لا شك أنّ التربية الإسلامية للفتاة تُسهم في إعدادها لمتطلبات الحياة الزوجية، ومواجهة تحديات ما بعد الزواج، لذلك حظيت باهتمام المسؤولين في المجالات التربوية والاجتماعية، وكذلك الجهات المسؤولة عن الإصلاح الأسري والمحاضن التربوية.
يأتي ذلك في ظل الإحصاءات الرّسمية التي تُشير إلى أنّ الطلاق في كثيرٍ من الدول العربية وصل إلى نسبٍ مُرعبة ما يُهدد الاستقرار الاجتماعي، سيّما أنّ نسب الزواج – في المقابل- انخفضت بشكل ملحوظ؛ نتيجة أسباب كثيرة على رأسها ارتفاع التكاليف.
أهمية التربية الإسلامية للفتاة
تعد الأسرة هي المسؤول الأول عن التربية الإسلامية للفتاة وإعدادها لمواجهة التحديات بعد الزواج، وذلك وفقًا للدكتور عُمر الراشدي – أستاذ التربية الإسلامية والمقارنة بجامعة أم القرى بالسعودية- الذي أكد، في دراسة له، أنّ هذه التربية تُسهم في الحد من نسب الطلاق المتزايدة، لأنها تُربي الفتاة تربية متكاملة من جميع النواحي: الجسمية، والنفسية، والعقلية، والاجتماعية.
وأوصت الدراسة بمجموعة من التوصيات أبرزها إيجاد برامج إعلامية وتربوية في مواجهة المسلسلات التي تختزل الحياة الزوجية في الحب والجنس والرومانسية، وإنشاء بيوت خبرة متخصصة في الحياة الاجتماعية لدراسة الظاهرة الاجتماعية.
وأشار “الراشدي” في دراسته، إلى خطورة إهمال تربية الفتاة قبل الزواج، وتأثير ذلك على زيادة نسب الطلاق التي وصلت خلال السنوات القليلة الماضية في السعودية إلى 21%، وفي الإمارات العربية المتحدة إلى 44%، وفي قطر وصلت إلى 30%، والكويت 32%، ومدينة الرباط في المملكة المغربية 46%، وفي مصر تُسجل 240 حالة طلاق يوميًّا، أي بمعدل مُطلّقة كل ست دقائق.
مبادئ التربية الإسلامية للفتاة
وقد ناقش الباحث في دراسته، مبادئ التربية الإسلامية للفتاة قبل الزواج، لكون المرأة تتبوأ جزءًا مهمًّا في البناء الاحتماعي للأسرة، فهي محور الحياة الزوجية، وإذا كان الزوج يتقاسم مع زوجته مهمات الحياة الأسرية، فإنها بما حباها الله من الطبيعة الفطرية وكلفها من المهمات التربوية تفوق مسؤلياتها في الجملة مسؤليات الزوج الأسرية.
إنّ هذا العطاء التربوي من الزوجة لن يبلغ مداه إلا حين تُعد الفتاة للحياة الزوجية إعدادًا تربويًّا شاملًا يُؤهلها إلى القيام بمهماها الأسرية تجاه زوجها وذريتها.
وعرض الباحث لمجموعة من المبادئ التي جاءت بها التربية الإسلامية تمثل منطلقات وقواعد رئيسية في تربية الفتاة وإعدادها للحياة الزوجية، وتكون مرجعًا للأسرة في الهداية إلى تربيتها تربية صحيحة.
ويأتي مبدأ تحقيق الفطرة على رأس هذه المبادئ، حيث إن الزوجية مبدأ عام لكل المخلوقات من إنسان وحيوان وجماد، فهو سنة كونية كلية مرتبة اتخذت مكانها في أنواع الكائنات كلها وقسمت أفراد كل نوع قسمين أو زوجين وحلّت في أحد القسمين بسر يخالف السر الذي حلت به القسم الآخر.
