.
وفى حالة التلاميذ الذين لا يسهمون في المناقشة ينبغي تشجيعهم على المشاركة فيها، ومما يفيد في هذا أن توجه إليهم أسئلة تعتمد إجابتها على خبرات سابقة لديهم والغالب أن ينجحوا في الإجابة عنها، وننجح نحن من جانبنا في إخراجهم من عزلتهم وإدخالهم في نطاق المناقشة.
وعلى العكس من ذلك، قد تحاول قلة من التلاميذ السيطرة على المناقشة باحتكارهم الإجابة عن معظم الأسئلة، وما يساعد على اشتراك أكبر عدد من التلاميذ في الموقف التعليمي أن تكون الأسئلة مختلفة الصعوبة بحيث يجد كل تلميذ ما يناسبه منها، كما يجب أن يبذل المعلم جهدا مقصودا لضمان عدالة توزيع الأسئلة على التلاميذ، ومن ذلك أن يوجه السؤال الصعب للتلميذ المتفوق والسهل للأقل تفوقا وهكذا.
وينبغي أن نضع في اعتبارنا أنّ الإجابات الجماعية غير مرغوب فيها والسكوت عليها يشجع على تعود الكلام دون نظام، وهي غالبًا ما تكون دليلاً على أنّ السؤال كان من السهولة بحيث تمكن عدد كبير من التلاميذ الإجابة عنه فور إلقائه.
كذلك ينبغي على المعلم أن يتجنب المناقشات الجانبية مع بعض التلاميذ، وأن يضع نصب عينيه أن تكون المناقشة موضع اهتمام الفصل كله، ومع ذلك فإن هذه الطريقة تتميز بالآتي:
تنقل التلاميذ من الموقف السلبي إلى الإيجابي، فتساعد بذلك على تحقيق الفهم السليم والتعلم الصحيح وهما لا يتمان بغير مشاركة المتعلم بنشاط في العملية التعليمية.
تجعل المعلم أقدر على توجيه درسه على أساس حال التلاميذ وحاجاتهم الفعلية.
تتيح للتلاميذ فرص التدريب على التفكير العلمي والتعبير السليم.
في طريقة المناقشة تقويم فوري لكل من المعلم والمتعلم.
رسائل إلى المعلم لنجاح النقاش
إنّ تحقيق بين المعلم والتلاميذ مرهون بعدد من الاعتبارات الأساسية التي ينبغي أن يراعيها المعلم، لذا نسوق رسائل إلى المعلم في هذا الشأن للوصول إلى هذا الهدف:
طريقة بدء المناقشة: لعل من الأساليب المفيدة لإثارة دافعية التلاميذ في بداية المناقشة هو بدؤها بعرض شيق، والقاعدة الجيدة لاتباع هذا الأسلوب في الإثارة هي بدء المناقشة بمدرك حسي ما أمكن ذلك.
الأسئلة التي يثيرها المعلم: لعل من خصائص السؤال الجيد أن يتناسب مع الهدف الذي يستخدم من أجله وأن يكون ضمن إطار خطة الدرس، كما يتناسب كذلك مع قدرات التلاميذ وخبراتهم السابقة.
وفي هذا الخصوص ينبغي أن تكون ألفاظ السؤال مألوفة في لغة التلاميذ، فأي سؤال به لفظ غريب قد يحيد بالمناقشة عن المسار المطلوب، ومما يساعد على الوضوح أن تكون الأسئلة قصيرة وكل منها يدور حول فكرة واحدة محددة؛ حيث إن احتواء السؤال على أكثر من فكرة واحدة يشتت تفكير التلاميذ.
ويجب أن يُلقى السؤال بنبرة طبيعية تصلح للمناقشة ويبدو فيها الاهتمام كما توحي بثقة المعلم بتلاميذه، ويجب أن يوجه السؤال إلى الفصل كله قبل أن يبدأ بتحديد تلميذ معين للإجابة عنه؛ إذ إنّ تحديد المجيب قبل السؤال قد يؤدي إلى عدم اهتمام بقية التلاميذ بالسؤال؛ لذا ينبغي توزيع الأسئلة على جميع التلاميذ بقدر المستطاع.
