أعدّ كثير من علماء التربية بحوثًا ودرسات عديدة بشأن دور رياض الأطفال وأثرها البليغ في سيكولوجيا الطفل، فهي تُعدّ الصفحة الأولى لشخصية الصغير وركيزة اتزانه ونموّه، وتنشئته الاجتماعية، ليقود مسيرة التنمية والنهضة في المستقبل.
وفي بحثٍ للدكتورة أماني إبراهيم الدسوقي، مدرس علم نفس الطفل، تطلعت إلى الإسهام الجاد والفعال بخدمات الروضة في بناء إنسان الغد الذي يتأكد يومًا بعد يومٍ ازدياد الحاجة إلى أن يكون إنسانًا قادرًا على المشاركة الفعّالة في تنمية مجتمعه والارتقاء به.
أهمية دور رياض الأطفال
إنّ دور رياض الأطفال لا يغفله أحد في تنشئة الصغار وحمايتهم من المجتمع والبيئة الخارجية، ويمكن أن نجمل هذا الدور في هذه النقاط:
- إعداد وتربية الأطفال التربية السليمة في هذه السن المبكرة.
- الاستثمار الأمثل لإمكانات الطفولة وصقلها بما يتفق مع التوجهات التربوية السليمة.
- وقاية الطفل في هذه المرحلة المبكرة من التعرض لتيارات الانحراف أو الخروج عن السلوك القويم.
- تعد سنوات الروضة الفترة الذهبية في حياة الفرد لتربيته اجتماعيا، حيث يعمل على إعداده وتكوينه وتشكيله بالصورة التي يتطلبها المجتمع.
- إن أي قصور في تربية الطفل في هذه المرحلة يصعب تعويضه وعلاجه في المراحل التالية ويتطلب ذلك جهودًا مضاعفة وتكلفة متزايدة وقد يعجز عن تحقيق الآمال المعقودة عليها.
رياض الأطفال ومعوقات على الطريق
ورغم أهمية دور رياض الأطفال في تنشئة الصغار، فإنّ هناك بعض المعوقات التي تقف عثرة أمام هذا الدور المهم، منها:
أولًا: عدم تواجد قاعدة بيانات أساسية لواقعها وتشمل ما يأتي:
- عدد الدور القائمة وتبعيتها للجهات المختلفة وعدد الأطفال الملتحقين بها.
- عدد الأطفال المستفيدين.
- عدد الدور المطلوبة لمواجهة الاحتياجات المستقبلية.
ثانيًا: بنية التعليم ومحتواه:
يغلب على العديد من هذه الدور تدريبها الأطفال على الكتابة رغم مخالفة ذلك للدراسات والتوجهات العلمية في هذا الصدد، وما يثير الدهشة هو تشجيع أولياء الأمور لهذا التوجه الخاطئ ويظن الآباء أن هذا التوجه سوف يكون له مردود إيجابي على العملية التعليمية والمستقبلية للطفل، وأنّ ذلك يؤدي إلى التفوق المستقبلي لأبنائهم وقد تبع ذلك التوجه بدء ظهور ظاهرة الدروس الخصوصية في هذه الدور وإن كانت محدودة.
ومن منظور آخر: فقد أدى ذلك إلى غياب دور الأنشطة في التعليم أو قصورها كأثر سلبي لهذا التوجه، إضافة إلى عدم تواجد الأدوات والأجهزة (الألعاب اللازمة لممارسة هذه الأنشطة) التي تعد الركيزة الأساسية لصقل مهارات الطفل في طفولته المبكرة، حيث يعد اللعب هو وسيلة الطفل للنمو والتعلم الذاتي.
ثالثًا: معلمة الروضة:
يُعد العنصر البشري في غاية الأهمية، لذا فإن الراصد لأوضاع تلك الدور يرصد ما يأتي:
غياب المعلمة المعدة لتأدية رسالتها في هذا المجال بل قد يصل الأمر إلى إسناد هذا الأمر إلى غير المختصين الذين لا يتوافر فيهم المؤهلات التربوية اللازمة في هذا الصدد وينعكس ذلك سلبًا على أداء المعلم داخل الروضة ومسار العملية التعليمية، وبالتالي اللجوء إلى أساليب غير تربوية في إعداد الطفل.