وإن تحقيق الفطرة الموجودة داخل الفتاة بتحقيق نزعتها نحو الزواج لهو توجه ربّاني لتحقيق التكامل بين الذكر والأنثى، ومن أجل السكن والمودة والرحمة وإنجاب النسل، وهذه الاستجابة الفطرية تجعل كل طرف يميل إلى الآخر لإشباع احتياجاته الفطرية والنفسية والاجتماعية، وجاء ذلك في قول الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الروم:21).
وفي ظل غياب التربية الزوجية للفتاة وقوة التأثير الإعلامي على المرأة، والدعوة للمساواة بين الذكر والأنثى، ظهرت بعض مظاهر التمرد على هذا المبدأ الكوني الفطري، فيما يعرف بتبادل الأدوار.
ثم يأتي مبدأ إشباع الحاجة الغريزية للجنس، وهي حاجة ملحة وفطرية لدى الرجل والمرأة لا بُد من إشباعها، والإشباع في التربية الإسلامية لا يكون إلا بالحلال وعن طريق الزواج الشرعي، وكل ما يخرج عن هذه الدائرة هو انحراف في السلوك، لذا جاءت توجيهات التربية الإسلامية للشباب بالمبادرة بالزواج لمن يملك الاستطاعة والصوم لمن لا يملك.
ومن مبادئ التربية في الإسلام، مبدأ الزواج والتأهيل للرشد، فالبالغ يصبح مكلفا ويُطالب بأركان الإيمان الستة وأركان الإسلام وغيرها من الواجبات واجتناب المحظورات الشرعية، وتبقى الولاية لا ترفع إلا بسن الرشد. وبلوغ سن الرشد هو حسن التصرف في المال والقدرة على استغلاله استغلالا حسنا، والفتاة لا تبلغ سن الرشد إلا بعد أن تخوض خبرة الزواج.
أمّا مبدأ التهيئة والتزويج للفتاة، فهو واجب ديني لا ترف تربوي، ومسؤولية يُحاسِب عليها الشرع الحكيم وأساس من أسس التربية. وعرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها لصلاحه وفضله وعلمه وغير ذلك من الخصال الجائزة لا غضاضة فيها بل ما يدل على شرفها.
كما أنّ مبدأ التهيئة الجنسية الصحيحة، وتهيئة الفتاة لفهم وتطبيق الحياة الجنسية في حياتها هو جزء من التربية الإسلامية، وجزء من الدين. ويراد بالتربية الجنسية تزويد الفرد بالمعلومات العلمية والخبرات الصالحة والاتجاهات اللازمة والسليمة إزاء المسائل الجنسية بقدر ما يسمح به نموه الجسمي والفسيولوجي والعقلي والانفعالي والاجتماعي في إطار الدين والأخلاق، ما يؤهله لحسن التوافق في المواقف الجنسية في الحاضر والمستقبل، مواجهة واقعية تؤدي إلى الصحة الجنسية.
من المبادئ – أيضًا- مبدأ التهيئة بمعرفة الحقوق والواجبات، حيث إن معرفة الفتاة للحقوق التي لها شرعًا وعرفًا والإلمام بالواجبات التي هي ملزمة بها شرعا وعرفا من أهم مبادئ تربية الفتاة وإعدادها للحياة الزوجية ومواجهة تحديات ما بعد الزواج. ولقد وضع الله للزوجين دستورًا في العلاقات الزوجية لخصه في قوله “.. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ”. (البقرة:228).
تحديات تواجه الفتاة بعد الزواج
إنّ من أهم ثمار التربية الإسلامية للفتاة هو تحدي اختلاف واقع الحياة الزوجية عن المعهود الذهني الذي رسمه الإعلام عنها من حب وجنس ورومانسية، فمن أخطر ما أوجده الإعلام من خرافاتٍ ما يُعرف بالخرافات الثلاث: خرافة الشريك المثالي، وخرافة العيش الهادئ، وخرافة الزوج مصباح علاء الدين.
ومن التحديات التي تواجهها الفتاة بعد الزواج، نقص المهارات اللازمة لنجاح الحياة الزوجية، مثل: المهارات العملية لأعمال المنزل، والمهارات العاطفية، ومهارات التواصل وحل المشكلات.