وقد أظهر تحليل الإجابات أنّ المعلمين الذين ينتظرون أوقاتًا أطول (ثلاث ثوان أو يزيد) للحصول على الإجابات، عادة ما يحرز تلاميذهم نتائج أفضل من نتائج زملائهم الذي ينتظر عليهم معلموهم فترات أقصر، وهذا يرتبط بوقت الانتظار ما يعرف (بزمن التوقف) وهو يعنى أيضًا أن المعلم يتوقف قليلاً من أجل أن يفكر تلاميذه.
وهناك نقطة مهمة نود أن نلفت النظر إليها، وهى تتعلق بموقف المعلم عندما يُخطئ أحد التلاميذ في الإجابة عن سؤال، فعندما يحدث هذا ينبغي على المعلم ألا يتهكم على تلميذه أو يسخر منه، ذلك أن تكرار هذه المواقف مع التلميذ غالبًا ما يؤدي به إلى السلبية والانعزال وإضعاف ثقته بنفسه وهو ما ينبغي تجنبه.
وإخفاق التلميذ في الإجابة قد ترجع إلى السؤال نفسه في صياغته أو في موضوعه أو فيهما معًا، فالمعلم في أمثال هذه الأحوال هو المسئول الحقيقي عن إخفاق التلميذ.
إذن، كيف يمكن للمعلم تحقيق هذا النوع من التفاعل؟
خلال المناقشة التي تجرى في الفصل الدراسي فإن المعلم يستخدم كوسيط فقط وقد حددت واجباته على النحو التالي:
- الاحتفاظ بالمناقشة مثيرة وحيوية.
- الإمساك بالمناقشة متعلقة بالموضوع المطروح ولا تحيد عنه.
- تشجيع كل التلاميذ على الاشتراك في المناقشة بفاعلية.
- استبعاد الأسئلة غير المناسبة والتعليقات غير المقبولة.
- القيام بتلخيص النقاط الأساسية التي تسفر عنها المناقشة.
- إنهاء المناقشة عندما يبدو اهتمام التلاميذ بها قد بدأ يخبو.
تفعيل الحوار بين المعلم والمتعلم
وفي سياق موضوعنا رسائل إلى المعلم لنجاح النقاش مع الطلاب، فإنه تفعيل هذا النقاش يحتاج إلى:
- حسن الخلق، وأهمها التواضع لأن ذلك له دور كبير في تقبل المتعلم للمعلم وتأثره به.
- الحلم والصبر، وهذه من الآداب الضرورية التي يجب أن يتحلى بها المعلم.
- الاستزادة من العلم: فالمعلم لا يكتفي مما لديه من العلم بل عليه أن يحاول جاهدا في الزيادة.
- الرحمة والشفقة بالمتعلم: فالله يخبر نبيه – صلى الله عليه وسلم- بأنه أرسله إلى المشركين المعاندين ليكون رحيما بهم، فمن باب أولى أن تكون الرحمة لهؤلاء الذين يطلبون العلم، قال تعالى: {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107).
- الإلمام والاطلاع على كل ما له علاقة بالحوار كأسسه وآدابه والطرق المناسبة لتطبيقه.
- استغلال الأفكار والحلول والمقترحات من قبل المتعلم وتوظيفها وإشعاره بقيمتها حتى يحدث التعزيز والثقة بالنفس.
- المرونة في الحوار حسب المواقف.
- حسن الاستماع: فكما أن للكلام آدابًا كذلك للاستماع آداب، فلا بُد أن يتقن فن الاستماع.
- الهدوء والثقة بالنفس: الطريقة الحوارية لا بُد أن تتم في جو يسوده الهدوء، ولا يقتصر على ذلك فقط، بل يجب أن يتحلى كذلك المعلم بأن يكون هادئا واثقا من نفسه.
- إثارة الحماس لدى الطلاب وإعطاء كل الأفراد حق التحاور مع احترام وجهات النظر.
- في الحوار الجيد لا بُد أن يتكلم الطالب أكثر من المعلم بتخطيط مسبق من المعلم على أن يجري تبادل الأفكار.
- مراعاة الفروق الفردية فعلى المعلم إذا أراد أن يكون كلامه مؤثرًا في تلاميذه ومقنعا لهم لا بُد أن يدرك أن عقول الناس تتفاوت.
- احترام المعلم للمتعلم: كما أنّ من حق المعلم أن يحترمه المتعلم، ومن حق المتعلم أن يحترمه المعلم.