رابعًا: ازدواجية الإشراف والتبعية:
أناط القانون 12 لسنة 1996 والخاص بالطفل الإشراف على هذه الدور بوزارة التربية والتعليم. غير أن الراصد للمؤسسات القائمة على تربية وتعليم الطفل حتى تلك المرحلة السنية يلحظ ما يأتي:
- تبعية العديد من المؤسسات القائمة برعاية الأطفال حتى هذه المرحلة العمرية (4- 6) سنوات لجهات ووزارات أخرى تأخذ مسميات أخرى (مراكز- فصول – استضافة – أندية أطفال).
- تشرف وزارة التربية والتعليم ومديرياتها الإقليمية معًا على هذه الدور. وهذا الإشراف قد يكون (شكليًا) أو على فترات متباعدة.
- وتسعى تلك الدور إلى إرضاء أولياء الأمور الذين يشجعون هذا التوجه الخاطئ اعتقادا منهم بأن ذلك يؤدي إلى تفوق أبنائهم في المراحل التالية، ولاعتمادها في المقام الأول على اشتراكات أولياء الأمور.
- وجود التضارب بين الإشراف الفني والتبعية الإدارية والمالية لوزارات أخرى.
- تفتقر تلك الدور إلى المقومات الأساسية لرعاية الأطفال.
- تكمن الخطورة في تلك المؤسسات في التوجهات الخاصة لها حيث تشجع الأطفال على التعليم المباشر (تعليم القراءة والكتابة) مما يتعارض مع التوجهات العلمية التربوية في هذا المضمار.
خامسًا: غياب المواصفات القانونية:
والراصد لمدى توافر تلك المواصفات يجد غياب المواصفات التي حددتها اللائحة التنفيذية للقانون رقم 12 لسنة 1996 التي لم تتوفر في معظم الدور وإن كانت تتوافر في العدد القليل منها.
عدم ملائمة المعدات والأثاث والتجهيزات الخاصة بهذه الدور مع الاحتياجات الخاصة بتلك الشريحة العمرية في تلك الدور ما يفقدها أهم الدعائم والوسائل لتحقيق أهدافها.
سادسًا: العوائق المالية:
يعد المال هو المحرك الرئيسي لنشاط مختلف المؤسسات سواء كانت خدمية أو إنتاجية؛ وبالتالي ينعكس غياب أو ندرة أو قلة التمويل على قدرة أي مؤسسة على تحقيق أهدافها، حيث تُعدّ المعوقات المالية أحد أهم التحديات التي تواجه هذه الدور في أداء عملها، وذلك لضعف الاشتراكات، وانعدام التبرعات المالية.
نحو رؤية مستقبلية
ولمواجهة المعوقات التي تقف أمام دور رياض الأطفال في التنشئة السليمة، فقد وضعت الباحثة أماني إبراهيم رؤية مستقبلية لتخطي تلك الصعوبات، وهي كالتالي:
أولًا: توافر المعلومات، حيث تُعد البيانات والمعلومات ركيزة أساسية للتخطيط المستقبلي، ولجمع البيانات أهداف رئيسية تتمثل في: الوصف، التفسير، الاستقراء والتنبؤ.
ذلك أن إنشاء بنية أساسية معلوماتية شاملة لها الأهمية نفسها للأساس التكنولوجي الذي يدعمها والقدرة على تصنيف المعلومات والبحث عنها وتخصيصها بطريقة مرنة هي عنصر حيوي ومهم لأي مؤسسة كما ينبغي أن نفرق في هذا الصدد بين البيانات والمعلومات حيث إن البيانات تعد المادة الخام التي يتم تحويلها إلى معلومات بتشغيلها وتلخيصها وعرضها بالشكل الذي يتطلبه المستخدم النهائي والذي أعدت من أجلها هذه المعلومات.
ووسائل جمع البيانات تكون من خلال الإحصاءات الخاصة بالطفولة التي تصدرها الجهات الرسمية في هذا مجالات؛ التعداد العام للسكان، ودراسات المجلس القومي للطفولة والأمومة، والبحوث والدراسات.