هناك – كذلك- تحدي العمل المستمر في بيت الحياة الزوجية وتحمل المسؤولية، فمن الممكن أن يكون للفتاة مهارات سابقة لكن ليس لديها تصورات كافية عن حجم هذه التصورات من حيث تربية الأطفال والعناية والاهتمام بالزوج أو العمل بالمنزل الذي لا ينتهي أو العمل خارج المنزل والعودة إلى المنزل لاستكمال دورها دون توقف، وبخاصة لو كان شريك حياتها غير متعاون.
وتواجه الفتاة بعد الزواج تحدي البرود العاطفي وروتين الحياة اليومية، فالمرأة بطبيعتها تود العيش في دفء المشاعر والعواطف قولا وعملا، فهي تحب أن تسمع كلمات لطيفة تشعرها بأنوثتها وبحب زوجها لها واحتياجه إليها كما تحتاج هي إليه وتسعى لرضاه وسعادته. والبرود العاطفي من المشكلات التي تؤدي لتفكك الأسرة، وكان من الواجب في الأسرة تهيئتها على طبيعة الحياة الزوجية.
كما تواجه الفتاة تحدي العلاقات الاجتماعية و على الحياة الزوجية، وتحدي الاستعداد للإنجاب وتربية الأبناء الذي يكون له الأثر النفسي عليها وإجهادها بدنيا.
أهمية تعليم الفتاة المسلمة
وفي دراسة أخرى أعدها الدكتور عدنان حسن باحارث، أكد أن التربية الإسلامية للفتاة لا بد من أن تراعي الجانب التعليمي، باعتبارها إنسانًا وعضوًا اجتماعيًا له حقوق، فالإسلام بمنهجه الفريد يفرض على أتباعه بأعيانهم تعلم ما لا يسعهم جهله، ويفرض على الأمة في مجموعها التفوق العلمي في شتى العلوم والمعارف، إضافة إلى أن التراث الإسلامي يحوي منهجًا تربويًا متكاملًا لإعداد الفتاة المسلمة، وبناء شخصيتها المتكاملة.
والمقصود: هو ما يحققه التعليم بمهاراته المختلفة من مقاصد حسنة لشخص الفتاة، وتظهر أهمية ذلك في الآتي:
- تحقيق التعليمِ إنسانيةَ الفتاة.
- استكمال الفتاة للتعليم شرط التكليف الشرعي.
- تحقيق التعليم لحاجة الفتاة إلى النجاح والإيجاز.
- تخفيف التعليم من شعور الفتاة بالنَّقص.
- الاستفادة من تعليم الفتاة في المحافظة على التراث الإسلامي.
- إسهام تعليم الفتاة في الترقي الاجتماعي.
- الاستفادة من تعليم الفتاة في الاستقرار السياسي.
- إسهام تعليم الفتاة في الحدَّ من الانحرافات الأخلاقية.
أهداف تعليم الفتاة المسلمة
والهدف من التعليم ضمن التربية الإسلامية للفتاة هو ما يرمي إليه تعليمهن من أغراض شاملة تُحقق مصلحة الأمة في بنائها العلمي والحضاري، وفي تماسكها العقدي، بحيث لا يتدخل في تعليم أفرادها غيرها، إضافة إلى تمكين أفراد المجتمع – بما فيهم الإناث- من نيل حقوقهن التعليمية والتثقيفية، ويتضح ذلك في النقاط الآتية:
- قيام المجتمع المسلم بحق الفتاة في التَّعلُّم.
- إعادة بناء التفوق العلمي للفتاة المسلمة.
- كف الأعداء عن المشاركة في تعليم الفتاة المسلمة.
- تعويد الفتاة على استخدام قدراتها العقلية.
- تدريب الفتاة على الأخذ بالحكمة العقلية.
- تحذير الفتاة من اتباع الهوى.
- تنفير الفتاة من التقليد الاجتماعي الأعمى.
المصادر:
- عدنان حسن باحارث: أسس التربية الإيمانية للفتاة المسلمة، ص 57.
- يوسفي القرضاوي: العبادة في الإسلام، ص64.
- دور الأسرة في إعداد الفتاة لبيت الزوجية