السمات الخُلُقيّة للمعلم الناجح
ونُشير في موضوعنا رسائل إلى المعلم للسّمات الخلقية التي يتميز بها المعلم الناجح، وهي كالتالي:
- قوة الشخصية: وهي من مستلزمات الرسالة التعليمية، التي تكون سببًا في الإعانة على مواجهة المواقف الصعبة، وعدم التهرب منها، فتتم المواجهة بعزم، وثبات، ورباطة جأش دون خوف، أو تردد، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير”.
- حسن المظهر: فهناك علاقة وثيقة بين قوة الشخصية، والعناية بالمظهر، ولا بد لكل مسلم أن يعتني بمظهره العام، ويحرص دائمًا أن يبدو في صورة طيبة، وهذا من الأمور المهمة التي دعا إليها الإسلام. وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- يهتم بهذا الأمر أيما اهتمام، يقول سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري – رضي الله عنهما-: “أتانا النبي، فرأى رجلًا شعثًا، قد تفرق شعره، فقال: أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره..”.
- وقد أوصى الإمام أبو حنيفة – رحمه الله- تلميذه أبا يوسف – رحمه الله- بالاهتمام بصفات أهل العلم والمعلمين، ومنها حسن المظهر، فقال له: “وعليك بالمداراة والصبر، والاحتمال، وحسن الخلق، وسعة الصدر، واستجد ثيابك، واستفره دابتك، وأكثر من استعمال الطيب”.
- التفاؤل: إنَّ التفاؤل قوة نفسية تدفع صاحبها إلى مضاعفة الجهد، والمثابرة في العمل والاستمتاع بما يقدم دون ملل، أو كلل، أو يأس. والتفاؤل صفة يجب أن تكون موجودة في كل مسلم، حيث إن الدين يدعوه إلى أن يكون متفائلًا، راجيًا أن يكون غده خيرًا من يومه.
- ولقد كان سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يعمل على بعث روح التفاؤل، والأمل في نفوس أصحابه الكرام – رضوان الله عليهم- في أحلك الظروف التي مروا بها، ولعلَّ ما فعله يوم الخندق حيث أطبقت جيوش الأحزاب على المدينة المنورة من كل جانب، ونقضت بنو قريظة العهد مع المسلمين، وتأزم الموقف فكان أن وصفه الله بقوله: {إذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ ومِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وإذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}.
- الرفق، والرحمة، والشفقة: وهي من الصفات المهمة التي يجب أن يتصف بها كل إنسان، فكيف بمن يقوم بمهمة عظيمة خطيرة كمهنة التعليم، فلا بد من أن يكون المعلم رفيقًا، رحيمًا، ذا شفقة على تلاميذه، لأن الغلظة، والشدة، وعدم الين مع الناس توجب النفرة من المعلم، ولنا في سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، إذ قال الله تعالى في كتابه مخاطبًا رسوله الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159).
- يقول الأستاذ الشهيد سيد قطب – رحمه الله- في تفسيره عند هذا الموضع من الآية: “فهي رحمة الله التي نالته، ونالتهم، فجعلته رحيمًا بهم، لينًا معهم، ولو كان فظًا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب، ولا تجمعت حوله المشاعر، فالناس بحاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم، وضعفهم، ونقصهم”.
- ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- من الرأفة، والرحمة، وترك العنت، وحب اليسر، والرفق بالمتعلم، والحرص عليه، وبذل العلم، والخير له في كل وقت ومناسبة بالمكان الأسمى، والخلق الأعلى، يقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128)، يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله- في تفسيره موضحًا قوله تعالى: {عزيز عليه ما عنتم}: “أي: يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته، ويشق عليها، ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه: بُعثت بالحنيفية السمحة”.
- القدوة الصالحة: مما لا شك فيه أن حركات المعلم، وسكناته، وأسلوب حديثه، ومزاجه، وطريقة أكله وشربه، كل ذلك مراقب، ومحسوب عليه.
- وقال الحسن البصري – رحمه الله: “لا تكن ممن يجمع علم العلماء، وطرائف الحكماء، ويجري في العمل مجرى السفهاء”.
المصادر:
- وصية الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت إلى تلميذه يوسف بن خالد السمتي البصري.
- سيد قطب: في ظلال القرآن، 1/477.
- ابن كثير: تفسير القرآن الكريم.
- أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، 1/99.