ثانيًا: تبني خطة استراتيجية، فعلى ضوء البيانات والمعلومات ونتائج المسح الشامل لهذه الدور يمكن تبني خطة تربوية استراتيجية تشمل: المشاركون في إعداد الخطة، والهيئات التنفيذية، والكليات المتخصصة في هذا المجال، ومؤسسات المجتمع المدني، وشرائح من أولياء الأمور.
ثالثًا: مكونات الخطة الاستراتيجية، وتشمل: تفعيل أهداف هذه الدور، والمحتوى التعليمي.
رابعًا: معلمة الروضة، فإن إعدادها جيدًا يعد مكونًا مهمًّا من مكونات الخطة الاستراتيجية، بحيث تكون قادرة على الإسهام بإيجابية وفاعلية وكفاءة في تحقيق أهدافها. ويتطلب ذلك التطوير المتكامل لمناهج التدريس في كليات رياض الأطفال ما يلي:
- الاختيار الجيد للطالبات وعلى أسس علمية سليمة تتوافر فيها الاستعداد الشخصي مع صقل مهاراتها للعمل في هذا المجال من خلال الدروس النظرية والتطبيقات العملية.
- الإعداد العلمي المتميز والتربوي والنفسي والفني والأدبي.
- تنمية القدرات الخاصة بالإقناع والاقتناع والاتصال والتواصل والتعامل مع أولياء الأمور.
- الاهتمام بالجانب التطبيقي العملي من خلال متابعة جيدة وإشراف حازم وقياس مدى النمو المهني لقدرات الطالبات.
خامسًا: البيئة التعليمية، حيث إن إعداد المناخ المناسب لعملية التعليم في إطار هذه الدور، لا بُد من أن يراعي:
- توفير الأدوات والمعدات اللازمة والأساسية الخاصة برياض الأطفال.
- أن تتناسب تلك الأدوات والمعدات والتجهيزات والاحتياجات الخاصة بالطفل.
- أن تكون تلك التجهيزات مناسبة لإعداد الفصول المختلفة داخل الروضة.
- أن تراعي الخطة في إعداد هذه التجهيزات (محلية الظروف) واختلاف بعض المجتمعات عن بعضها بحيث لا تكون تلك التجهيزات نمطية وتقليدية ولا تتناسب مع بعض المجتمعات.
- أن تشمل الخطة التوسع في إنشاء مباني هذه الدور بشكل متميز يتناسب مع طبيعة الأطفال في تلك المرحلة ويكون ذلك حافزا لتواجد الأطفال بها.
سادسًا: التوصيف الأمثل للتقنية الحديثة في تعليم الأطفال خلال هذه المرحلة.
سابعًا: رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك في في إطار حقوقهم الدينية والإنسانية من خلال:
- إنشاء دور متخصصة في رعايتهم.
- الإعداد الجيد للجهاز الوظيفي الخاص بهذه الدور واستخدام الوسائل التعليمية والتكنولوجيا الحديثة التي أدت إلى تطوير الأجهزة التعويضية والمعينات البصرية والسمعية وأجهزة الحاسب الآلي وهي طريقة تتبناها اليونسكو في مجالات التعليم والتعلم.
ثامنًا: الدعم المالي، عن طريق زيادة الاعتمادات المالية المدرجة لرياض الأطفال في موازنة الدولة، والبحث عن مصادر تمويل غير تقليدية لزيادة الموارد الخاصة برياض الأطفال وتنميتها بما يتيح تحقيق الأهداف الخاصة بها، وتحفيز مؤسسات المجتمع المدني (جماعات رجال الأعمال) على الإسهام الفعال في تمويل أنشطة رياض الأطفال تحقيقًا لأهدافها.
المصادر والمراجع:
- دور رياض الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة .
- مرحلة رياض الأطفال وأهميتها .
- أهمية مرحلة رياض الأطفال.
2 comments
شكرا جزيلا على مجهوداتكم موفقين إن شاء الله
نشكر مرورك وتعليقك